تعدد الأئمة في دار الإسلام
صورة المسألة
هذه المسألة جمعت بين القدم والمعاصرة، حيث كثر في هذه الأعصار أئمة وحكام المسلمين وتنوعت مشاربهم مع أن الأصل تفرد الإمام، فما الحكم في مثل هذه الأحوال؟
حكم المسألة
المتتبع لأقوال العلماء السابقين والمتأخرين يجد اتفاق عامتهم على أنه يصح في الاضطرار تعدد الأئمة ويأخذ كل إمام في قطره حكم الإمام الأعظم.
قال ابن الوزير في العواصم: “ومن لم يفرق بين حالي الاختيار والاضطرار فقد جهل المعقول والمنقول”، ثم ساق الأدلة من العقل والنقل على هذه الجملة.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -:
“والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد، والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها، وعجز من الباقين، أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة، لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود، ويستوفي الحقوق…”
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله تعالى -: “الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد – أو بلدان – له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا, لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد، ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم”
وقال الصنعاني رحمه الله تعالى في شرح حديث أبي هريرة ؓ مرفوعا: (من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة ومات فميتته ميتة جاهلية) [مسلم (1848)] قوله: “عن الطاعة”؛ أي طاعة الخليفة الذي وقع الاجتماع عليه، وكأن المراد خليفة أي قطر من الأقطار, إذ لم يجمع الناس على خليفة في جميع البلاد الإسلامية من أثناء الدولة العباسية, بل استقل أهل كل إقليم بقائم بأمورهم، إذ لو حمل الحديث على خليفة اجتمع عليه أهل الإسلام لقلت فائدته. وقوله: “وفارق الجماعة”؛ أي خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم واجتمعت به كلمتهم وحاطهم عن عدوهم”.
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: “ولا يصح إمامان”: هذا أولا، وأما بعد انتشار الإسلام واتساع رقعته وتباعد أطرافه فمعلوم أنه قد صار في كل قطر – أو أقطار – الولاية إلى إمام أو سلطان وفي القطر الآخر كذلك، ولا ينعقد لبعضهم أمر ولا نهي في قطرالآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته.
فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه وكذلك صاحب القطر الآخر.
فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته وبايعه أهله كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب. ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار، فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها، ولا يُدرى من قام منه أو مات, فالتكليف بالطاعة والحال هذا تكليف بما لا يطاق. وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد…
فاعرف هذا, فإنه المناسب للقواعد الشرعية والمطابق لما تدل عليه الأدلة, ودع عنك ما يقال في مخالفته فإن الفرق بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار.
المراجع
1. الدرر السنية في الأجوبة النجدية, (7/239).
2. سبل السلام شرح بلوغ المرام، الأمير الصنعاني، (3/499).
3. السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، الشوكاني، (4/512).
4. العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم, محمد بن إبراهيم بن الوزير اليماني، (8/174).
5. مجموع الفتاوى لابن تيمية, (35/175-176).
6. معاملة الحكام في ضوء الكتاب والسنة، عبدالسلام بن برجس العبدالكريم.
المصدر
https://erej.org/%d8%aa%d8%b9%d8%af%...4%d8%a7%d9%85/