وعمر رضي الله عنه يقول: (من استحيا اختفى، ومن اختفى اتقى، ومن اتقى وقي).
أيها الإخوة في الله: إن من أعظم ما يستحي منه ربكم مولي النعم ومسديها. ولا يتولد هذا الحياء إلا حين يطالع العبد نعم الله عليه، ويتفكر فيها، ويدرك تمامها وشمولها، ثم يراجع نفسه ويحاسبها على التقصير، ويخجل من ربه، ولاسيما إذا رزق العبد توفيقاً فأدرك عظمة الله، وإحاطته، واطلاعه على عباده، وقربه منهم، وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور. يقول الجنيد رحمه الله: (الحياء رؤية النعم ورؤية التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء).
ويقول بعض السلف: (خف الله على قدر قدرته عليك واستح منه على قدر قربه منك).
وقد أمر النبي أصحابه أن يستحيوا من الله حق الحياء فقالوا: يا رسول الله إنا نستحي من الله حق الحياء قال : ((ليس ذلك؛ الاستحياء من الله أن تحفظ الراس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، من فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)) [4].
ومن الحياء أن يطهر المسلم لسانه من الفحش ومعيب الألفاظ، فإن من سوء الأدب أن تفلت الألفاظ البذيئة من المرء غير عابئ بمواقعها وآثارها.
ومن الحياء القصد في الحديث في المجالس، فمن أطلق للسانه العنان فإنه لا يسلم من التزيد، ولا ينجو من الادعاء والرياء.
ومن الحياء أن يتوقى الإنسان ويتحاشى أن يؤثر عنه سوء، أو تتلطخ سمعته بما لا يليق، وليبق بعيداً عن موارد الشبه ومواطن الإشاعات السيئة.
ومن أحيا الحياء محافظة المرأة المسلمة على كرامتها وحشمتها، ومراقبة ربها، وحفظ حق بعلها، والبعد عن مسالك الريبة ومواطن الرذيلة، لئلا يغيض ماء الحياء ويذهب بالعفاف والبهاء. استشهد لإحدى النساء ولد في بعض الغزوات مع رسول الله فجاءت تبحث عنه بين القتلى وهي منتقبة فقيل لها: تبحثين عنه وأنت منتقبة متحجبة؟ فأجابت: لأن أرزا ولدي فلن أرزا حيائي!! فاتقين الله يا نساء المؤمنين، والزمن العفاف والحياء فذلك خير وأبقى.
وإن من الحياء أيها المسلمون أن يعرف لأصحاب الحقوق منازلهم ومراتبهم، فيؤتى كل ذي فضل فضله. فالابن يوقر أباه، والتلميذ يحترم المعلم، والصغير يتأدب مع الكبير. ورد في الأثر عن عبد الله بن بسر أنه قال: (إذا كنت في قوم فتصفحت في وجوههم فلم تر فيهم رجلا يهاب الله فاعلم أن الأمر قد رق).
ويقابل الحياء البذاء والجفاء: أخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن النبي أنه قال: ((الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار)) [5].
ومنزوع الحياء لا تراه إلا على قبح، ولا تسمع منه إلا لغواً وتأثيماً، عين غمازة، ونفس همازة، ولسان بذيء؛ يتركه الناس اتقاء فحشه. مجالسته شر، وصحبته ضر، وفعله عدوان، وحديثه بذاء. ويزيد الأمر ويعظم الخطب حين يكون اللهو والتفحش في الطرب والغناء واتخاذ القينات والمعازف وقصائد المجون.. حيث الخروج عن الفضيلة، وخلع جلباب الحياء، ومن لا حياء له لا إيمان له.
فاتقوا الله أيها المسلمون: والتزموا الحياء والعفاف، فهو الباعث على فعل الطاعات وترك القبائح والمنكرات، هو المانع من التقصير في الشكر، وعرفان الجميل،