[أسماء الله وصفاته توقيفية]
الأصل الأول: أن أسماء الله وصفاته كلها توقيفية، لا يجوز إطلاق شيء منها على الله تعالى في الإثبات والنفي إلا بنصٍ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك يقول العلماء رحمهم الله تعالى تفريعاً لهذا الأساس: باب الأسماء والصفات ينبني على ركنين: الركن الأول: الإثبات.
الركن الثاني: النفي.
فمن أتى بالإثبات وحده دون النفي لم يأتِ بالمنهج الصحيح، ومن أتى بالنفي دون الإثبات لم يأتِ بالمنهج الصحيح، ولذلك يعتبر عقيدة أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات يقولون: إثبات ما أثبته الله لنفسه، ثم قالوا: وإثبات ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، فهل يكفي الإثبات وحده؟ نقول: لا، ثم يأتون بالركن الثاني: ونفي ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.
جاءوا بقضية الإثبات قالوا: من غير تشبيه ولا تكييف ولا تمثيل، هذا الإثبات عندهم.
ثم جاءوا إلى قضية النفي فقالوا: من غير تعطيل ولا تحريف ولا تأويل، حتى يبتعدوا عن طوائف المبتدعة من المشبهة والمعطلة، ولذلك لا إثبات إلا بنص، ولا نفي إلا بنص.
عندنا ألفاظ أطلقت على الرب لم يرد عليها دليل لا من كتاب ولا سنة، ووجدت في بعض كتب العقائد، فيقول السلف رحمهم الله تعالى: ما لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سنة فإنا نتوقف فيه مثل: الجسم، والحيز، والعرض، والجوهر، والجهة، كل هذه لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، فما موقفنا منها؟ قالوا: لا نثبت ولا ننفي.
الواجب علينا أن نتوقف فنسأل القائل أو المطلق لهذا اللفظ: ماذا تقصد منه؟ فإن قصد حقاً قبل منه المعنى الحق، ونقول له: إن هذا اللفظ لم يرد في كتاب ولا سنة، فالأولى لك ألا تتكلم فيه، وإن كان مدلوله باطلاً رددنا عليه اللفظ والمعنى جميعاً، والسؤال هنا يرد: لماذا تكلم السلف فيها؟ شيخ الإسلام رحمه الله تعالى تكلم فيها وغيره تكلموا فيها لأن المبتدعة تكلموا فيها، وأطلقوها بألفاظ موهمة، فلابد من التفصيل فيها، فإن قصد معنى الحق قبل المعنى الحق ورد اللفظ، وإن قصد معنىً باطلاً رد اللفظ والمعنى جميعاً، حتى لا يتورط الإنسان بشيء، فيأتيك مثلاً: الجهمي أو المعتزلي فيقول: أنا أقول: إن الله ليس بجسم، فيسألني: أنت تثبت لله الجسم؟ إذا قلت على القاعدة: الله لا نثبت له إلا ما ورد في نصٍ من كتاب وسنة، فهل ورد نص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر؟ لم يرد، فإذا قلت: إذاً أنا أقول: الله ليس بجسم، قال: إذاً أنا وإياك سواء، المعتزلي إذ يقول هذه الكلمة لا يقصد بها يقصد بها أن الله ليس له شيء من الأسماء، والجهمي يقول: ليس لله أسماء ولا صفات، فيصبح السني قد قارب أن يكون جهمياً أو معتزلياً.
إذاً نسألك أنت أيها الجهمي ما تقصد بالجسم؟ فإن قال: أقصد به أن الله ليس له أسماء ولا صفات أصلاً، قلنا له: هذا الكلام باطل، فنحن نقول: الله له أسماء وصفات تليق بجلاله وعظمته، مما دل عليه الكتاب والسنة، ولكن لفظ الجسم لا أطلقه على الله تعالى لأنه لا دليل عليه.
نتساءل: لماذا باب الأسماء والصفات توقيفي؟ السبب: لأن الله سبحانه وتعالى أعلم بنفسه من خلقه، ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أهدى من الله سبيلاً، ومن أصدق من الله حديثاً، والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه أعلم الخلق بالله سبحانه وتعالى بما يجب له وما يمتنع عليه وما يجوز له، ولا يمكن لأحد كائناً من كان أن يأتي من عقله بشيء من هذه الأسماء والصفات.
ومن رحمة الله تعالى بنا أنه لم يكل هذا المبحث إلى عقول الناس، بل جعل ما ورد من كتاب وسنة فقط، ولو كان لعقول الناس ما نستطيع، نأخذ بعقل من؟ أنأخذ بعقل المعتزلي، أو الجهمي، أو الأشعري، أو الماتريدي، أو الكلابي، أو الكرامي، أو نأخذ بعقول السلف؟ نقول: من رحمة الله تعالى أن جعل هذا الأمر توقيفياً، ولم يجعل لعقول الناس مجالاً في ذلك.
منقول من شرح اللامية المنسوبة لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى