20 ** بماذا أهلك الله قوم نوح .
بالغرق .
قال تعالى ( فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون . ثم أغرقنا بعد الباقين ) .
وقال تعالى ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر . وفجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر ) .
وقال تعالى [ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها ... ] .
وقال تعالى ( وحملناه على ذات ألواح ودسر ) .
- ذكر المفسرون في قصة نوح أن كل الجبال غمرها الطوفان ، وهو ظاهر القرآن ، بدليل أن ابن نوح حينما قال له أبوه : يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ، رد عليه ابنه قائلاً : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ، فرد عليه نوح عليه السلام قائلاً : لا عاصم اليوم من أمر الله .
- والظاهر أن كل من لم يكن في السفينة من أهل الأرض قد غرقوا كما قال تعالى ( فأنجيناه وأصحاب السفينة ) و
[ الفلك المشحون ] المملوء . [ بماء منهمر ] المنهمر الكثير .
[ التنور ] وجه الأرض ، أي صارت الأرض عيوناً تفور حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار صارت تفور ماء . وهذا قول جمهور السلف والخلف . [ تفسير ابن كثير : 2 / 382 ] . [ ودسر ] هي المسامير .
19 ** أين استوت سفينة نوح ؟
على جبل الجودي .
قال تعالى [ وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين ] .
[ وغيض الماء ] أي شرع في النقص .
[ وقضي الأمر ] أي فرغ من أهل الأرض قاطبة ممن كفر بالله لم يبق منهم ديار .
[ واستوت ] أي السفينة .
[ على الجودي ] هو جبل شامخ معروف في نواحي الموصل .
20 ** من الذي غرق من أهل نوح ؟
ابنه كان من الغارقين وكذلك زوجته .
قال تعالى [ ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين . قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء . قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم 0 وحيل بينهما الموج فكان من المغرقين ] .
قال ابن كثير : اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ رؤوس الجبال ، وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق ، فقال له أبوه نوح : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله .
الفوائد :
أولاً : أنه ينبغي للداعية الصبر على الدعوة إلى الله وتحمل مشاقها ، فقد صبر نوح في دعوة قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً .
ثانياً : تنويع سبل الدعوة إلى الله ، مرة بالترغيب ، ومرة بالترهيب .
ثالثاً : أن الظلم ( وأعظمه الكفر والشرك ) سبب لهلاك الأمم .
قال تعالى ( مما خطيئاتهم أغرقـــوا ) .
وقال تعالى ( وقيل بعداً للقوم الظالمين ) .
وقال تعالى ( فأخذهم الطوفان وهم ظالمون ) .
وقال تعالى ( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ) .
رابعاً : العمل الصالح وليس النسب هو وسيلة النجاة .
فابن نوح غرق مع المغرقين ، وكذلك زوجته لأنهما كانا كافرين .
فالعبرة بالإيمان والعمل الصالح لا بالأحساب ولا بالأنساب .
قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .
وقال e ( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ) رواه الترمذي .
وقال e ( قال تعالى : من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) رواه مسلم .
وقال e ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )
وفي كتاب الله إخبار عن [ أبي لهب ] وأن مصيره إلى النار لكفره ، ولم يغن عنه كونه عم رسول الله .
خامساً : دائماً أهل الشر والكفر هم الأكثر ، وأهل الإيمان هم الأقل .
قال تعالى ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) .
وقال تعالى ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) .
وقال تعالى ( وقليل من عبادي الشكــور ) .
وقال تعالى في شأن نوح ( وما آمن معه إلا قليل ) .
وقال تعالى ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ) .
وقال النبي e ( عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد ) متفق عليه .
1 ** إلى من أرسل النبي هود عليه الصلاة والسلام ؟
إلى قبيلة عاد .
قال تعالى ( وإلى عاد أخاهم هوداً ) .
[ أخاهم ] أي أخاهم في النسب ، كما قال تعالى [ فأرسلنا فيهم رسولاً منهم ] لأنه منهم في قول النسابين ، لا من جهة إخوة الدين .
قال ابن كثير : أن عاداً كانوا عرباً جفاة كافرين عتاة متمردين في عبادة الأصنام .
2 ** متى كانت قصة هود مع قومه ؟
بعد نوح .
قال تعالى ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) .
3 ** ما السر في التعبير بالأخوة في قوله : وإلى عاد أخاهم هوداً ؟
ليزداد التشنيع عليهم ، لأنه منهم يعلمون صدقه وثقته وشرفه .
4 ** أين كانت مساكنهم ؟
قال ابن كثير : كانوا يسكنون الأحقاف كما بين ذلك القرآن في قوله تعالى [واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف].
والأحقاف جبال الرمل ، وكانت باليمن بين عمَان وحضرموت .
5 ** إلى ماذا كان يدعو هود قومــه ؟
إلى عبادة الله وحده وترك الشرك .
قال تعالى ( وإلى عاد أخاهم هوداً . قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) .
وقال تعالى ( وإلى عاد أخاهم هوداً . قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون ) .
6 ** اذكر بعض الأساليب التي استعملها هود في دعوة قومه ؟
أولاً : تبصيرهم بخطورة الشرك وما فعل بمن قبلهم .
فقد قال لهم ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح ) أي فاحذروا أي يصيبكم ما أصابهم .
ثانياً : ذكرهم بنعم الله عليهم .
قال لهم ( واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ) .
وقال لهم ( وزادكم في الخلق بسطة ) .
ثالثاً : الترغيب .
قال لهم ( يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ) .
[ قوة إلى قوتكم ] أي إلى قوتكم التي قلتم مفتخرين بها [ من أشد منا قوة ] .
رابعاً : التخويف .
قال لهم ( إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) .
7 ** كان قوم هود أهل ترف وبذخ ؟ اذكر ما يدل لذلك ؟
قال تعالى ( وأترفناهم في الحياة الدنيا ) .
وكانت ديارهم من أخصب البلاد وأكثرها جناناً وأنعاماً . كما قال لهم هود ( واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ) .
وقد بلغ بهم الترف والبذخ إلى كثرة تشييد القصور الفارهة في أعالي الجبال دونما حاجة إلى سكناها .
ولهذا قال لهم نبيهم هود ( أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ) .
[ الريع ] المكان المرتفع عند جواد الطريق المشهودة ، يبنون هناك بنياناً محكماً هائلاً .
[ آية ] معلماً وبناء مشهوداً .
[ تعبثون ] أي وإنما تفعلون ذلك عبثاً لا للاحتياج إليه ، بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة ، ولهذا أنكر عليهم نبيهم ذلك ، لأنه تضييع للأزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة .
8 **اذكر ما يدل على تكبر وتجبر قوم عاد ؟
قالوا ( من أشد منا قوة ) قالوا ذلك غروراً وعجباً بقوتهم .
فرد الله عليهم بقوله ( أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة ) .
9 ** ماذا كان جواب قوم هود ؟
كفروا واستكبروا .
وقالوا ( يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك ) .
وقالوا ( إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين ) .
10 ** هل طلب قوم هود العذاب ؟
نعم .
قالوا ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) .
11 ** كيف هلك قوم عاد ؟
بالريح العاتية .
قال تعالى ( فكذبوه فأهلكناهم ) .
وقال تعالى ( وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم )
وقال تعالى ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية . سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) .
وقال تعالى ( فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ) .
[ الريح العقيم ] الريح المفردة المفسدة التي لا تثير سحاباً ولا تلقح شجراً ولا تنتج شيئاً، بل هي مرسلة للتدمير والهلاك.
[ بريح صرصر ] باردة ، وقيل : شديدة الهبوب .
[ عاتية ] عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة .
[ سخرها عليهم ] سلطها عليهم .
[ سبع ليال وثمانية أيام حسوماً ] متتابعات .
[ فترى القوم فيها ] أي في تلك الأيام .
[ صرعى ] موتى .
[ كأنهم أعجاز نخل ] أي أصول .
[ خاوية ] أي بالية خربة .
[ فهل ترى لهم من باقية ] أي هل تحس منهم من أحد من بقاياهم بل بادوا عن آخرهم .
وتفصيل هلاكهم :
[ فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ] قال ابن كثير : كان هذا أول ما ابتدأهم العذاب أنهم كانوا ممحلين مسنتين فطلبوا السقيا فرأوا عارضاً في السماء وظنوه سقيا رحمة فإذا هو سقيا عذاب .
[ مستقبل أوديتهم ] أي لما رأوا العذاب مستقبلهم ، اعتقدوا أنه عارض ممطر ففرحوا به واستبشروا به ,
[ بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم ] أي هو العذاب الذي قلتم فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ,
[ تدمر ] أي تخــرب .
[ كل شيء ] من بلادهم من شأنه الخراب .
[ بأمر ربها ] أي بإذن الله لها في ذلك .
[ فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ] أي قد بادوا كلهم عن آخرهم ولم تبق لهم باقية .
[ كذلك نجزي القوم المجرمين ] أي هذا حكمنا فيمن كذب رسلنا وخالف أمرنا .
12 ** هل نجا هود ومن معه ؟
نعم .
قال تعالى ( ولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين آمنوا معــه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ ) .
الفوائد :
أولاً : يجب البداءة بالدعوة بالتوحيد قبل كل شيء .
فقد قال هود لهم ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) .
وهكذا جميع الرسل كانوا يبدأون بالتوحيد :
قال تعالى ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) .
وقال e لمعاذ لما بعثه إلى اليمن ( إنك تأتي قوماً أهل كتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ..... ) .
ثانياً : ينبغي على الداعية أن يتوكل على الله في كل أموره ولا يخاف من البشر مهما أعطوا من قوة .
فقد قال هود لهم ( إني توكلت على الله ربي وربكم .... ) .
1- فالتوكل من علامات كمال الإيمان .
قال تعالى ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) .
وقال تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ).
2 - ومن يتوكل الله فالله يكفيه .
قال تعالى ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) .
3 - الله يحب المتوكلين .
قال تعالى ( إن الله يحب المتوكلين ) .
4 - وهو من أسباب الرزق .
قال e ( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ) رواه الترمذي.
5 - ومن أسباب الحفظ من الشيطان .
قال e ( من قال _ يعني إذا خرج من بيته _ بسم الله ، توكلت على الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يقال له : هديت وكفيت . فيقول الشيطان لشيطان آخر : كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ) رواه الترمذي .
ثالثا ً : تسلية النبي e ومن معه بذكر قصص المكذبين من قبله حتى لا ييأئس من دعوة قومه .
رابعاً : وجوب البراءة من الشرك وأهله .
قال هود ( إني بريء مما تشركون من دونه .... ) .
وقد قال تعالى ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ) .
ويجب على المسلم أن يتبرأ من الشرك وأهله ، ببغضهم وحربهم .
قال تعالى ( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم .. ) .
وقال e ( جاهدوا المشركين بألسنتكم وأموالكم ) .
وقال e ( أمرت ان أقاتل المشركين حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ...... ) .
خامساً : دائماً الكفار يستعجلون العذاب .
قال تعالى ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) .
وقال قوم هود ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) .
وقال تعالى ( ويستعجلونك بالعذاب ) .
وقال تعالى ( وقالوا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) قطنا : عذابنا .
سادساً : ينبغي على الداعية أن يكون حليماً صبوراً على الجاهلين .
فقد قال قوم هود له ( إنا لنراك في سفاهة ) .
وقالوا له ( وإنا لنظنك من الكاذبين ) .
ومع ذلك قال لهم (قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين).
سابعاً : الحذر من صفات الكفار كالتكبر والتجبر .
قال تعالى ( فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة ) .
وقد قال الله تعالى ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين ) .
ثامناً : أن اتخاذ المباني الفخمة للفخر والخيلاء والزينة وقهر العباد بالجبروت من الأمور المذمومة الموروثة عن الأمم الطاغية.
تاسعاً : أن العقول والذكاء والقوة المادية وغيرها مهما عظمت لا تنفع صاحبها إلا إذا قارنها الإيمان بالله ورسله .
قال تعالى عن عاد ( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون ) .
قصة صالح عليه السلام
1 ** إلى من أرسل نبي الله صالح عليه السلام ؟
قال تعالى ( وإلى ثمود أخاهم صالحاً .. ) .
في الحجر ، بين الحجاز والشام ( بين المدينة وتبوك ) .
قال تعالى ( ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين ) .
كانوا كأسلافهم يعبدون الأصنام .
قال لهم نبيهم ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) .
4 ** ذكرهم نبيهم صالح ببعض الأمور لعلها تكون سبباً في توبتهم ؟ فما هي .
ذكرهم بقوم عاد وما حدث لهم ، وذكرهم بأن الله هو الذي خلقهم فهو الذي يستحق العبادة ، وهو الذي استعمركم في الأرض وجعلكم عمارها .
قال لهم ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً ) .
وقال لهم ( وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم في الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ... )
قال ابن كثير : ( وإلى ثمود ) هم الذين كانوا يسكنون مدائن الحجر بين تبوك والمدينة وكان بعد عاد فبعث الله إليه أخاهم صالحاً فأمرهم بعبادة الله وحده ولهذا قال ( هو أنشأكم من الأرض ) أي ابتدأ خلقكم منها خلق منها أباكم آدم ( واستعمركم فيها ) أي جعلكم عماراً تعمرونها وتستغلونهـا .
قال الشيخ السعدي : (واذكروا إذ جعلكم خلفاء ) في الأرض تتمتعون بها وتدركون مطالبكم ( من بعد عاد ) الذين أهلكهم الله ، وجعلكم خلفاء من بعدهم ( وبوأكم في الأرض ) أي : مكن لكم فيها وسهل لكم الأسباب الموصلة إلى ما تريدون وتبتغون ( تتخذون من سهولها قصوراً ) أي من الأراضي السهلة التي ليست بجبال ( وتنحتون الجبال بيوتاً ) كما هو مشاهد إلى الآن ، من آثارهم التي في الجبال من المساكن والحجر ونحوها ، وهي باقية ما بقيت الجبال .
5 ** ما سبب امتناع قوم ثمود من الإيمان بصالح ؟
سبب امتناعهم قولهم : أنه بشر – وأنه واحد منهم لا يفضل علينا بشيء .
قال تعالى ( كذبت ثمود بالنذر . فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعــه إنا إذاً لفي ضلال وسعر . أءلقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر . سيعلمون غداً من الكذاب الأشر ) .
قالوا على وجه الإنكار : أنتتبع بشراً مثلنا في الآدمية .
6 ** ماذا طلب قوم ثمود من نبيهم صالح عليه السلام ؟
طلبوا آية تدل على صدقه .
قال تعالى عنهم أنهم قالوا ( فأتنا بآية إن كنت من الصادقين ) .
وفي سورة الشعراء ( فأت بآية إن كنت من الصادقين ) .
7 ** ما هي الآية التي جاء بها صالح ؟
ناقة عشراء تخرج من صخرة .
قال ابن كثير : وقد ذكر المفسرون أن ثمود اجتمعوا يوماً في ناديهم فجاءهم رسول الله صالح فدعاهم إلى الله وذكرهم وحذرهم ووعظهم ، فقالوا له : إن أنت أخرجت لنا من هذه الصخرة ، واشاروا إلى صخرة هناك ، ناقة من صفتها كيت وكيت ، وذكروا أوصافاً سموها ونعتوها وتعنتوا فيها ، وأن تكون عشراء [ أي مضى على حملها عشرة اشهر ] طويلة من صفتها كذا وكذا ، فقال لهم نبيهم صالح عليه السلام : أرأيتم إن أجبتكم إلى ما سألتـم على الوجه الذي طلبتم أتؤمنون بما جئتكم به وتصدقوني فيما أرسلت به ؟ قالوا : نعم ، فأخذ عهودهم ومواثيقهم على ذلك ، ثم قام إلى مصلاه فصلى لله ما قدر له ثم دعا ربه أن يجيبهم إلى ما طلبوا أو على الصفة التي نعتوا ، فلما عاينوها كذلك رأوا أمراً عظيماً ومنظراً هائلاً وقدرة باهرة ودليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً فآمن كثير منهم ، واستمر أكثرهم على كفرهــم وضلالهم وعنادهم .
8 ** ماذا طلب صالح منهم لما جاءتهم الآيــة ؟
نهاهم أن يمسوها بسوء من ضرب أو عقر أو غير ذلك .
قال لهم ( ... فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء ... ) .
9 ** لماذا نهاهم صالح عن التعرض للناقــة بسوء ؟
لخوفه عليهم إذا تعرضوا لها _ وقد بعثها الله لهم آية على صدقه _ أن يكون ذلك سبباً في هلاكهم ، ويدل لذلك :
قوله لهم بعد النهي ( .. فيأخذكم عذاب قريب ) .
وقوله في آية آخرى ( فيأخذكم عذاب أليم ) .
10 ** ما معنى قول صالح لقومه ( هذه ناقــة الله فذروها ) ؟
قال ابن كثير : أضافهـا لله سبحانه وتعالى إضافة تشريف وتعظيم كقوله : بيت الله .
11 ** ماذا فعلوا بالناقة ؟
عقروها وقتلوهــا .
قال تعالى ( فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم . وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) .
12 ** من الذي تولى قتلها منهم ؟
هو قدار بن سالف .
قال تعالى ( كذبت ثمود بطغواها إذا انبعث أشقاها . فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها . فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها . ولا يخاف عقباها ) .
قال الشيخ السعدي : [ كذبت ثمود بطغواها ] أي بسبب طغيانها .
[ إذا انبعث أشقاها ] أي أشقى القبيلة وهو قدار بن سالف لعقرها حين اتفقوا على ذلك .
[ فقال لهم رسول الله ] صالح عليه السلام محذراً :
[ ناقة الله وسقياها ] أي احذروا عقر ناقة الله التي جعلها لكم آيــة عظيمــة ، ولا تقابلــوا نعمة الله عليكم بسقي لبنها أن تعقروهــا .
[ فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم ] أي دمر عليهم وعمهم بعقابــه ، وأرسل عليهم الصيحــة من فوقهــم والرجفــة من تحتهــم فأصبحـــوا جاثمين على ركبهم لا تجد منهم داعياً ولا مجيباً .
13 ** لماذا قال ( فعقروا الناقة ) مع أن الذي تولى عقرها واحد ؟
قال القرطبي : إنما اضيف العقر إلى الكل ، لأنه كان برضى الباقين .
قال ابن كثير : وكان الذي تولى قتلها منهم رئيسهم قدار بن سالف ، وكان فعله ذلك باتفاق جميعهم ، فلهذا نسب الفعل إلى جميعهم كلهم .
14 ** ماذا جمعوا في كلامهم الذي أخبر الله به في قوله ( فعقروا الناقــة وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ؟
قال ابن كثير : فجمعوا في كلامهم هذا بين كفر بليغ من وجوه :
منها : أنهم خالفوا الله ورسوله في ارتكابهم النهي الأكيد في عقر الناقــة التي جعلها الله لهم آية .
ومنها : أنهم استعجلوا وقوع العذاب بهم فاستحقوه من وجهين : أحدهما : الشرط عليهم في قوله [ ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ] ، والثاني : استعجالهم على ذلك .
ومنها : أنهم كذبوا الرسول الذي قد قام الدليل القاطع على نبوته وصدقه ، وهم يعلمون ذلك علماً جازماً ، ولكن حملهم الكفر والضلال والعناد على استبعاد الحق ووقوع العذاب بهم .
15 ** ماذا قال لهم صالح لما عقروا الناقة ؟
أنذرهم بالعذاب بعد ثلاثة أيام .
قال لهم صالح ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وعد غير مكذوب ) .
قال ابن كثير : وكان قتلهم للناقة يوم الأربعاء .
[ ثلاثة أيام ] أي غير يومهم هذا .
[ وعد غير مكذوب ** أي وعد حق غير مكذوب فيه .
16 ** ماذا فعل قوم ثمود لما سمعوا تهديد صالح لهم ؟
قرروا قتله .
قال تعالى ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون . قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون . ومكروا مكراً ومكرناً مكراً وهم لا يشعرون ) .
[ وكان في المدينة تسعة رهط ] أي وكان في مدينة صالح – وهي الحِجْر _ تسعة رجال من أبناء أشرافهم .
[ يفسدون في الأرض ولا يصلحون ] أي شأنهم الإفساد ، وإيذاء العباد بكل طريق ووسيلة .
[ قالوا تقاسموا بالله ] أي قال بعضهم لبعض : احلفـــوا بالله .
[ لنبيتنه وأهله ] أي لنقتلن صالحاً وأهله ليلاً .
[ ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله ] أي ثم نقول لولي دمــه ما حضرنا مكان هلاكه ولا عرفنا قاتله ولا قاتل أهله .
[ وإنا لصادقون ] أي ونحلف لهم إنا لصادقون .
[ ومكروا مكراً ] أي دبروا مكيدة لقتل صالح .
[ ومكرنا مكراً ] أي جازيناهم على مكرهم بتعجيل هلاكهم .
قال ابن كثير : وذلك أن الله أرسل على أولئك النفر الذين قصدوا قتل صالح حجارة رضختهم سلفاً وتعجيلاً قبل قومهم .
17 ** كيف كان هلاك قوم ثمود ؟
واعدهم صالح عليه السلام بالعذاب بعد ثلاثة أيام .
كما تعالى ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ) .
قال ابن كثير : وأصبح ثمود يوم الخميس وهو اليوم الأول من أيام النظرة ووجوههم مصفرة كما وعدهم صالح عليه السلام ، وأصبحوا في اليوم الثاني من أيام التأجيل وهو يوم الجمعة ووجوههم محمــرة ، وأصبحوا في اليوم الثالث من أيام المتاع وهو يوم السبت ووجوههم مسودة ، فلما أصبحوا من يوم الأحد وقد تحنطوا وقعدوا ينتظرون نقمة الله وعذابه – عياذاً بالله من ذلك – لا يدرون ماذا يفعل بهم ولا كيف يأتيهم العذاب ، وأشرقت الشمس جاءتهم صيحة من السماء ورجفة شديدة من اسفل منهم ، ففاضت الأرواح وأزهقت النفوس في ساعة واحدة [ فأصبحوا في دارهم جاثمين ] أي صرعى لا أرواح فيهم .
قال تعالى ( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ) .
وقال تعالى ( وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ) .
وقال تعالى ( فأخذتهم الصيحة مصبحين ) .
وقال تعالى ( إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ) .
قال ابن كثير : أي بادوا عن آخرهم لم تبق منهم باقية وخمدوا وهمدوا كما يهمد يبيس الزرع والنبات .
18 ** ماذا قال صالح عليه السلام لما رآهم هلكى ؟
قال كما أخبر الله ( فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين ) .
قال ابن كثير : هذا تقريع من صالح عليه السلام لقومه ، لما أهلكهم الله بمخالفتهم إياه وتمردهم على الله وإبائهم عن قبول الحق وإعراضهم عن الهدى إلى العمى ، قال لهم صالح ذلك بعد هلاكهم ، تقريعاً وتوبيخاً .
19 ** ماذا أمر النبي e بمن مر على ديارهم ؟
أمر بعدم الدخول تلك الديار ، إلا أن يكون الإنسان باكياً
عن ابن عمر . أن رسول الله e قال لأصحابه لما وصلوا الحِجر ( لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين ، إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم ، لا يصيبكم ما اصابهم ) متفق عليه .
قال النووي : فيه الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين ومواضع العذاب ، فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء والاعتبار بهم وبمصارعهم وأن يستعيذ بالله من ذلك .
الفوائــد :
أولاً : أن جميع الأنبياء دعوتهــم واحدة . وهي الدعوة إلى توحيد الله وترك الشرك .
قال نوح لقومه ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ) .
وقال هود لقومه ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون ) .
وقال صالح لقومه ( يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم ) .
ثانياً : أن من كذب واحداً من الرسل فقد كذب جميع الرسل .
ولهذا يقول تعالى في كل قصة ( كذبت قوم نوح المرسلين ) .مع أن قوم نوح لم يأتهم إلا نوح .
وكذلك قال تعالى في عاد ( كذبت عاد المرسلين ) .
وكذلك في ثمود ( كذبت ثمود المرسلين ) .
ثالثاً : أن الضعفاء هم أتباع الرسل .
كما قال تعالى عن الكبراء أنهم كانوا يجادلون صالح ( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه ) .
والسبب في ذلك :
-لأنه لا يثقل عليهم أن يكونوا تبعاً لغيرهم .
رابعاً : من أساليب الدعوة التذكير بنعم الله .
فقد قال صالح لقومه ( واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها وقصورها وتنحتون الجبال بيوتاً ... ) .
وقال لهم ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ... ) .
خامساً : كما أن أهل الإيمان يتفاضلون في الإيمان ، فكذلك أهل الشر والفساد يتفاضلون في الشر والفساد .
فمع أن أكثر قوم صالح كانوا كافرين مفسدين إلا أن تسعة منهم كانوا أكثرهم شراً وفساداً .
ولذلك عجل الله لهم العقوبة قبل قومهم .
سادساً : أن الآيات مهما كانت واضحــة فإنها لا تهدي القوم المجرمين .
كما قال تعالى عن قوم ثمود لما جاءتهم الناقة وهي من أوضح الآيات ( وآتينا ثمود الناقة مبصرة ) أي واضحة جلية في دلالتها على وحدانية الله تعالى .
سابعاً : ينبغي الوثوق بنصر الله .
فقد دمر الله الأمم المكذبة وآبادهم عن آخرهم .
قال تعالى ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) .
ثامناً : ينبغي الاعتبار والاتعاظ عند المرور بديار المعذبين . وقد أسرع النبي e لما مر بديار ثمود .
انتهى القسم لأول من قصص القرآن الكريــم
ويليه القسم الثاني وأوله : قصة إبراهيم عليه السلم
أخوكم
سليمان محمد اللهيميد
السعودية – رفحاء