النفس وصعود الجبل
كلام نفيس للثبات على الإسلام والسنة والهداية والتحذيرمن الانتكاس
قال الإمام إبن القيم رحمه الله :
(( النفس جبل عظيم شاق في طريق السير إلى الله عز وجل، وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل، فلابد أن ينتهي إليه، ولكن منهم من هو شاق عليه ومنهم من هو سهل عليه، وإنه ليسير على من يسره الله عليه.
وفي ذلك الجبل أودية وشعوب وعقبات ووهود، وشوك وعوسج وعلَّيق وشبرق، ولصوص يقتطعون الطريق على السائرين.
ولا سيما أهل الليل المدلجين.
فإذا لم يكن معهم عدد الإيمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الإخبات وإلا تعلقت بهم تلك الموانع، وتشبثت بهم تلك القواطع، وحالت بينهم وبين السير، فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته.
والشيطان على قُلَّة ذلك الجبل، يحذر الناس من صعوده وارتفاعه، ويخوفهم منه، فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قلته، وضعف عزيمة السائر ونيته، فيتولد من ذلك الانقطاع والرجوع، والمعصوم من عصمه الله.
وكلما رقى السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه، فإذا قطعه وبلغ قلته انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا.
وحينئذ يسهل السير، وتزول عنه عوارض الطريق، ومشقة عقباتها، ويرى طريقا واسعا آمنا.
يفضي به إلى المنازل والمناهل، وعليه الأعلام، وفيه الإقامات، قد أعدت لركب الرحمن.
فبين العبد وبين السعادة والفلاح قوة عزيمة، وصبر ساعة، وشجاعة نفس، وثبات قلب.
والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم انتهى كلامه رحمه الله
المصدر:
(( مدارج السالكين ))