قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه أنت في الآخرة.
وقال رحمه الله: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.
اعلم رعاك الله واعلمي بارك الله فيك! أنه: على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم قام رجل من الصالحين يصلي من الليل فمر بقوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ** [آل عمران:133] فجعل يرددها ويبكي حتى أصبح، فلما أصبح قيل له: أبكتك آية ما مثلها يبكي، إنها جنة عريضة واسعة، فقال: يا ابن أخي! وما ينفعني عرضها إن لم يكن لي فيها موضع قدم؟ فيا عجباً كيف ينام طالبها؟! وكيف لم يستخدم فيها خاطبها؟! وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها؟! وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها؟! وكيف قر دونها أعين المشتاقين؟! وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين؟! وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين؟! وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين؟! فسل المتيم أين خلف صبره في أي واد أم بأي مكان أترى يليق بعاقل بيع الذي يبقى وهذا وصفه بالفاني اعلم رعاك الله! واعلمي بارك الله فيك! أن من جد وجد، ومن سهر ليس كمن رقد، ومن لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الآخرة له.
لسان حال المشتاقين: إذا اشتغل اللاهون عنك بشغلهم جعلت اشتغالي فيك يا منتهى شغلي عن كريب أنه سمع أسامة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا هل من مشمر للجنة؟ فإن الجنة لا خطر لها, ورب الكعبة نور يتلالأ, وريحانة تهتز, وقصر مشيد, ونهر مطرد, وثمرة نضيجة, وزوجة حسناء جميلة, وحلل كثيرة, في مقام أبد, في دار سلمة, وفاكهة خضراء, وحبرة ونعمة, في محلة عالية بهية, قالوا: نعم يا رسول الله! نحن المشمرون.
قال: قولوا: إن شاء الله.
فقال القوم: إن شاء الله).
هنيئاً لهم سمعوا الأوصاف والأخبار فشمروا، وصدقوا الأقوال بالأفعال، علموا أن السلعة غالية، فقدموا الثمن من الأنفس والأموال، لأن الله اشترى وهم باعوا والثمن الجنة، وعد صادق، وعهد سابق، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا** [النساء: