خلق اللين والرفق من صفات الرسول
ولنستمعْ إلى شهادة الأطفال أنفسهم في معاملته صلى الله عليه وسلم لهم..
- فهذا الصحابي الصغير أنس بن مالك، خادم النبي صلى الله عليه وسلم من حين هجرته إلى المدينة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم يقول:
(خَدَمْت النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِي: أفٍّ! وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ:أَلاَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ عَابَ عَلَيَّ شَيْئاً قَطّ، وَأَنَا غلاَم، وَلَيْسَ أَمْرِي كَمَا يَشْتَهِي صَاحِبِي أَنْ أَكونَ عَلَيْهِ).
- وقال أيضاً: (كَانَ رَسول اللَّهِ صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خلقاً، فَأَرْسَلَنِي يَوْماً لِحَاجَةٍ، فَقلْت: وَاللهِ لاَ أَذْهَب! وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْت حَتَّى أَمرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهمْ يَلْعَبونَ فِي السّوقِ، فَإِذَا رَسولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي،
قَالَ: فَنَظَرْت إِلَيْهِ وَهوَ يَضْحَك،
فَقَالَ: (يَا أنَيْس! أَذَهَبْتَ حَيْث أَمَرْتكَ؟)؛ قُلْتُ: نَعَمْ! أَنَا أَذْهَب يَا رَسولَ اللَّهِ).
- وعن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يؤْتَى بِالصِّبْيَانِ، فَيبَرِّك عَلَيْهِمْ، وَيحَنِّكهمْ).
والتبريك: الدعاء لهم بالبركة، والتحنيك: أن يمضغ أبو المولود أو الرجل الصالح تمرةً أو نحوها، ثم يضعها في فم الصبي ليمصها، وهذه سنة إسلامية عقب ولادة المولود.
- وقد روت رضي الله عنها أن النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنَّك عبد الله بن الزبير، قالت أسماء: (ثمَّ مَسَحَه، وَصَلّى عَلَيْهِ – أي: دعا له – وَسَمَّاه عَبْدَ اللهِ، ثمَّ جَاءَه وَهوَ ابْن سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ لِيبَايِعَ رَسولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَبَسَّمَ رَسول اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآه مقْبِلاً إِلَيْهِ، وَبَايَعَه).
- قال أَنَس: (لَقَدْ رَأَيْته وَهوَ يَكِيد بِنَفْسِهِ أي: يحتَضَر بَيْنَ يَدَيْ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (تَدْمَع الْعَيْن، وَيَحْزَن الْقَلْب، وَلاَ نَقول إِلاَّ مَا يَرْضَى رَبّنَا، وَاللهِ يَا إِبْرَاهِيم إِنَّا بِكَ لَمَحْزونونَ)).
- ومن ذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه: (إِنِّي أَدْخل في الصَّلاَةِ، وَأَنَا أرِيد أَنْ أطِيلَهَا، فَأَسْمَع بكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّز فِي صَلاَتِي – أي: أخفِّفها وأعجل فيها – مِمَّا أَعْلَم مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أمِّهِ مِنْ بكَائِهِ)، وفي رواية: (كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشقَّ على أمِّهِ).
- وقال عليه الصلاة والسلام عن الحسن والحسين: (همَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا).
ولم تقتصر رعاية النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال على إظهار عواطفه نحوهم والاهتمام بهم؛ بل كانت تتعدى ذلك إلى تعليمهم، وتربيتهم، والدعاء لهم..
- فقد أردفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عبدَ الله ابن عباس رضي الله عنهما يوماً خلفَه، وقال له: (يَا غلاَم! إِنِّي معَلِّمك كَلِمَاتٍ، فَاحْفَظْهنَّ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْه تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأمَّةَ لَوِ اجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَنْفَعوكَ لِمْ يَنْفَعوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَه اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعوا عَلَى أَنْ يَضرّوكَ لَمْ يَضرّوكَ إلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَه الله عَلَيْكَ، رفِعَتِ الأَقْلاَم وَجَفَّتِ الصّحف)
- وكان صلوات الله وسلامه عليه يشجع الأطفال على حفظ القرآن، والتفقه في الدين..فها هو يختار الطفل عمرَو بنَ سلمة الجَرْمي، وهو غلامٌ صغيرٌ؛ إماماً على قومه، مع أنه أصغرهم سنّاً، وذلك لأنه أكثرهم قرآناً.
وقد اقتدى الصحابة رضوان الله عليهم بنبيهم صلوات الله وسلامه عليه في هذه الرعاية والاهتمام بالأطفال.