موقع الشيخ بن باز


 

  لتحميل حلقة الرقية الشرعية للشيخ أبو البراء اضغط هنا


ruqya

Icon36 صفحة المرئيات الخاصة بموقع الرقية الشرعية

الموقع الرسمي للشيخ خالد الحبشي | العلاج بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة

الأخوة و الأخوات الكرام أعضاء منتدنا الغالي نرحب بكم أجمل ترحيب و أنتم محل إهتمام و تقدير و محبة ..نعتذر عن أي تأخير في الرد على أسئلتكم و إستفساراتكم الكريمة و دائماً يكون حسب الأقدمية من تاريخ الكتابة و أي تأخر في الرد هو لأسباب خارجة عن إرادتنا نظراً للظروف و الإلتزامات المختلفة

 
العودة   منتدى الرقية الشرعية > أقسام المنابر الإسلامية > المنبر الإسلامي العام

الملاحظات

صفحة الرقية الشرعية على الفيس بوك

إضافة رد
 
 
أدوات الموضوع
New Page 2
 
 

قديم 09-05-2024, 02:52 PM   #1
معلومات العضو
عبدالله الأحد

افتراضي اتباع الكتاب والسنة للشيخ عبد الرحمن وكيل

: اتباع الكتاب والسنة
عبادة الله سبحانه قائمة على أصلين:
أن يعبد الله وحده، وأن لا يعبد إلا بما شرعه جل شأنه، ولهذا فرض الله سبحانه على كل مسلم أن يتبع في دينه كتاب الله وسنة رسوله  ، ففيهما ما يحب الله أن يعبد به، ويرضاه، ويثيب عليه. فإذا لم تكن طاعة المؤمن وتقواه لله عن بينة منهما، وعلى نور من هداهما، كانت طاعته معصية شرك، وتقواه رجس وثنية، وكان ممن يجحدون بآيات الله، ويكفرون به، ويتهمون الكتاب والسنة بالنقص والقصور، وأنهما لا يهديان النفس في عبادة الله إلى سواء السبيل، وأن ما يشرعه الناس لعبادة اله أهدى مما يشرعان، وأقوم سبيلا، وأصدق قليلا.
أليسوا بهذا يزعمون أنه لا يحسن أن يعبد الله بما شرع، ولكن يحسن بما يفترى الخيال من أساطير الكهان والأحبار.
يقول العلي الكبير العليم سبحانه: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ [سورة الجاثية: 18 - 19]، وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
[سورة يونس: 109].
هذا الرسول العظيم، هذا العبد القانت الذي كان لا يقشعر إلا من خشية الله، وإن رجفت الدنيا به، أو زلزل بطش الطاغين بناء الحياة حوله!! هذا العبد الكريم الذي غفر له ما تقدم من ذنبه، وما تأخر، والرسول الذي شهد ملكوت السماوات في تجلية الأعظم: يصلصل الوحي الأمين في سمعه بقول الله: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ [سورة يونس: 109].
وبهذا يتوجه الأمر والنهي إلى العالم كله، إذ وجه إلى أعظم عبد كريم طيب الوجود كله برسالته، وأمر المؤمنين بالصلاة عليه. ولكن في كتاب الله من الآيات ما يتوجه به ذلك الأمر والنهي إلى كل مسلم توجيها مباشرا.
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [سورة الأعراف: 3]. يجمع أسلوب هذه الآية المعجزة بين الإثبات والنفي، أو بين الإيجاب والسلب، أو بين التحلية والتخلية ـ كما يعبرون ـ . إنها تثبت وتوجب اتباعا، وتنفي وتسلب آخر. وفيها تحلية النفس بنور الحق وصفاء الإيمان الموحد، وتخليتها من ظلام الباطل ودنس الشرك. فما ينفع المريض غذاء، إذا لم يشف من الداء بالدواء.
والاتباع الذي توجبه الآية هو اتباع ما أنزل إلى العبد من ربه، فليس فيه مسَّةٌ من غضاضة على كبرياء النفس الإنسانية، ولا وخزة لكرامة البشرية التي تحمد الخير، وتشكر النعمة، ولا إذلال بالباطل لحرية الفكر الذي يسمى الشيء باسمه الحق، بل فيه ما يسمو بالنفس، ويعلي من شأن الكرامة، ويهدي الفكر إلى حمى الحقيقة العليا، لأنه اتباع ما أنزله "الرب" الذي ربانا بالحق والرحمة، وغمرتنا فيوض جوده، وهو وحده العليم بما يقيمنا، ويصلح لنا الدين والدنيا، ويكفل لنا السعادة في الحياة الأولى، والحياة الآخرة، فيستحق الله وحده بهذه الربوبية أن نعبده بما شرعه هو سبحانه، إذ لا يشركه أحد في تلك الربوبية، وما اشد العجب من أولئك الذي يتعشقون ذل التبعية للعبيد، ويستنكفون عن عزة التبعية لله رب السماوات والأرض سبحانه!!
النهي عن اتباع غير كتاب الله:
للنفس البشرية عواطفها ومنازعها، ولكل فرد بيئة يعيش فيها، ولكل بيئة تاريخها وخصائصها واتجاهاتها في الحياة، وتجاوبها بالمشاعر والوجدانات مع الوجود، ولها أفراد تصور لهم أوهام عشاقهم صور النساك والقديسين، وتكسوهم الخيالات بوشى الأساطير، وتوشيهم العواطف بسحر الفتنة، فإذا هم محاريب القلوب عند المحبين، ومعابد الفكر عند المفتونين، وإذا هم لتلك البيئة أرباب وآلهة، وينشأ الفرد في بيئته، ويصله بما فيها ومن عليها حاجة النفس والقلب والحياة، فتفرض عليه البيئة سلطانها الجبار، فيسلك ما تسلك هي من سبيل، ويتخلق ويتدين بأخلاقها ودينها، ويقيس الأمور وينظر إلى الأشياء بمقاييسها ونظراتها، فلا يصنع هذا الفرد في تاريخ تلك البيئة إلا قصة هي في بدئها ونهايتها ككل ما طوى التاريخ من قصص أشياع بيئته الذاهبين. ولكن الإنسان الحر الذي يأبى أن تستعبده الأوهام، والشاعر بوجوده، وقيم ذاته، والذي يأبى أن يفنى وجوده ويمحو ذاته في وجود الآخرين وذواتهم ـ هذا الإنسان ـ يأبى أن يُطفئ بيده ما أودع الله فطرته من نور يميز به بين الخبيث والطيب، وبين الشر والخير، ويأبى أن يعطل ما منحه الله من عقل يفصل به بين الحق والباطل، فيستعلى بهذا على العبودية للعبيد، ويسمو بكرامته أن تنحط بها التبعية لبشري مثله، لا يميزه إلا شهوات تصرف دنياه، وأوهام تسيطر على فكره، ويزعم لها أنها إلهام من نور الحقيقة، وكذلك يأبى الحر الشاعر بإنسانيته وكيانه الذاتي أن يكون إمعة ساقط الهمة يقود حطامه الظن الذي جسده له الشيطان في هيكل ولي، وبهذا يتعالى بالصدق عن بيئته، ويوجه الفكر إلى الحق، والنفس إلى الهدى، والأخلاق إلى الخير، والحياة إلى الجهاد في سبيل ذلك كله، فيسجل في تاريخ بيئته سيرة البطولة، وقصة العبقرية، والحرية الفكرية الملهمة من اليقين، والاستشهاد النبيل الكريم في سبيل المثل العليا، في سبيل الإيمان الذي حماه من الطاغوت ثم حلق به فوق ما تستشرف النفس المؤمنة من آفاق السمو والجمال. ولا يكفيه أنه حطم القيد عن نفسه، ودمر الأغلال التي كانت تمسك به عبدا ذلولا للعبيد، بل إنه يمضي جبار القوة رحيمها، يحطم القيود الظالمة والأغلال الطاغية عن الأسارى الآخرين سجناء الأوهام.
ذلك ما تهدي إليه الآية الكريمة في تحذيرها ونهيها عن "اتباع الأولياء من دون الله"، تريد من كل فرد أن يكون بنفسه لله وليا، وأن يسمو ذاته عن ذل التبعية لبشر مثله، وأن يكون هو بقوله وعمله واعتقاده البطل الذي يقود إلى الحق، لا الإمعة التي تقاد إلى الباطل، وأن يمحو عن فكره غشاوة التقليد، ونزعات التأليه للبشر.
وبهذا تقوم الشريعة الإسلامية ذات الفرد تقويما كريما ساميا يربيها على الرعاية لكرامتها، والعمل لما فيه عزتها، ويثبت في قرار يقينها الإيمان بالمساواة المطلقة بين الناس جميعا.
قليلا من التذكر:
تنهى الآية عن اتباع الأولياء من دون الله، وتحذرنا من فتنة العاطفة التي تسخرنا لبعض عبيد الله عبيدا أذلة، ثم تختم بالملامة: قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ! حقا قلما نتذكر أن الإنسان ليس له في وجوديه وحياتيه من ولي سوى الله، وهذه حقيقة يؤمن بها الفكر البصير، والنفس التي لمست خبرتها سرائر الحياة، بل قليلا من التذكر يمكن للإيمان بهذه الحقيقة من يقين النفس، وإيمان القلب. قليلا من تذكر النشأة الأولى، حيث كانت الإنسانية قدرا من الله في التراب، أو في الطين، ثم خلقا سويا بيدي الله، تلك هي انتفاضة البشرية الأولى من العدم إلى الوجود، فمن رب القدر حيث كانت الإنسانية عدما، ومن رب الخلق إذ استوت ذاتا يقوم بها الوجود، قليلا من تذكر الحياة الإنسانية الأولى وهي تكافح على الأرض، فمن ألهمها الكفاح، وعلمها سبيله، وحقق لها الغاية منه؟ لمن تلك الربوبية الرحيمة التي كانت تمدها بالعون وبالقوة، وهي تُجالد الزلازل، والأعاصير، بين هزيم الوعود، ودمدمة البراكين، وزئير الوحوش يتلمظ على أضراسها الموت؟! قليلا من تذكر النطفة والعلقة والمضغة، والحياة تسري في العظم واللحم من الجنين!! قليلا من تذكر الجنين غيبا مجهولا!! ترى من كان يمده بالري والغذاء، ويحميه من ظلمة الليل، وضوء النهار، ووهج الحر، وزمهرير البرد، وصخب الحياة حول أمه؟ من كان يربيه وهو بين فرث ودم وماء، ويحفظ عليه سمعه وبصره، ويجعل له من مكانه الضيق رحابا أوسع من رحاب الوجود؟ قليلا من تذكر ذلك الجنين وهو في اللحظة الفاصلة، إذ أذن الله له بالخروج، من الذي ألهمه أن يهبط إلى حيث ينفتح له باب الحياة، وأن يناضل برأسه الصغير لينفذ من بابها الضيق؟ ومن الذي ألهمه حينئذ أن يبحث عن غذائه في ثدي أمه؟ ومن الذي أودعه له نقيا خالصا سائغا في ثدي أمه الرءوم العطوف الحنون؟! يا للجنين الوليد يجرع أمه العذاب، فتسيغه برحمة الله شهدا صافي الرحيق، وتستشعره أنساما من رحمات الخلود!!
قليلا من تذكر الإنسان نفسه، وهو في مدارج الحياة طفلا وصبيا وشابا وكهلا وشيخا!! قليلا من تذكره النظرة الأولى يستقبل بها الحياة، والنظرة الأخيرة يودع بها الحياة والأحياء، وإغماضة العين على الحق الذي سطع عليه روعته وجلاله وهو في البرزخ الدقيق الفاصل بين الموت والحياة: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [سورة ق: 19]، لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [سورة ق: 22].
قليلا من تذكرك هذا ـ أو بعضه ـ يدفك إلى الإذعان المؤمن بقول: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [سورة الأعراف: 3].
نص الكتاب على وجوب اتباع السنة:
كل آية تنص على وجوب اتباع الكتاب تتضمن الدلالة على وجوب اتباع السنة، فما لم نتبع السنة فقد تركنا من القرآن بيانه. وفوق هذا نصت آيات كثيرة على جوب اتباع السنة: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ
[سورة الزخرف: 61]، فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
[سورة الأعراف: 158]، وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [سورة الحشر: 9]، أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [سورة يونس: 35]، وغير ذلك كثير في القرآن، وفي هذه الآية الأخيرة قضية جلية الطرفين تعرض على العقل الإنساني، وهذه القضية هي: هادٍ يؤمن العقل ويقر له بأنه يهدي بذاته وعلمه إلى الحق، وآخر يوقن العقل بأنه لا يملك أن يهدي نفسه، وإذا هدي فإنما بهداية الأول، فهو بالأولى لا يملك أن يهدي غيره، فأي الطرفين يحكم العقل بوجوب اتباعه؟! لن يتردد العقل لحظة في الحكم، ولن يرتاب في وضوحه وجلائه، فالحكم بيِّنٌ يدركه حتى الأمي الجهول، ويحكم به حتى الجحود إذا خلا إلى نفسه! في الآية هزة جبارة القوة توقظ الفكر البشري من سُباته العميق ليفزع إلى اليقظة البصيرة، حتى يدرك أنه في غفلته سمى النور ظلاما، وسمى الظلمة نورا، في الآية قضية الدين والوحي في سمو جلال نسبتهما إلى الله، وقضية الخرافة والأسطورة ينسج عناكبهما الأحبار، وينازعان بهما كتاب الله. فأما وحي الله الهادي بذاته فيدعو إلى الإذعان المطلق لما يشرع، والاستسلام التام إليه بالفكر والقلب والشعور، والنية الصادقة، والعزم المصمم يتجلى عملا إيجابيا، لا يبغي غير وجه الله ذي الجلال، وأما أولئك الكهان والأحبار فيدعون إلى أخذ الدين من كتب ما فيها من الحق سوى أنها ورق سودته المطبعة بباطل وضلال، أو أمشاج من باطل وحق، فأي الفريقين خير مقاما! وأيهما أولى بالطاعة والاتباع؟! ألا إن وضح الحق أجلى من وضح الشمس في الضحوة الصافية، ولكن شهوات السوء وفنون الجاه تأبى إلا أن تجعل الواضح غموضا مستغرقا في الإبهام، وأن تطمس الحقائق البينة، فتفسد على الناس الفطر والعقول.
حث الرسول على اتباع الكتاب والسنة:
قال  : «إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: إني رأيت الجيش بعيني، وأنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا ـ (ساروا الليل كله) ـ فانطلقوا على مهلهم، فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم، واجتاحهم ـ (أهلكهم) ـ فذلك مثل من أطاعني، واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني، وكذب ما جئت به من الحق» "الصحيحان". وقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد» "الصحيحان وأبو داود وابن ماجة"، وفي رواية: «من صنع أمرا على غير أمرنا فهو رد». وقال ـ يهدي أمته سواء السبيل ـ : «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله» "الموطأ". وقال: «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» "أبو داود والترمذي". ولكن بعض الشيوخ يقولون لك: البدعة قسمان: حسنة وسيئة!! في حين يقول الرسول:
«كل بدعة ضلالة»، فأيهما نصدق؟!!
جزاء اتباع الكتاب والسنة:
أوجب الله سبحانه على كل مسلم اتباع الكتاب والسنة، وهذا الواجب المفروض حق لله سبحانه على عباده، ولكن فضل الله الأسمى يجعل للعبد الذي أدى حق الله عليه ثوابا بالغ الجلال والجمال والعظم، وإليك من آي القرآن ما يدفعك تدبرها إلى تطييب لياليك بالتهجد له سبحانه، وتقويم حياتك بالجهاد في سبيله، وإخلاص عبادتك له باتباع كتابه وسنة رسوله  : فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
[سورة البقرة: 38]، وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى
[سورة طه: 47]، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
[سورة طه: 133]، فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
[سورة الأعراف: 157]. حياة رضية يفيض عليها الأمن والسلام، ونفس صافية البشائر طيبة الآمال، لا يمسها حزن على ماض خلا، ولا يقلقها الفكر الخائف من غد مغيب، بل يلتقي ماضيها وحاضرها ومستقبلها على الرضى والبشر والسعادة، وفكر رشيد بصير لا تشتبه عليه قيم الأشياء، ولا يلتوي عليه الحق منها، وهذا بعض ما يجزي به الله من اتبع رضوانه، واقتدى برسوله، وهذا الجزاء ليس في الآخرة فحسب، بل في الدنيا كذلك، فالمتبع للكتاب والسنة قد أصبح الفلاح من صفاته المقومة لوجوده في الحياة الأولى والآخرة.
حب الله وسبيله:
وأسمى من ذلك الجزاء وأجل: محبة الله سبحانه لمن يتبعون هداه، والنور الذي أنزل على عبده ورسوله محمد  : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة آل عمران: 31].
يتسامى الحب جلالا وصدقا وكمالا بفعل ما يرضي المحبوب، وتجنب ما يسخطه، والتزام هذا، حتى في النظرة العابرة، والهمسة الخافتة، واللمسة الذاهلة، الحب شعور وعمل، وأجل أنواع الحب ما امتلأ به القلب، واستكانت راضية لسلطانه النفس، ووجه القول منك والعمل إلى ما يرضي الحبيب، ويشهده على صدق الحب منك وصفائه، وإلى الإصغاء ـ يسكن به وجودك كله ـ إلى ما يريده ويأمر به، لتعمل ما يحقق إرادته فيك، ويمضي أمره لك، وليس ثم من يحب لذاته ومن كل وجه إلا الله سبحانه وتعالى، يُحب مبتليا بالسراء ويحب مبتليا بالضراء، يحب معطيا، ويحب مانعا، يحب باسطا، ويحب قابضا، فهو الله الرحمن الرحيم الحكيم الخبير رب السماوات والأرض، ندين له بالحمد على المكروه، كما ندين له بالحمد على المحمود، والمؤمن الحق من يحب الله في ذل الفقر، كما يحبه في عز الغنى، يحبه ولياليه بشائر آمال، كما يحبه ولياليه مآس حزينة، فالكل من سنن الله الكونية، وأصدق الأدلة على حب الله، الصبر على ابتلائه سبحانه بالنعمة وابتلائه بغيرها، فالله يقول: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
[سورة النساء: 19] إذ لا يعلم حقائق الأشياء على ما هي عليه في علم الله إلا خالقها العليم الخبير، أما شكره على النعمة، وشكاة أقداره في غيرها، فكفر وجحود بالرب الرحيم: فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [سورة الفجر: 15 - 16]. جعل الله الحالين ابتلاء للإنسان، فشكر في النعمة وكفر في غيرها، فكان شكره كفرا، ومن صور المستحيل أحيانا أن يجمع الحب الصدوق بين السيد وعبده في الدنيا، وحسب العبد سعادة ـ تغمر وجوده كله ـ بسْمة يُرنَّحها زهو الخيلاء على فم سيده، أو كلمة حلوة يتفلها طرف لسانه، أو لمسة حانية من كف سيده المترفة النعيم، وإذا تناهت محبة السيد لعبده ناده باسمه، فيحسب المسكين أن سيده يقول له: يا سيدي!! صور في ذهنك ـ بالخيال ذي الشاعرية المجنحة بالتهاويل ـ ملكا يقول لعبده من فوق عرش ملكه: عبدي إني أحبك!! ألا يشعر ذلك العبد حينئذ ـ من نشوة السعادة ـ أن الوجود كله بعض ملكه؟ وقد يكون في الملك هذا من هنات البشرية ما فيه، ومن بغي الجور ما يرجف منه الجماد، فما بالك ـ ولله المثل الأعلى ـ بالله يجزيك عن صدق اتباعك للكتاب والسنة: بحب إلهي كريم، وشتان ما حب العبد لله، وحب الله لعبده، ذك حب العبيد، وهذا حب مالك العبيد وخالقهم.
وليس هذا فحسب، بل ثم فضل يسابق فضلا، فاسمع للرسول  يبشرك: «إذا أحب الله العبد نادى: يا جبريل إني أحب فلانا، فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» "متفق عليه".
تتبع الكتاب والسنة، فيصدق منك الحب لله، فيحبك الله، ويأمر جبريل أن يحبك، وأنا ينادي في السماء أن الله يحبك، فيحبك أهل السماء، ويضع لك الله في الأرض القبول في قلوب الناس. فهل في قدرة البيان البشري ـ يكاد يعجز البلاغة ـ أن يصف هذا الثواب؟! أو يبين عن لمحة من نور حب الله، إذ ينادي: «إني أحب فلانا فأحبوه»؟ لو أنا فرضنا وجود المستحيل، وزعمنا يجمع بين ملك وعبده، فلن يبلغ تصور المستحيل جدا نتصور فيه أن الملك يشع في مكان ذكر حبه لعبده، ولكن الله يحب عبده، ويذكر لملائكته أنه يحبه، ويأمرهم أن يحبوه معه!! ترى أعند من يتبعهم الناس من دون الله حتى حلم من هذا الثواب؟!
حب غفور:
ومن شيمة الحب الذي تناهى في السمو والصدق عدم الذنب فيه أو قلته، ولكن الله سبحانه القوي يرعى ضعفك البشري الذي يلمسك بالذهول لحظات عن حبك لربك، ويدفعك ـ بفتنة الشيطان لك ـ إلى اقتراف الذنب. يرعى الله القوي ضعفك هذا، فيعدك ـ حين يصدق حبك بصدق اتباعك ـ بغفران ذنبك، إذ يقول في الآية: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [سورة آل عمران: 31]. فليس ثواب اتباع الكتاب والسنة حب الله وملائكته لك فحسب، بل حب الله ومغفرته، ولذا تختم الآية بالاسمين الجليلين اللذين يفيضان على قلب المؤمن المذنب طمأنينة الرجاء، وأنوار الأمل في مغفرة الله ورحمته وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فلا تعجب من العجب الإلهي الغفور، لأنه حب ربك المنان بالمغفرة، الجواد بالرحمة سبحانه وجلال الحق!
لولا حاجة من يحبك في الدنيا إليك، وافتقار روحه إلى أنس هواك وعذاب نفسه من هجرك ما غفر لك ذنبا، ولا صفح عن إساءة، ولكن الله غني عن العالمين جميعا، فسبحانك اللهم كتبت على نفسك الرحمة!!

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
New Page 2
 
 

قديم 09-05-2024, 09:19 PM   #2
معلومات العضو
رشيد التلمساني
مراقب عام و مشرف الساحات الإسلامية

افتراضي

جزاك الله خيرا ونفع بك

 

 

 

 


 

توقيع  رشيد التلمساني
 لا حول و لا قوة إلا بالله
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


بحث عن:


الساعة الآن 07:12 PM



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
By Media Gate - https://mediagatejo.com