من أجل هذه المفارقات التي يجدها الباحث في تراجم الرواة العلامه الالبانى
من أجل هذه المفارقات التي يجدها الباحث في تراجم الرواة والتي ينتج من هذه المفارقات الإختلاف في إصدار الحكم على الحديث ما بين الصحيح وحسن وضعيف، هذا كما ترون في الراوى لمختلف فيه يقول الإمام النقَّاد بن الذهبي الدمشقي -رحمه الله- في رسالته الموقظة حينما يتكلم عن الحديث الحسن، "إنه من أدق أنواع علوم الحديث"، والسبب له وجوه - هذا وجه مما ذكرته- لأن الباحث حينما يقف على إسناد ما ويجد فيه غيره مختلف فيه فلابد له من أن يوازن بين أقوال المختلفين في هذا الراوي كما شرحت لكم آنفا، لكن الأدق في الموضوع والأعجب إنه هذا الوازن الذي يريد أن يوازن بين الأقوال المختلفه في الراوي الواحد قد يختلف إجتهاده نفسه، فتارة يُضعِّف هذا الراوي ويُضعِّف إسناد الحديث له وتارة يُحسِّنه لأنه يرى أقوال مختلفة فإجتهاده يختلف فلذلك كان الحكم على الحديث بأنه حسن من أدق علوم الحديث كما شهد بذلك من هو من أشهر النقَّاد في علم الحديث ألا وهو الإمام الذهبي، هذا إذا كان البحث في الحديث الحسن بذاته.
أما إذا كان البحث في الحديث الحسن لغيره فهو ............... ، ولذلك فقد يكون الحديث ليس له سند صحيح ولا حسن لكن الباحث المتمكن في هذا العلم والتي أُتيحت له فرص لم تتح لغيره حتى ولو كان متخصصاً من الإطلاع على قسم كبير من المخطوطات فضلا عن المطبوعات فهذا بلاشك ستتسع دائرة أُفقه وإطلاعه على مفردات الطرق أكثر ممن يشاركه في هذا التخصص في العلم ومن باب أولى أكثر ممن ليس له تخصصاً في هذا العلم فيخرج بالنتيجة المتعارضة، هذا يقول هذا حديث حسن، لأنه تشبع بتلك الطرق وقام في نفسه أنها تعطي للحديث قوة تخرجه من مرتبة الضعف إلى مرتبة الحسن بل وربما إلى مرتبة الحديث الصحيح لغيره مع إن كل مفردات الطرق هي ضعيفة بينما يكون الناقد
والمُضعِّف قد وقف على طريق أبي داوود مثلا في حديث الإحتباء فيقول مثلا هذا حديث ضعيف، ومن أجل ذلك جاء في علم المصطلح التنبيه على ما يأتي: جاء في مقدمة علوم الحديث لبن صلاح أو في شرحه- الآن أنا أتردد- في شرحه لبن الحافظ العراقي: إذا وجد طالب العلم حديثاً بإسناد ضعيف فلا يجوز أن يقول حديث ضعيف وإنما يقول إسناده ضعيف خشية أن يكون لهذا الحديث إسناد آخر يتقوى به الأول أو يكون الإسناد الآخر في نفسه ثابتاً، من أجل هذا يقولون إتماماً للنصح إلا - يستثنون من هذا - إلا من كان حافظاً وغلب على ظنه أن هذا الحديث ليس له إلا هذا الإسناد الغريب فله أن يقول حديث ضعيف، أما عامة الطلاب بل عامة العلماء الذين لا يغلب على أنفسهم هم لأنهم أحاطوا بأكثر طرق الحديث فأولئك لا يجوز لهم أن يقولوا في حديثٍ إسناده ضعيف حديث ضعيف وإنما يقولون حديث إسناده ضعيف.
من أجل هذا كنت قد شرعت من نحو أربعين سنة تطبيقاً بالقاعدة التي أشعتها في بعض كتبي "تقريب السنة بين يدي الأمة" لمَّا شرعت في أول ما شرعت في سنن أبي داوود، فكَّرت في هذا المشروع تقسيم سنن أبي داوود إلى صحيح وضعيف كما رأيتم خلاصة ذلك في السنن الأربعة التي طُبعت قريباً، فكَّرت وكل عمل يريد الإنسان أن يقدم إليه لابد من أن يفكر فيه وأن يضع منهجاً له على بصيرة، أعرف بأن في سنن أبي داوود أحاديث بأسانيد ضعيفة، ماذا أفعل في هذه الأحاديث التي أسانيدها ضعيفة؟؟ هل أجعلها فوراً في الكتاب الثاني "ضعيف سنن بن أبي داوود"؟ في هذا احتمال أن نقع في الخطأ الذي نبه عليه علماء الحديث كما ذكرت آنفاً، فقد أُوردُ حديثاً في ضعيف سنن بن أبي داوود أكون معذوراً لأن السند الذي فيه يحكم بضعف هذاالحديث ولكن يمكن أن يكون له شواهد أو أن يكون له طرق أخرى يتقوى الحديث بها، فتردد النظر بن طريقتين في التصنيف إما أن أقتصر على ذكر الضعيف مقتصراً في نظري على سند بن أبي داوود، وإما أن أُفرغ جهدي في تتبع هذا الحديث من كل كتب السنة حتى المخطوطة التي كان في طول يدي يومئذٍ في المكتبة الظاهرية وهذا يأخذ وقتاً وجهداً كثيراً
وكثيراً جداً، فرأيت والدين النصيحة أن أسلك الطريقة الأخرى وأن أُعرض عن الطريقة الأولى لأن الطريقة الأولى -هي على مستوى الدين النصيحة- الطريقة الأولى سهلة ولكنها خادعة للنصيحة فجريت على ألّا أورد في ضعيف سنن بن أبي داوود إلا بعد أن أفرغ جهدي في أن أجد للحديث ما يقويه، فإذا ما وجدت له ما يقويه ذكرته في صحيح أبي داوود واصطلحت على ذلك إصطلاحاً اقتبسته من إصطلاح الترمذي، فإذا كان الحديث في سنن أبي داوود صحيحاً قلت إسناده صحيح وإذا كان حسناً قلت إسناده حسن، وإذا كان ضعيفاً لكن له شواهد تقويه قلت حديثٌ صحيح، ولا أتعرض لذكر السند ولاحظت على هذا في المقدمة وقد أقول حديث صحيح وإسناده ضعيف، فمن يقف- وهذا وقع كثيرا وكثيراً جداً - بأنني جريت على هذا النسق وهذا المنوال في كتابي "صحيح الجامع الصغير"، فأنا أصحح حديثاً ضعَّفه المناوي لأن تضعيفه وقف على ذات الإسناد الذي عزى السيوطي المخرج له إليه، لكني أنا جريت في "صحيح الجامع " أيضاً على هذا المنوال نفسه وصححت أحاديث ضعيفة الأسانيد كثيرة بالمئات أنقذتها من الضعيف وذكرتها في حديث الجامع.
فالذي لا إحاطة عنده - وأنا سؤلت كثيرا كيف أنت تصحح حديث وفيه مثلا .......... وأنت بتقول أن هذا رجلاً ضعيف، كيف وفيه علي بن زيد بن جدعان، وهو كذلك ضعيف إلى آخره، الجواب أن التصحيح أو التحقيق يكون من النوع الثاني وهو لغيره، هذه الأمور لابد من ملاحظتها حتى تذهب البلبلة من بعض الناس الذين يقفون على مثل هذا التعارض وأنا لا أريد - ويشهد الله- من هذاالكلام أن تحكموا أن فلان أصاب أو فلان أخطأ، قد يكون العكس، لكن لا تتبدل أفكاركم، إستحضروا هذه الحقائق العلمية، وقولوا محتمل أن الذي حسَّن حسَّن بسبب الدقة التي ذكرناها في الراوي ويحتمل أن الذي حسَّن لأن وجد له شاهداً أو متابعاً أو ما شابه ذلك، أما التحقيق فهذا يحتاج إلى أهل علم، والله عز وجل يقول {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ** [النحل 43]المصدر فتاوى جده