الطعن في العلماء
الكاتب : الشيخ فايز الصلاح
الأحد 30 ربيع الأول 1437 هـ الموافق 10 يناير 2016 م
الحمدُ لله ربِّ العالمين، وأصلي وأسلمُ على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد :
إنَّ القدحَ في العلماء هو سبيلٌ من سبل أهل الزيغ والضلال, والطعنُ فيهم ليس طعناً في ذواتهم، وإنما هو طعن في الدين والدعوة التي يحملونها، والملة التي ينتسبون إليها.
"ولعظم الجناية على العلماء صار من المعقود في أصول الإعتقاد، ومن ذكرهم بسوء فهو على غيرسبيل".
قال الطحاوي الحنفي في عقيدته:"وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل".
وقال الحافظ ابن عساكر الدمشقي في" تبيين كذب المفتري" ص28: " واعلم يا أخي وفقنا الله وإياك لمرضاته، وجعلنا ممن يخشاه ويتقيه حق تقاته: أن لحوم العلماء - رحمة الله عليهم- مسمومة، وعادة الله في هتك أستـار منتقصهم معلومة، لأن الوقيعة فيهم بما هم منه بـراء أمره عظيم، والتناول لأعراضهم بالزور والافتراء مرتعٌ وخيمٌ، والاختلاف على من اختاره الله منهم لنشر العلم خلقٌ ذميمٌ" .
وقال عبد الله بن المبارك - رحمه الله - :" حقٌّ على العاقل أن لا يستخفَّ بثلاثة : العلماء، والسلاطين، والإخوان، فإنه من استخفَّ بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخفَّ بالسلطان ذهبت دنياه، ومن استخفَّ بالإخوان ذهبت مروءته ".
ولقد انتشر- للأسف- الطعن في العلماء المتقدمين منهم والمعاصرين، في أوساط كثير من الشباب الثائر المتحمس، وذلك باتهامهم بالجهالة في فقه الواقع أحيانا، والعمالة والمداهنة لأعداء الدين أحياناً أخرى، وبإخراجهم من دائرة السنة والجماعة باسم الجرح والتعديل !! ،بل وصل ببعض الهالكين إلى رميهم بالكفر والزندقة والعياذ بالله، ولم يعلم هؤلاء أن الكلام فيهم والتفكه بأعراضهم داء دفين، وإثم واضح مبين .
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ** [الأحزاب: 58] .
ومراد هؤلاء بهذا الطعن إسقاط العلمـاء، كي لا يُلـزموا أنفسهم باتباع فتاويهم في القضايا الخطيرة التي تتعلق بالأمة.
قال البقاعي- رحمه الله - في" مصاعد النظر"1/108:" إن ردَّ علم العلماء وعدم الاقتداء بهم هو تبديل لنعمة الله عز وجل".
وإذا كانت موالاة المؤمنين من أوثق عرى الإيمان؛ فإن أحق الناس بهذا هم العلماء. قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"20/232:" فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله، موالاة المؤمنين، كما نطق به القرآن، خصوصا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدي بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم، إذ كل أمة قبل مبعث محمد فعلماؤها شرارها إلا المسلمين، فإن علماءهم خيارهم، فإنهم خلفاء الرسول في أمته، والمحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا".
لقد كان علماءُ السنة محنةً وفرقاناً بين أهل السنة وأهل البدعة، أخرج اللالكائي عن عبد الرحمن بن مهدي قال :" إذا رأيت بصرياً يحب حماد بن زيد فهو صاحب سنة "، وأخرج أيضا عن قتيبة بن سعيد قال :" إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل يحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن محمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وذكر قوما آخرين، فإنه على السنة ومن خالف هؤلاء فاعلم إنه مبتدع".
ولا شك أن الطاعن في علمائنا ومن سار على طريقتهم من طلبة العلم والمشايخ والدعاة هو على سبيل ضلالة وابتداع، وليس على سبيل السنة والاتباع.
والله أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين.
منقول موقع هيئة الشام