قال الله تعالى : « يٓأيّها الّذين ءامنوا اتّقوا الله
حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مّسلمون (102) واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرّقوا و اذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوٰنا وكنتم على شفا حفرة مّن النار فأنقذكم مّنها كذٰلك يُبيـّن الله لكم ءايـٰته لعلّكم تهتدون (103) »
سورة آل عمران
قال العلاّمة عبد الرّحمٰن السّعدي في تفسير
كلام المنّان :
هذا أمر من الله لعباده المؤمنين أن يتقوه حق
تقواه ، و أن يستمروا على ذلك و يثبتوا عليه و
يستقيموا إلى الممات ، فإنّ من عاش على شيء مات عليه ، فمن كان في حال صحته و
نشاطه و إمكانه مُداوماً لتقوى ربه و طاعته ،
مُنيبا إليه على الدوام ،
ثبته الله عند موته و رَزَقَه حُسنَ الخاتِمة ، و
تقوى الله حق تقواه
كما قال ابن مسعود : و هو أن يُطاع فلا يُعصى ، و يذكر فلا يُنسى ،و يُشكر فلا يُكفر،
وهذه الآية بيان لما يستحقه تعالى من التقوى ،
و أما ما يجب على العبد منها ، فكما
قال تعالى : « فاتقوا الله ما استطعتم »
وتفاصيل التقوى المتعلقة بالقلب و الجوارح
كثيرة جدا ، يجمعها فِعْلُ ما أمَرَ الله به و ترك
كل ما نَهى الله عنه ،
ثم أمَرَهُم تعالى بما يُعينهم على التقوى
و هو الاجتماع و الاعتصام بدين الله ،
وكون دعوى المسلمين واحدة
مُؤْتَلِفين غير مُختلفين ،
فإنّ في اجتماع المسلمين على دينهم ،
وائْتِلاف قلوبِهم يُصلح دينهم وتصلح دنياهم
و بالاجتماع يتمكنون من كل أمر من الأمور
ويحصل لهم من المصالح التي تتوقف على
الائتلاف ما لا يمكن عدها ،
من التعاون على البر و التقوى
كما أن بالافتراق و التعادي يختل نظامهم و
تنقطع روابطهم و يصير كل واحد يعمل و يسعى في شهوة نفسه ،
و لو أدى إلى الضرر العام
ثم ذَكّرَهُم تعالى نعمته فقال : « و اذكروا نعمة
الله عليكم إذ كنتم أعداء » يقتل بعضكم بعضا، و يأخذ بعضكم مال بعض ، حتى إن القبيلة يعادي بعضهم بعضا ،
و أهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي و الاقتتال ، و كانوا في شر عظيم ........
« كذلك يبيـّن الله لكم آياته » أي : يوضحها
و يفسرها ، و يبين لكم الحق من الباطل ،
و الهدى من الضلال
« لعلكم تهتدون » بمعرفة الحق و العمل به ،
و في هذه الآية ما يدل أن الله يُحب من عباده
أن يذكروا نعمته بقلوبهم و ألسنتهم ليزدادوا
شكرا له و محبَةً ،
وليزدهم من فضله و إحسانه ،
و إن من أعظم ما يُذْكَر من نعمه نعمةَ
الهداية إلى الإسلام ، و اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم
و اجتماع كلمة المسلمين و عدم تفرقها .