القدر ليس حجة للعاصي على فعل المعصية:
أفعال العباد كلها من طاعات ومعاصٍ كلها مخلوقة لله كما سبق ولكن ليس ذلك حجة للعاصي على فعل المعصية وذلك لأدلة كثيرة منها:
1- أن الله أضاف عمل العبد إليه وجعله كسبا له فقال:
{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ** [غافر: 17] .
ولو لم يكن له اختيار في الفعل وَقْدرة عليه ما نُسِبَ إليه.
2- أن الله أمر العبد ونهاه ولم يكلفه إلا ما يستطيع لقوله تعالى:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا** [البقرة: 286] .
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ** [التغابن: 16] .
ولو كان مجبورا على العمل ما كان مستطيعا على الفعل أو الكف؛ لأن المجبور لا يستطيع التخلص.
3- أن كل واحد يعلم الفرق بين العمل الاختياري والإجباري وأن الأول يستطيع التخلص منه.
4- أن العاصي قبل أن يقدم على المعصية لا يدري ما قُدَّر له وهو باستطاعته أن يفعل أو يترك فكيف يسلك الطريق الخطأ ويحتج بالقدر المجهول، أليس من الأحرى أن يسلك الطريق الصحيح ويقول هذا ما قُدَّر لي؟!
5- أن الله أخبر أنه أرسل الرسل لقطع الحجة:
{لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ** [النساء: 165] .
ولو كان القدر حجة للعاصي لم تنقطع بإرسال الرسل.
[48] ونعلم أن الله سبحانه وتعالى ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر على معصية ولا اضطره إلى ترك طاعةٍ، قال الله تعالى:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا** [البقرة: 286] .
وقال الله تعالى:
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم** [التغابن: 16] .
وقال تعالى:
{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ** [غافر: 17] .
[49] فدل على أن للعبد فعلاً وكسبًا يُجزى على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره.
.... الشرح....
التوفيق بين كون فعل العبد مخلوقاً لله وكونه كسبًا للفاعل:
عرفت مما سبق أن فعل العبد مخلوق لله وأنه كسب للعبد يجازى عليه: الحسن بأحسن والسيئ بمثله فكيف نوفق بينهما؟
التوفيق بينهما أن وجه كون فعل العبد مخلوقاً لله تعالى أمران:
الأول: أن فعل العبد من صفاته، والعبد وصفاته مخلوقان لله تعالى.
الثاني: أن فعل العبد صادر عن إرادة قلبية وقدرة بدنية ولولاهما لم يكن فعل، والذي خلق هذه الإرادة والقدرة هو الله تعالى وخالق السبب خالق للمسبب، فنسبة فعل العبد إلى خلق الله له نسبة مُسَبَّب إلى سبب لا نسبة مباشرة؛ لأن المباشر حقيقية هو العبد فلذلك نُسِبَ الفعل إليه كسبا وتحصيلا ونُسِبَ إلى الله خلقا وتقديرا فلكل من النسبتين اعتبار والله أعلم