مُلَخَّص أحكام قضاء الحاجة وسُنَن الفِطرة [1]
قضاء الحاجة:
هي كِناية عن خروجِ البَول والغائط، وقد يُعبَّر عنه بـ(الاستطابة)، أو (التخلِّي) أو (التبرُّز)، وكلها عباراتٌ صحيحة.
آداب قضاء الحاجة:
1- أن يقولَ عندَ دخول الخلاء:
"بسمِ الله، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن الخُبْثِ والخبائث"، و((الخُبُث)) - بضم الخاء والباء - هم ذُكور الشياطين، و((الخبائث)): إناثهم، وتُنطَق أيضًا: ((الخُبْث)) بسكون الباء، ومعناها: الشَّر، ويكون معنى ((الخبائث)): النفوس الشِّريرة.
• واعلم أنّه يقول هذا الدعاء قبل أن يدخل الخلاء، وهذا يكونُ في الأماكن المُعدَّة لذلك، وأمَّا في الفضاء (كالصحراء) فيقول الدعاءَ عندَ البدء في تشميرِ الثياب، وهذا هو مذهَبُ الجمهور.
2- أن يقول إذا خَرَج من الخلاء:
"غُفْرانَك".
3- لا يَسْتصحِب ما فيه ذِكْرُ الله عزَّ وجلَّ (إلا إنْ خَشِيَ عليه الضياع، أو خَشِيَ أن ينساهُ إنْ تَرَكَهُ في مكانٍ ما)؛ وذلك لأنَّ في استصحابِ ما فيه ذِكْرُ الله - عزَّ وجلَّ - في الخلاء: ما يُشعِر بعدمِ التعظيم، وقدْ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30].
4- ألاَّ يَرُدَّ على أحدٍ السلامَ أثناءَ قضاء الحاجة، ويُلْحَق بذلك كلُّ كلامٍ فيه ذِكْرٌ للهِ عزَّ وجلَّ (كترديدِ الأذان ونحوه)، لكنه لا يُمنَعِ من الكلام مُطلقًا (خاصة إذا كانَت هناك حاجة للكلام).
5- عند قضاء حاجته (في الصحراء مثلاً): يَبتعدَ ويستترَ عن أعينِ الناس، ولا يَرفعَ ثوبَه إلا عندما يقترب مِن الأرض، وذلك زيادةً في السِتر.
6- ألاَّ يَستقبِلَ القِبلة ولا يستدبرَها أثناء قضاء حاجته، فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا جَلَس أحدُكم لحاجتِه، فلا يستقبلِ القِبْلةَ ولا يَستدبِرْها))[2]، وقد اختلف العلماءُ في هذا النهي؛ هل يشمل البُنيانَ (كالحَمَّامَات)، أم أنه يُختصُّ بالصَّحارِي دونَ البُنيان؟ والأَوْلى: شمولُ ذلك لهما (البُنيانَ والصحاري معاً)، إلا إنْ دعتِ الحاجة واضطرَّ في البنيان أن يستقبلَ القِبلة أو يستدبرها، كأنْ تكون الحَمّامات قد بُنِيَت في مكانٍ مستقبل القبلة أو مستدبرها.
7- أن يَستنْزِهَ من البول، يعني يتحَرَّى عليه ألاّ يقع رَذاذ البول: ومِن ذلك اختيارُ المكان الرَخو (وهو الذي لا يساعد على ارتداد البول عليه، كالتراب)؛ لأنَّ المكان الصلب لا يَأمَن معه رَذاذَ البول، وقد ثبتَ في حديثِ الرَّجُلين اللَّذين يُعذَّبان في قبورهما أنَّ أحدهما كان لا يستنزِهُ من بولِه[3]، وأما إذا اضطر لاستعمال ما تُعرَف بـ (المَبْوَلَة): فعليه أن يتحرَّى عدم ارتداد البول قدر استطاعته، كأنْ يفتح الماء أثناء تبوله، وأن يضع بَوْلتهُ في مَجرَى المَبْوَلَة وليس في جدارها.
8- ألاَّ يقضيَ حاجته في طريقِ الناس وظلِّهم ونحو ذلك، فقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اتَّقوا الملاعِنَ الثلاثة: البَرَاز في الموارِد - أي موارد الماء، وهو منبع المياه الذي يستخدمه الناس في السِقاية والرَيّ -، وقارِعَةِ الطريق -وهو المكان الذي يسير فيه الناس -، والظِّل - وهو المكان الذي يستظل به الناس))[4]، ومعنى الملاعن: أي التي تكون سببًا في لعن فاعلها؛ فكُلُّ مكان ينتفع الناس به كقارعة الطريق والظل الذي يستظلون به ونحو ذلك، ينبغي ألاَّ تقضى فيه الحاجة، ومثله في الشتاء: المكان الذي يجلسون فيه للتدفئة.
10- ألاَّ يَبُولَ في الماء الراكد الذي لا يجري (مِثل البرْكَة)، وكذلك لا يَبُولَ في مُستحَمِّه - مثل الـ (بانيو) - ثم يتوضَّأ فيه، لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى الوسوسةِ بالتنجيس، أما إذا كانَ الماء يجري بحيثُ يَضمن عدم وجود نجاسة: فلا حرج.
11- يَجُوز التبوُّلُ قائمًا، ويَجُوز التبوُّلُ قاعدًا بشرْط أنْ يأمَن رشاشَ البول، والأفضل أن يَبُولَ قاعدًا؛ لأنَّ هذا هو الغالِب مِن هَدْيِهِ - صلَّى الله عليه وسلَّم.
12- يَجِب الاستنجاء وإزالة ما على السَّبيلين من النجاسة: سواء كانتْ هذه الإزالةُ بالماء، أو بالحجَر - إن لم يجد الماء -، أو بكلِّ جامدٍ طاهر، قالِع للنجاسة، ليس له حُرْمة، والمقصود بقولنا: (جامِد): أي ليس رخوًا (كالتراب أو الطين)، ولكنْ اعلم أنَّ المنديل يَصلُح لإزالة النجاسة - على الرغم مِن أنه ليس صلباً -، وذلك لأنه يُمكن التحكم فيه في إزالة النجاسة، ومعنى (طاهر): أي أنّ الشيء النجِس لا يَصْلُح، ومعنى (قالِع للنجاسة): أي أنّ الشيء الأمْلَس لا يَصْلُح كـ (الزَلَط) وغيره، لأنه لا يستطيع قلع النجاسة، ومعنى (ليس له حُرْمة): أي لا يَصلُح لطعامٍ ونحوه، فلا يَستنجي مثلاً بعَظْم، أو بأيِّ شيءٍ مُحترَم من المطعومات.
13- لا تقِلُّ عددُ المسحات في الاستنجاء عن ثلاثِ مرَّات.
14- أن تكونَ عددُ المسحات وترًا، فإنْ لم يُنقَّ مَحلّ النجاسة مِن ثلاث مرَّات، واحتاج إلى رابعةٍ، فلْيَسمح معها الخامسة، وهكذا بأن ينتهيَ إلى وتْر.
15- ألاَّ يستنجيَ بيمينه - يعني لا يمسح النجاسة بيمينه - (وأما لو اضطر أن يمسك ذكره باليمين دون أن ينظفه؟؟) - يعني بعيداً عن فتحة البول - ولكنْ لمساعدة اليد اليُسرَى فقط في إزالة النجاسة، واعلم أنه لا بأسَ من استعمالِ صنابيرِ المياه الحديثة التي تُزال بها النجاسَة، دونَ الحاجةِ إلى اليد؛ إذِ المقصودُ تطهيرُ المحلِّ.
16- يَغْسِل يدَه بعدَ الاستنجاء، لإزالةِ ما عَلِقَ بها مِن نجاسة.
17- الدُّخول بالرِّجْل اليُسْرَى، والخُروج بالرِّجل اليُمنى.
ملاحظات:
1 - لا يَجُوز الاستنجاءُ مِن خروج الرِّيح، وقد صَرَّح الإمام النوويُّ بأنَّ الاستنجاء مِن الرِّيح بِدْعة.
2 - ما يَفْعَلُه كثيرٌ مِن الناس مِن (السَّلْت والنَّتْر) - وذلك بأن يُمرِّر إصبعيه مِن أصل الذكر إلى أوَّله - لا دليلَ عليه، وكذلك المشي خُطواتٍ والقَفْز ونحو هذا، فكلُّه بدعة، وهي مِن باب الوسوسة، ولكنْ إذا كانَ به مَرَض معين، ويعلم أنه لا يَخرج منه البول كاملاً إلا بهذه الطريقة فلا حَرَج.
3 - قال ابن تيمية رحمه الله: "ولا يَجِب غسْلُ داخلِ فرْج المرأة في أصَحِّ القوْلَيْن"[5].
4 - كَرِهَ أهلُ العلم قضاءَ الحاجة في الجُحور ونحوِها، والحديث الذي استدلُّوا بهِ قد صحَّحه بعضُ العلماء، وضعَّفه بعضهم، وأيًّاً كان، فالأَوْلى ألاَّ يقضيَ حاجتَه في الجُحر؛ لأنَّه قد يخرُج من الجُحر ما يؤذيهِ مِن حشرات، أو حيَّات، أو نحوها.
5 - لا دليل لمَن ذهَب إلى كراهةِ استقبال الشمس والقمر حالَ قضاء الحاجة، والصحيحُ: عدمُ الكراهة.
سُنن الفِطرة:
معنى الفطرة: ذهَبَ أكثرُ العلماء إلى أنَّ الفطرة: هي السُّنَّة، وقيل: هي الدِّين، واعلم أنه قد ورد بيانُ سُنن الفِطرة في أحاديثِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الآتية:
• قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خَمْسٌ مِن الفطرة: الاستِحْداد، والخِتان، وقَصُّ الشارب، ونتْفُ الإِبْط، وتقليمُ الأظافِر))[6]، وقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عَشْرٌ مِن الفِطرة: قصُّ الشارب، وإعفاءُ اللِّحْية، والسِّواك، واستِنشاقُ الماء، وقصُّ الأظافِر، وغَسْلُ البَراجِم، ونَتْفُ الإِبْط، وحَلْقُ العانة، وانتقاصُ الماء - يعني: الاستنجاء - قال مُصعَب راوي الحديث: ونَسيتُ العاشرةَ إلا أن تكونَ المَضْمَضمة))[7]، وإليك الآن بيانَ حُكْم كل سُنَّة من هذه السُّنن كما يلي:
أولاً: قص الشارب:
وردَتْ أحاديثُ بحَفّ الشارب، كما وردت أحاديث أخرى بقصِّه، وأخرى بجَزِّه - يعني تقصيره باستخدام آلة ذات حدين كالمقص ومكنة الكهرباء -، فقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن لم يأخُذْ مِن شاربه، فليس منَّا))[8]، وقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((جُزُّوا الشواربَ، وأرْخُوا اللِّحَى؛ خالفوا المَجُوس))[9].
قال النوويُّ رحمه الله: "المختارُ أنَّه يُقصُّ حتى يبدوَ طرفُ الشَّفَة، ولا يُحفِيه مِن أصْله، قال: وأمَّا رواية: ((أحْفُوا الشوارِب))، فمعناها: أحْفُوا ما طالَ عن الشفتَيْن"[10].
قال الإمام مالك رحمه الله: (يُؤخَذ مِن الشارب حتى يبدوَ أطرافُ الشفة).
وقال الإمام أحمد رحمه الله: (إنْ أحْفاه فلا بأس، وإنْ أخذَه قصًّا فلا بأس).
قال الشيخ عادل العزّازي: (وأمَّا أحاديث (الجَزّ)، و(النَّهْك)، فالأَوْلى أن تُحمل على معنى المبالَغة في القصِّ، وهو بمعنى الإحْفاء)، وأما الذي يَحلِقهُ بالمُوس، فقد خالَفَ السُنَّة، وليسَ عليه إثمَ.
ثانيًا: إعفاء اللحية:
يَجِب إعفاءُ اللحية، ويَحرُمُ حلْقُها؛ وذلك لورود الأمرِ بإطلاقها بعبارات مختلِفة، مثل: ((أعْفوا، أوفوا، أرْخوا))، والأمر يُفيد الوجوبَ - كما هو مُقرَّر في عِلم الأصول، وذلك لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [النساء: 59]، وطالما أنه لم يأتِ دليلٌ آخر ينقل هذا الأمر (بإعفاء اللحية) من مرتبة الوجوب إلى مرتبة الاستحباب، فلم يَقُل - صلَّى الله عليه وسلَّم - مثلاً: (مَن أرادَ أن يَعفِيَ لحيته فليفعل)، أو نحو هذا، ثم اعلم أخَا الإسلام أنَّ حَلْق اللحية - فضلاً عن كونِه معصية - إنكارٌ للرجولة والفُحولة، وتشبُّهٌ بالنِّساء والمُرْدان.
• وفي حلْق اللِّحْية تغييرٌ لخلْق الله؛ وقد قال تعالى: ﴿ لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]، وقال تعالى حكايةً عن الشيطان: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 119]، لذلك لم يُعْرَف في سِيَر الأنبياء، أو الخُلفاء، أو أئمَّة الهُدَى أحدٌ كان يَحلِقُ لحيته، فمَن خالفَهم فقدِ اتَّبع غيرَ سبيلهم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 155].
ملاحظات:
1 - لا يَجُوز تخفيف اللحية، (وذلك بالأَخْذُ مِن عرْضها أو مِن طولها (إذا كانتْ أقلَّ مِن قبضة))، والحديثُ الوارد في جوازِ الأخْذ منها ضعيفٌ لا يَصِحُّ، لكن الخِلاف إذا زادتِ اللِّحْية عن قبضة؛ فقد ثبَت أنَّ ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا حَجَّ أو اعتمرَ: قبَضَ على لحيته، فما فضَلَ: أخَذَه.
والمُلاحَظ أنَّه كان يفعل ذلك في حجٍّ أو عمرة، ولم يثبُتْ ذلك عن أحدٍ غيرِه من الصحابة - فيما نعْلَم -، كما لم يثبتْ ذلك عن النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -، مع ما هو معلومٌ مِن كِثَّةِ لِحاهم - يعني مِن غزارتها وكثافتها وطولها -، فالراجح عدمُ الأَخْذ منها أيضًا حتى لو زادتْ عن القبضة.
2 - لا يَجُوز للحلاَّق أن يَحْلِق للناسِ لِحاهم، وإنْ فعَلَ: فهو آثِم، وهذا المالُ الذي يتعاطاهُ حَرام[11].
ثالثًا: السواك:
والسواك: هو استعمالُ عُودٍ أو نحو ذلك، تُدَلَّك به الأسنان؛ ليُذهِبَ الصُّفْرة وغيرها عنها، وهو مِن السُنن المؤكَّدة؛ لما ثبت أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لولا أَنْ أَشُقَّ على أمَّتي لأمرتُهُم بالسِّواكِ عندَ كلِّ صَلاة))[12]، وفي رواية لأحمد: ((مع كلِّ وضوء))[13]، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((السِّواك مَطْهَرَةٌ للفمِ، مَرْضاةٌ للرَّبِّ))[14].
• وقد كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - كثيرَ الاستعمال للسِّواك، ولا يُختصُّ ذلك بوقتِ الصلاة والوضوء فقط؛ بل هو مُستحَبٌّ في كلِّ وقت؛ لعموم حديث عائشةَ السابق، ويزداد تأكيدًا عندَ الصلاة والوضوء، وفي مواضعَ أخرى:
منها: عندَ دخول البيت، فقد كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخَل بيته يبدأ بالسِّواك[15].
ومنها: عندَ القِيام من النَّوْم فقد كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا قام مِنَ اللَّيلِ يَشُوصُ فاهُ بالسِّواك[16]، ومعنى (يَشُوصُ فاه)؛ أي: يغْسِله ويُنظِّفه، وقيل: يُدلِّكه.
ومنها: عندَ قِراءة القرآن؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ العبدَ إذا تَسوَّك، ثم قام يُصلِّي: قام المَلَكُ خلْفَه، فسَمِع لقِراءته، فيَدنو منه حتى يضعَ فاهُ على فِيه، وما يخرُج مِن فِيهِ شيءٌ مِنَ القرآن إلا صارَ في جوْف المَلَك، فطَهِّروا أفواهَكم للقرآن))[17].
ومنها: عند تغيُّر رائحةِ الفم؛ لأنَّ السِّواك مَطهَرَةٌ للفمِ كما تقدَّم.
• أمَّا طريقة التسوُّكِ، فإنه يُمرِّر السواكَ بعَرْض الأسنان وطُولها، كما يُستحَبُّ أن يُمرِّرَه أيضًا على الحَلْق مِن أعْلى.
تنبيهات:
1- يَجُوز أن يَستاكَ بأيِّ شيءٍ يُزيل التغيُّر، والأفْضَل أن يكون مِن عُود الأراك، ويُعتبَر استخدامُ فرشاة الأسنان: تسوُّكًا.
2- يَجُوز الاستياكُ للصائمِ، سواء كان ذلك قبلَ دخول وقت الظهر أو بعد ذلك.
3- يَجُوز الاستياكُ باليدِ اليُمنى أو اليُسْرى، فالأمر واسِع؛ لأنَّه لم ينصَّ دليلٌ على تقييده بإحداهُمَا، والله أعلم.
4- قال ابن القيم: "وفي السِّواك عِدَّة منافع: يُطيِّب الفم، ويَشُدُّ اللَّثَة، ويَقْطَع البلغم، ويَجْلُو البصر، ويَذْهَب بالحَفَر - (وهي الصُّفْرة التي تعلو الأسنان) -ويصحُّ المَعِدة، ويُصفِّي الصوت، ويُعين على هضْمِ الطعام، ويُسهِّل مجاريَ الكلام، ويُنشِّط للقراءة والذِّكْر والصَّلاة، ويطرُد النَّوْم، ويُرْضِي الربَّ، ويُعجِب الملائكة، ويُكثر الحسنات".
رابعًا: المضمضة واستنشاق الماء:
وسيأتي بيانُ أحكامهِما في أبوابِ الوضوء.
خامسًا: تقليمُ الأظفار:
وفي بعضِ الرِّوايات: ((قصُّ الأظْفار))، وسواء في ذلك أظفار اليَدَيْن والرِّجلَيْن، والمراد بالتقليم: (القَطْع)، وهو بمعنى القصِّ، وهو سُنَّة بالاتفاق، ويستوي في ذلك الرَّجُل والمرأة.
واعلم أنَّه لم تَرد أدلَّة في كيفية القصِّ، وبأيِّ الأصابع يبدأ، فعَلَى أيِّ صِفةٍ فعَلَ: أجزأه، واعلم أيضاً أنه يُكرَه أن تُترَكَ الأظفار - وكذلك الإبْط والعانة والشارب - أكثرَ مِن أربعين ليلة.
تنبيه:
ليس هناك دليلٌ على دفْن قِلامة الأظفار، ولا الشَّعْر المحلوق، فيَجُوز إلقاؤُه في القمامات، ولا حرَجَ في ذلك.
سادسًا: نتْف الإبْط:
وهو سُنَّةٌ بالاتِّفاق؛ قال النوويُّ رحمه الله: "والأفْضَل فيه النَّتْفُ إنْ قوِيَ عليه، ويحصُل أيضًا بالحَلْق"[18].
سابعًا: حلْق العانة:
ويُقال له: (الاستحداد)، وهو سُنَّةٌ - يعني مستحبّ - بالاتِّفاق أيضًا، والمقصود بالعانة: الشَّعْر الذي فوق ذَكَر الرَّجُل وحواليه، وكذا الشَّعر الذي حوالَي فرْج المرأة، وسواء في ذلك البِكْر والثيِّب، والسُّنَّة فيه: الحلْق، كما نُصَّ عليه في الحديث، فإنْ أزالَهُ بمُزيل، أو بقصٍّ، أو نتْف، أو نحوه: حصَل المراد ولا بأس، قال النووي: والأفْضَل الحَلْق.
ثامنًا: غسل البراجم:
والبَراجم: هي عُقَد الأصابع ومعاطِفُها - وهي التجاعيد التي تظهر في ظهر اليد عند فرْد الأصابع، لأن هذا المكانٌ تتجمع فيه الأتربة وغير ذلك -، وغَسْلُها سُنَّة - يعني مستحب -، وقد قال العلماء: "ويُلحق بالبراجم ما يجتمِع مِن الوَسخِ في معاطِف الأُذن وقعْر الصِّماخ - وهو المكان الذي يتجمع فيه الشمع، بشرط ألا يُدخل فيه ماء كثير حتى لا يتضرر به، ولكن يمسحه بأصابعه المبلولة بالماء بَلاًّ خفيفاً"[19].
تاسعًا: الاستنجاء:
وقد سبَق الكلامُ عليه بالتفصيل في آداب قضاء الحاجة.
عاشرًا: الخِتان:
ومعناه في اللُغة: التطهيرُ والقَطْع، ومعناه في الشَّرْع: قطْع الجِلْدة المستديرة التي على الحشَفَة - وهي رأس الذَّكَر - ويُقال لها: القلفة، هذا بالنسبة للرِّجال، وأمَّا بالنسبة للمرأة فيُقطْع أدْنَى جزءٍ مِن الجِلْدة المستعلية فوق الفرْج والتي تشبه عُرْف الدِيك، على ألاَّ تُنهك؛ لِمَا سيأتي في الحديث: ((أشِمِّي ولا تَنْهكي))؛ أي: اتركي الموضِع أشمَّ، و(الأشَم): المرتفع.
مشروعية الختان (يعني الدليل على أنه من الشرع):
وردتِ الأدلَّة بمشروعيته في حقِّ الرِّجال والنِّساء؛ منها: ما تقدَّم في الحديث: ((خمسٌ مِن الفِطْرة))، وذكَر فيها الخِتان، ومنها: قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا الْتَقَى الخِتانان فقدْ وجَبَ الغُسْل))[20]، وعن أُمِّ عَطيةَ الأنصاريَّة رضي الله عنها أنَّ امرأةً كانتْ خاتنةً بالمدينة، فقال لها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا خَفضْتِ فأشمِّي ولا تَنهَكي؛ فإنَّه أسْرَى - أي أنضر - للوجهِ، وأحْظَى عندَ الزَّوْج))[21].
حُكْم الختان:
اختَلَف أهلُ العِلم في حُكم الخِتان، على النحو الآتي:
فقد ذهَبَ الشافعيةُ إلى أنه واجبٌ في حقِّ الرجال والنِّساء، وذهَب الحنفية والمالكية إلى أنه للرِّجال سُنَّة، وهو مَكرُمة للنِّساء[22]، وعن أحمدَ: الخِتان واجبٌ للرِّجال، ومَكْرُمة في حقِّ النِّساء، وفي رواية عنه: أنَّه واجبٌ في حقِّ الرِّجال والنِّساء.
وقت الختان:
بالنسبة للغلام يمكن أن يُقال: يَجُوز الختان بدءاً من اليوم السابع، ويَجب عليه الخِتان إذا قُارَبَ على البلوغ [23]، وأمَّا الجارية (البنت) فلمْ يُحدَّد لها وقت، إلا أنَّ المُعتبَر فيه: التأخيرُ؛ لكي يظهر (العُرف) وينمو، ولا يكون ذلك إلا في سِنٍّ متأخِّرة، والمعتبَر في ذلك رأي الطبيبة التي تُجرِي عمليةَ الختان.
الحِكمة من الختان:
للخِتان حِكَمٌ كثيرة، نذْكُر بعضها[24]:
1 - هو مُكَمِّل للفِطرة التي هي الحنيفيَّة (مِلَّة إبراهيم عليه السلام).
2 - ذهَب بعضُ المفسِّرين إلى أنَّ الخِتان هو معنى قوله تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 138]، فالخِتان للحُنفاء بمنـزلةِ الصبغ والتعميد لعُبَّادِ الصليب، فصِبغة الله في القلوب: معرفتُه ومحبَّته وعبادته، وفي الأبدان: خِصال الفِطرة، ومنها الختان.
3 - الخِتان طهارةٌ مِنَ الوسَخ والنَجَس، الذي يتجمَّع داخلَ رأس الذكر.
4 - أنَّه بالنِّسْبة للمرأةِ: أنْضَرُ للوجهِ وأحْظَى للزَّوْج - كما تقدَّم في حديثِ أمِّ عطية الأنصارية رضي الله عنها.
________________________________________
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)
[2] رواه مسلم (265)، أبو داود (8)، والنسائي (1/ 38)
[3] البخاري (216)، ومسلم (292)، وأبو داود (20)، والترمذي (70)، والنسائي (1/28)، وابن ماجه (347).
[4] حسن بشواهده: رواه أبو داود (26)، وابن ماجه (328)، والحاكم (1/ 167)، وصحَّحه، قال الشيخ عادل العزّازي: بل فيه انقطاعٌ، لكن له شواهد يتقوَّى بها؛ انظر: "تلخيص الحبير" (1/ 105)، و"إرواء الغليل" (62).
[5] "مختصر الفتاوى المصرية" (ص: 41).
[6] البخاري (5889)، ومسلم (257)، وأبو داود (4198)، والترمذي (2756)، وابن ماجه (292).
[7] مسلم (261)، والترمذي (2758)، والنسائي (8/ 128)، وأبو داود (53).
[8] صحيح: رواه أحمد (4/ 366)، والنسائي (1/ 8، 15/ 129)، والترمذي (2761).
[9] مسلم (260)، وأحمد (2/ 366).
[10] "شرح مسلم للنووي" (3/ 149).
[11] انظر فتاوى اللجنة الدائمة (5/ 176) رقم (4155) ترتيب الدويش.
[12] البخاري (887)، ومسلم (252)، وأبو داود (46)، والترمذي (22)، والنسائي (1/ 12)، وابن ماجه (287).
[13] صحيح: أحمد (2/ 460/ 517 )، وابن أبي شيبة (1/ 169).
[14] إسناده حسن: رواه أحمد (6/ 47)، والنسائي (1/ 10)، والبخاري تعليقًا (4/ 181)، كتاب الصيام باب السواك الرطب واليابس للصائم.
[15] مسلم (253)، وأبو داود (51)، والنسائي (1/ 13)، وابن ماجه (290) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[16] البخاري (245)، ومسلم (255)، وأبو داود (55)، والنسائي (1/ 8)، (3/ 212)، وابن ماجه (286) من حديث حُذَيفةَ رضي الله عنه.
[17] صحيح لغيره: رواه البزار (603)، والبيهقي (1/ 38)، وانظر "السلسلة الصحيحة" (1213).
[18] "شرح صحيح مسلم" (3/ 149).
[19] انظر: "نيل الأوطار" (1/ 136)، و"المجموع" (1/ 288).
[20] رواه ابن ماجه (611)، وأحمد (2/ 178)، والطبراني في الأوسط (4/ 380)، وابن حبان (1183) من حديث عائشة، ورواه مسلم (349)، ومالك (1/ 66) نحوه.
[21] حسن لغيره: رواه أبو داود (5271)، وله طرق وشواهد، انظر "السلسلة الصحيحة" (722).
[22] قال القاضي عِياض: السُّنة عندَهم - أي عند المالكية -: يأثم بترْكِها.
[23] وفي المسألة أقوال واختلافات، انظر "فتح الباري" (10/ 241، 242).
[24] من كتاب "تحفة المودود" لابن القيم بتصرُّف.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/6004...#ixzz8nLTwKNAq