السؤال
قرأت أن منهج كثير من الفقهاء هو التوقف عن التفصيل في مسألة الأسماء والصفات، فلا يقول أحدهم بالتأويل، ولا يجزم أيضًا بالمعنى الظاهر، فلا يقول مثلًا بأن اليد تعني القدرة، ولا يجزم بأن لله يدًا، ويقول بعضهم بأن لفظ اليد في الآية يحتمل المعنيين: الظاهر، والمجازي، فهل يتناقض ذلك مع اعتقاد أهل السنة والجماعة؟ وما أدلة وجوب القطع بالمعنى الظاهر عمومًا، وليس في مسألة اليد فقط -جزاكم الله خيرًا-؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن هذا الكلام مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة، فإنهم كانوا يثبتون ما تدل عليه نصوص الوحي على سبيل الحقيقة، لا على سبيل المجاز، وإنما يفوضون كيفية الصفات، ويدل لإثبات الحقيقة والقطع بالظاهر ما هو مقرر عند أهل العلم من أن حمل اللفظ على الحقيقة، والظاهر مقدم على المجاز والتأويل، وقد نقل بعض أهل العلم إجماع السلف على ذلك، فقد روى الخلال في السنة عن الوليد بن مسلم قال: سألت سفيان، والأوزعي، ومالك بن أنس، والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا: نمرها كما جاءت ـ قال الخلال: هذا في أحاديث الصفات، وهو مذهب السلف إثبات حقيقتها، ونفي علم الكيفية. انتهى.
وفي شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز: وذكر في التبصرة أن نصير بن يحيى البلخي روى عن عمرو بن إسماعيل بن حماد بن أبي يحيى بن محمد بن الحسن -رحمهم الله-: أنه سئل عن الآيات، والأخبار التي فيها من صفات الله تعالى ما يؤدي ظاهره إلى التشبيه؟ فقال: نمرها كما جاءت، ونؤمن بها، ولا نقول: كيف وكيف. اهـ.
وقال الذهبي في العلو: قال الحافظ أبو بكر الخطيب -رحمه الله-: أما الكلام في الصفات، فإن ما روي منها في السنن الصحاح، مذهب السلف ـ رضوان الله عليهم ـ إثباتها، وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية، والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله سبحانه، وحققها من المثبتين قوم، فخرجوا في ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، ودين الله بين الغالي فيه والمقصر عنه، والأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، ويحتذي في ذلك حذوه ومثاله، فإذا كان معلومًا أن إثبات رب العالمين عز وجل إنما هو إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته إنما هو لبيان إثبات وجود، لا إثبات تحديد وتكييف، فإذا قلنا: لله تعالى يد، وسمع، وبصر، فإنما هي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه، ولا نقول: إن معنى اليد: القدرة، ولا إن معنى السمع والبصر: العلم، ولا نقول: إنها جوارح، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار التي هي جوارح وأدوات الفعل، ونقول: إنما وجب إثباتها؛ لأن التوقيف ورد بها، ووجب نفي التشبيه عنها؛ لقوله تبارك وتعالى: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ـ وقوله عز وجل: ولم يكن له كفوًا أحد. اهـ.
وقال شيخ الإسلام: فمذهب السلف ـ رضوان الله عليهم ـ إثبات الصفات، وإجراؤها على ظاهرها، ونفي الكيفية عنها؛ لأن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات، وعلى هذا مضى السلف كلهم، ولو ذهبنا نذكر ما اطلعنا عليه من كلام السلف في ذلك لخرجنا عن المقصود في هذا الجواب. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في تعليقه على لمعة الاعتقاد: الواجب في نصوص الكتاب والسنة إبقاء دلالتها على ظاهرها من غير تغيير؛ لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين... ولأن تغييرها عن ظاهرها قول على الله بلا علم، وهو حرام.. مثال ذلك قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ {المائدة: 64** فإن ظاهر الآية أن لله يدين حقيقتين، فيجب إثبات ذلك له، فإذا قال قائل: المراد بهما القوة، قلنا له: هذا صرف للكلام عن ظاهره، فلا يجوز القول به؛ لأنه قول على الله بلا علم. اهـ.
والله أعلم.
منقول اسلام ويب بتصرف