أمة الصيام والقيام والقرآن: لقد دخل علينا شهر رمضان وهو شهر مليء بالفضائل والأعمال الصالحة فينبغي لنا اغتنام هذا الشهر قبل أن يفوت وقد يكون آخر رمضان تعيشه فبادروا بعمارة أيامه ولياليه بالأعمال الصالحة التي تتأكد فيه ومن هذه الأعمال: صلاة التراويح وهي صلاة القيام ولكنها في رمضان تتأكد لأن لها مزية وفضيلة على غيرها لقول النبي : ((من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) ومعنى قوله: (إيمانا) أي إيمانا بما أعده الله من الثواب للقائمين، ومعنى قوله: (احتسابا)، أي طلبا لثواب الله لم يحمله على ذلك رياء ولا سمعه ولا طلب مال ولا جاه وإنما سميت تراويح لأن الناس كانوا يطيلونها جدا فكلما صلوا أربع ركعات استراحوا قليلا، وكان النبي أول من سن الجماعة في صلاة التراويح في المسجد ثم تركها خوفا من أن تفرض على أمته، ولما انقطع التشريع بموته أحيا عمر بن الخطاب هذه السنة وأمر بصلاتها جماعة خوفا من أن تنسى بعد ذلك، ولهذا لا ينبغي للرجل أن يتخلف عن صلاة التراويح في الشهر كله لينال ثوابها وأجرها ولا ينصرف منها حتى ينتهي الإمام من صلاة الوتر ليحصل له أجر قيام الليل كله، لما ورد عن النبي أنه قال: ((من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) بسند صحيح.
وأحب أن أنبه كل مصل ألا يستعجل وينصرف من صلاة التراويح لأني أرى الكثير من الناس يصلي حتى إذا لم يبق إلا الوتر خرج وضيع على نفسه أجر قيام ليلة، فانتبهوا لهذا الأمر. ومن الأعمال التي تتأكد في هذا الشهر، العمرة، فقد ثبت عن النبي أنه قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) رواه البخاري ومسلم وفي رواية قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة معي)) فهنيئا لك يا مسلم بحجة مع النبي تؤديها بسهولة ويسر وترجع منها مغفور الذنب لقول النبي : ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) رواه الجماعة. وقال أيضا: ((تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد)) رواه النسائي وهو حديث صحيح.
ومن الأعمال التي تتأكد في هذا الشهر تحري ليلة القدر، وقد روي في فضلها أن من قامها ابتغاءا لها غفر له ما تقدم من ذنبه قال : ((من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه، وقال تعالى: ليلة القدر خير من ألف شهر فقال مجاهد في تفسيرها: أي خير من ألف شهر عملها وصيامها وقيامها.
وقد ذكر ابن جرير بسنده: عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي ففعل ذلك ألف شهر يعني ثلاثة وثمانين سنة وثلاثة أشهر، فأنزل الله هذه الآية: ليلة القدر خير من ألف شهر فقيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل، فعمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
وهذه الليلة العظيمة كان النبي يتحراها ويأمر أصحابه بتحريها وكان يشد مئزره ويوقظ أهله رجاء أن يدركها ويوافقها.
وفي المسند بإسناد صحيح: ((من قامها ابتغاءها ثم وقعت له غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)) ، ومن حرم خير هذه الليلة فهو الشقي المحروم أي وربي، كيف وقد عرف هذه الفضائل ثم ضيعها ولم يجتهد فيها ولم يتحراها فنسأل الله عز وجل أن يبلغنا إياها وأن يوفقنا لقيامها وأن يتقبلها منا فيغفر لنا فيها ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومن الأعمال التي تتأكد أيضا: الصدقة وقد كان النبي أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان كان أجود بالخير من الريح المرسلة، وقد قال : ((أفضل الصدقة صدقة رمضان)) ، رواه الترمذي، فلا تبخلوا تصدقوا وأنفقوا فإنه ما نقصت صدقة من مال بل تزيده ولا تنسوا إخوانكم في البوسنة والصومال وكشمير وغيرهم ممن أنهكهم الجوع والمرض والحروب والتقتيل والتشريد.
فيا من أضاع عمره في اللهو واللعب والغفلة، هذه الفضائل خذ بها كلها في شهر الرضا والمزيد ولا تزهد في الأجر واستدرك ما فاتك وتحر ليلة القدر فإنها تحسب من العمر والمحروم والله من فاته الشهر ولم يفز بشيء من فضائله.