وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره وإقراره . ( زاد المعاد ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا أكره الإنسان على فعل محرم ، فهل يترتب على هذا الفعل إثم أو فدية أو كفارة ؟
الجواب : لا يترتب ، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/106 . فإذا كان الرجل لا يؤاخذ في الإكراه على الكفر وهو أعظم المعاصي ، فعدم مؤاخذته في الإكراه على ما دونه من باب أولى .
سئل رحمه الله : ما تقولون في رجل أجبرته زوجته على أن يطلقها ، وقالت : إما أن تطلق وإما أن تقتل نفسها ، وهي قادرة على أن تنفذ هذا، السكين بيدها ، فطلق ، هل يقع الطلاق أو لا ؟
لا يقع الطلاق لأنه مكره .
فائدة : 1
شروط الإكراه :
ذكر أهل العلم شروطاً للإكراه منها :
قال ابن قدامة : مِنْ شَرْطِ الْإِكْرَاهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ مِنْ قَادِرٍ بِسُلْطَانِ أَوْ تَغَلُّبٍ ، كَاللِّصِّ وَنَحْوِهِ .
وَحُكِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ : إنَّ أَكْرَهَهُ اللِّصُّ ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ ، وَإِنْ أَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ وَقَعَ .
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ : لِأَنَّ اللِّصَّ يَقْتُلُهُ .
وَعُمُومُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي دَلِيلِ الْإِكْرَاهِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ، وَاَلَّذِينَ أَكْرَهُوا عَمَّارًا لَمْ يَكُونُوا لُصُوصًا ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ e لَعَمَّارٍ ( إنْ عَادُوا فَعُدْ ) .
وَلِأَنَّهُ إكْرَاهٌ ، فَمَنَعَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ ، كَإِكْرَاهِ اللُّصُوصِ .
الثَّانِي : أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ نُزُولُ الْوَعِيدِ بِهِ ، إنْ لَمْ يُجِبْهُ إلَى مَا طَلَبَهُ .
الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَسْتَضِرُّ بِهِ ضَرَرًا كَثِيرًا ، كَالْقَتْلِ ، وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ ، وَالْقَيْدِ ، وَالْحَبْسِ الطَّوِيلِ ، فَأَمَّا الشَّتْمُ ، وَالسَّبُّ ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ، رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَكَذَلِكَ أَخْذُ الْمَالِ الْيَسِيرِ .
فَأَمَّا الضَّرَرُ الْيَسِيرُ فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالِي بِهِ ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ ذَوِي الْمُرُوءَاتِ، عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ إخْرَاقًا بِصَاحِبِهِ، وَغَضًّا لَهُ، وَشُهْرَةً فِي حَقِّهِ، فَهُوَ كَالضَّرْبِ الْكَثِيرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ .
وَإِنْ تَوَعَّدَ بِتَعْذِيبِ وَلَدِهِ ، فَقَدْ قِيلَ : لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا حَقَّ بِغَيْرِهِ ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ إكْرَاهًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَعْظَمُ مِنْ أَخْذِ مَالِهِ ، وَالْوَعِيدُ بِذَلِكَ إكْرَاهٌ ، فَكَذَلِكَ هَذَا . ( المغني ) .