الحمد لله.
أولًا :
من الخير أن يسعى المؤمن ليعمل للجنة ، ويسأل الله تعالى من فضله ، قال الله تعالى : (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا)الإسراء/19.
وقد سبق في الجواب رقم: (253667)، أنه: "لا شك أن الاستزادة من الصالحات أهم أسباب زيادة الأجور ورفعة الدرجات عند الله ، وكلما ارتقى المسلم في درجات الجنان أصاب من فضل النعيم ما لا يكون لمن هو دونه.
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ، مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ) .
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُم.
قَالَ: (بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا المُرْسَلِينَ) رواه البخاري (3256)، ومسلم (2831).
فمن طلب المزيد مما عند الله من النعيم ، فعليه بالمزيد من التقوى والعمل ، وذلك يسير على من يسره الله عليه".
ثانيًا :
قال تعالى: (حور مقصورات في الخيام).
قال الشيخ "السعدي" في " تيسير الكريم الرحمن (ص: 832(": "محبوسات في خيام اللؤلؤ، قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك ونحوهن المخدرات الخفرات".
وعَنْ أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ مِيلًا، فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ المُؤْمِنُونَ، وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ كَذَا، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ).
رواه البخاري (4879)، ومسلم (2838).
والخيمة: بيت مستدير من بيوت الأعراب معروف.
انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (8/371).
ويرى بعض العلماء أنَّ هذه الخيام غير الغُرَفِ والقصور، بل هي خيام في البساتين، وعلى شواطئ الأنهارِ.
قال ابن القيم: "قال اللَّهُ تعالى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ ، وفي "الصحيحين" من حديث أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه عن النَّبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "إنَّ للمؤمن في الجنَّة لخيمة من لؤلؤةٍ واحدةٍ مجوَّفة طولها ستون ميلًا، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمنُ فلا يرى بعضهم بعضًا".
وفي لفظٍ لهما: "في الجنَّة خيمةٌ من لؤلؤةٍ مجوفة، عرضها ستون ميلًا في كلِّ زاوية منها أهلٌ، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن".
وفي لفظٍ آخر لهما أيضًا: "الخيمة دُرَّة طُولها في السماء ستون ميلًا، في كلَّ زاوية منها أهل ، لا يراهم الآخرون".
وللبخاري وحده في لفظ: "طُولُها ثلاثون ميلًا".
وهذه الخيام غير الغُرَفِ والقصور، بل هي خيام في البساتين، وعلى شواطئ الأنهارِ.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنى الحسين بن عبد الرحمن عن أحمد بن أبي الحواري قال: سمعتُ أبا سليمان قال: ينشأ خلق الحور العين إنشاءً، فإذا تكامل خلقهنَّ ضربت عليهنَّ الملائكة الخيام.
وقال بعضهم: لمَّا كُنَّ أبكارًا، وعادة البكر أنْ تكون مقصورة في خدرها، حتَّى يأخذها بعلها، أنشأ اللَّهُ سبحانه وتعالى الحور وقصرهنَّ في خدور الخيام، حتى يجمع بينهنَّ وبين أوليائه في الجنَّة.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا إسحاق، حدثنا سفيان، عن جابر عن القاسم بن أبي بَزَّة عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه قال: "لكلِّ مسلمٍ خيرةٌ، ولكلِّ خيرةٍ خيمةٌ، ولكلِّ خيمةٍ أربعة أبواب، يدخل عليها كلَّ يومٍ من كلِّ بابٍ تحفةٌ وهديةٌ وكرامةٌ لم تكن قبل ذلك، لا مَرِحاتٍ ولا ذفرات، ولا بخرات ولا طَمَّاحات، حورٌ عينٌ كأنَّهنَّ بيضٌ مكنون".
حدثنا علي بن الجعد حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعتُ أبا الأحوص يُحدِّثُ عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه في قوله تعالى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ قال: "دُرٌّ مُجوَّف" .
وقال ابن المبارك: أنبأنا سليمان التيمي عن قتادة عن خُلَيد العَصَرِي عن أبي الدرداء رضي اللَّهُ عنه قال: "الخيمة لؤلؤةٌ واحدةٌ لها سبعون بابًا كلُّها من دُرَّةٍ".
قال ابن المبارك: وأخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: "الخيمة درةٌ مجوفةٌ فرسخٌ في فرسخٍ، لها أربعة آلاف مصراعٍ من ذهبٍ" وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب حدثنا شريك عن منصور عن مجاهد: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) [الرحمن: 72] قال: "في خيام اللؤلؤ، والخيمة لؤلؤة واحدة" .
حدثني محمد بن جعفر حدثنا منصور حدثنا يوسف بن الصَّبَّاح عن أبي صالح عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) قال: "الخيمة من دُرَّةٍ مجوَّفة طولها فرسخ، وعرضها فرسخ، ولها ألفُ بابٍ من ذهبٍ، حولها سُرَادِق دَوْرُه خمسون فرسخًا، يدخل عليه من كلَّ بابٍ منها مَلَك بهدية من عند اللَّه عزَّ وجلَّ وذلك قوله: وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ [الرعد: 23] " والله أعلم" انتهى من "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (1/ 453 - 458).
والله أعلم.