التمتُّعُ في الحَجِّ
المَطْلَب الأوَّل: تعريفُ التمَتُّعِ
التمَتُّعُ: هو أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشهُرِ الحَجِّ، ثم يَحِلَّ منها، ثم يُحْرِمَ بالحَجِّ مِن عامِه
المَطْلَب الثَّاني: سبَبُ تَسْمِيَةِ النُّسُك بالتمتُّع
ذكَرَ أَهْلُ العِلْم أسبابًا لتسميةِ نُسُك التمتُّع بهذا الاسم؛ أشهَرُهما سببانِ:
السببُ الأوَّل: أنَّ المتمَتِّعَ يتمَتَّعُ بإسقاطِ أحَدَ السَّفَرينِ عنه، فشَأْنُ كلِّ واحدٍ من النُّسُكين أن يُحْرِمَ به من الميقاتِ، وأن يَرْحَل إليه مِن قُطْرِه، فإذا تمتَّعَ بالنُّسُكين في سَفْرَةٍ واحدةٍ، فإنَّه يكون قد سقط أحدُهما، فجعل الشَّرعُ الدمَ جابِرًا لِمَا فاته، ولذلك وجب الدَّمُ أيضًا على القارِنِ، وكلٌّ يُوصَف بالتمتُّع في عُرْفِ الصَّحابَة لهذا المعنى، ولذلك أيضًا لم يَجِبِ الدَّمُ على المكِّيِّ مُتَمتِّعًا كان أو قارنًا؛ لأنَّه ليس مِن شأنِه الميقاتُ ولا السَّفَرُ.
السبب الثَّاني: أنَّ المتمَتِّعَ يتمتَّعُ بين العُمْرَةِ والحَجِّ بالنِّساءِ والطِّيبِ، وبكلِّ ما لا يجوزُ للمُحْرِم فِعْلُه مِن وَقْتِ حِلِّه في العُمْرَةِ إلى وقت الحَجِّ، وهذا يدلُّ عليه الغايةُ في قَوْلِه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196] ؛ فإنَّ ذلك يدلُّ على أنَّ ثَمَّةَ تمتُّعًا بين العُمْرَةِ والحَجِّ، ويدلُّ عليه أيضًا لفظُ التمتُّعِ؛ فإنَّه في اللغةِ بمعنى التلذُّذِ والانتفاعِ بالشَّيءِ.
المَطْلَب الثَّالِث: صُوَرُ التمتُّعِ
الفرع الأوَّل: الصُّورةُ الأصليَّةُ للتمتُّعِ
أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشهُرِ الحَجِّ، ثم يُحْرِمَ بالحَجِّ بعد فراغِه من العُمْرَةِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ المُنْذِر، وابنُ عَبْدِ البَرِّ، والقرطبيُّ
الفرع الثَّاني: الصورةُ الطَّارِئَةُ (فَسْخُ الحَجِّ إلى عُمْرَةٍ)
أن يُحْرِمَ بالحَجِّ، ثم قبل طوافِه، يفسَخُ حَجَّه إلى عُمْرَةٍ، فإذا فرغ من العُمْرَةِ وحَلَّ منها، أحرَمَ بالحَجِّ، وهذه الصورةُ تَصِحُّ عند الحَنابِلَة، والظَّاهِريَّةِ، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف، واختارَه ابنُ تيميَّة، وابنُ القَيِّمِ، والشِّنْقيطيُّ، وابنُ باز، وابنُ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((كانوا يَرَوْنَ العُمْرَةَ في أشهُرِ الحَجِّ مِن أفجَرِ الفُجورِ في الأرضِ، ويجعلون المُحَرَّم صَفَرًا، ويقولون: إذا بَرَأَ الدَّبَر، وعَفا الأَثَر، وانسلَخَ صَفَر؛ حَلَّتِ العُمْرَةُ لِمَنِ اعتَمَر، فقَدِمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم وأصحابُه صَبيحةَ رابعةٍ مُهِلِّينَ بالحَجِّ، فأمَرَهم أن يجعلوها عُمْرَةً، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، أيُّ الحِلِّ؟ قال: الحِلُّ كُلُّه ))
2- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم لأصحابِه: ((اجعلوها عُمْرَةً، فأحَلَّ النَّاسُ إلَّا مَن كان معه الهَدْيُ ))
3- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أنَّه قال: ((لو أنِّي استقْبَلْتُ مِن أَمْري ما استَدْبَرْتُ لم أَسُقِ الهَدْيَ، وجَعَلْتُها عُمْرَةً، فمن كان منكم ليس معه هدْيٌ فليُحِلَّ، ولْيَجْعَلْها عُمْرَةً، فقام سُراقَةُ بنُ مالكِ بنِ جَعْشَم، فقال: يا رَسولَ الله، أَلِعامِنا هذا أم لأَبدٍ؟ فشَبَّكَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم أصابِعَه واحدةً في الأُخْرى، وقال: دَخَلَتِ العُمْرَةُ في الحَجِّ- مَرَّتينِ- لا، بل لأبدٍ أبدٍ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسَلَّم نصَّ على أنَّ هذه العُمْرَةَ التي وقع السُّؤالُ عنها، وكانت عُمْرَة فَسْخ، هي لأبَدِ الأَبَدِ، لا تختصُّ بقَرْنٍ دون قَرْنٍ
ثانيًا: أنَّ فَسْخَ الحَجِّ إلى عُمْرَةٍ ليتمَتَّعَ بها؛ هو من بابِ الانتقالِ مِن الأَدْنى إلى الأَعْلى، وهو جائزٌ، وقد أمَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسَلَّم مَن نَذَرَ أن يصلِّيَ ركعتينِ في بيت المَقْدِس أن يُصَلِّيَهما في الحَرَم، فعن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، ((أنَّ رجلًا قام يومَ الفتحِ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي نَذَرْتُ لله إن فتَحَ اللهُ عليك مَكَّةَ، أن أصَلِّيَ في بيت المقْدِسِ ركعتينِ، قال: صلِّ هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: صلِّ هاهنا، ثم أعاد عليه، فقال: شأنُكَ إِذَن ))
المَطْلَب الرَّابِع: شُروطُ المُتَمَتِّع
الفرع الأوَّل: ما يُشتَرَط للتمَتُّعِ
المسألةُ الأولى: الإحرامُ بالعُمْرَةِ في أشْهُرِ الحَجِّ
يُشتَرَط للمُتمتِّعِ أن يُحْرِمَ بالعُمْرَةِ في أشهُرِ الحَجِّ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزْم، وابنُ عَبْدِ البَرِّ، وابنُ قُدامة، وابنُ أخيه ابنُ أبي عُمَرَ
ثانيًا: أنَّ شُهورَ الحَجِّ أحَقُّ بالحَجِّ من العُمْرَةِ؛ لأنَّ العُمْرَةَ جائزةٌ في السَّنَةِ كُلِّها، والحَجَّ إنَّما موضِعُه شهورٌ معلومةٌ، فإذا جعل أحدٌ العُمْرَةَ في أشهُرِ الحَجِّ ولم يأتِ في ذلك العامِ بِحَجٍّ، فقد جعلها في موضعٍ كان الحَجُّ أَوْلَى به
ثالثًا: أنَّه لم يَجْمَع بين النُّسُكين في أشهُرِ الحَجِّ، فلم تحصُلْ صورةُ التمَتُّع، فهو كالمُفْرِد
المسألة الثَّانية: أنْ يحُجَّ مِن عامِه
أن يُحْرِمَ بالحَجِّ في عامِه، فإنِ اعتَمَرَ في أشهُرِ الحَجِّ فلم يحُجَّ ذلك العامَ، بل حَجَّ في العامِ القابِلِ؛ فليس بمتمَتِّع.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أن هذا يقتضي الموالاةَ بين العُمْرَةِ والحَجِّ
ثانيًا: عن سعيدِ بنِ المسيب قال: ((كان أصحابُ رسولِ اللهِ صلي الله عليه وسلم يَعتَمِرونَ في أشهُرِ الحَجِّ، فإذا لم يحُجُّوا مِن عامِهم ذلك لم يَهْدُوا))
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزْم، وابنُ قُدامة
رابعًا: أنَّهم إذا أجمعوا على أنَّ مَنِ اعتمَرَ في غيرِ أشْهُرِ الحَجِّ ثم حجَّ مِن عامِه، فليس بمتمَتِّع؛ فهذا أَوْلى؛ لأنَّ التباعُدَ بينهما أكثَرُ
المسألة الثَّالِثة: عَدَمُ السَّفَرِ
يُشتَرَطُ للمتمَتِّع ألَّا يسافِرَ بين العُمْرَةِ والحَجِّ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف، وهو قولُ عامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لا فَرْقَ بين حاضري المسجِدِ الحرامِ في عدم وُجوبِ الدَّمِ عليهم، وبين الآفاقِيِّينَ في وجوبِ الدَّمِ عليهم، إلا أنَّ الآفاقيينَ تَرَفَّهوا بإسقاطِ أحَدِ السَّفَرينِ عنهم، وإذا كان الأمرُ كذلك، فإذا سافروا بين الحَجِّ والعُمْرَةِ فلا يكونون قد ترفَّهوا بتَرْك أحَدِ السَّفَرينِ، فزال عنهم اسمُ التمتُّعِ وسَبَبُه
المسألة الرَّابِعة: نِيَّةُ المُتمَتِّعِ في ابتداءِ العُمْرَةِ أو في أثنائِها
اختلف أَهْلُ العِلْم في اشتراطِ نِيَّة المُتَمَتِّع في ابتداءِ العُمْرَةِ أو في أثنائِها على قولين:
القول الأوّل: لا تُشتَرَط نيَّةُ التمتُّعِ، وهو مَذْهَبُ الجُمْهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة- في الأصحِّ- واختارَه ابنُ قُدامة مِنَ الحَنابِلَة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ:
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
عمومُ الآية، فإنَّه لم يُشتَرَط فيها نيَّةُ التمتُّع، وتخصيصُه بها هو تخصيصٌ للقرآنِ بغير دليلٍ
ثانيًا: أنَّه لا يُحتاجُ إلى النيَّةِ؛ لأنَّ الدَّمَ يتعلَّقُ بترك الإحرامِ بالحَجِّ من الميقاتِ، وذلك يوجَدُ من غيرِ نِيَّةٍ
القول الثاني: يُشتَرَطُ نيَّةُ التمتُّعِ، وهذا مَذْهَبُ الحَنابِلَة، ووجهٌ للشافِعِيَّة، واختارَه ابنُ عُثيمين؛ وذلك لأنَّه جمَعَ بين عبادتينِ في وقتِ إحداهما، فافتقَرَ إلى نيَّة الجمعِ؛ كالجَمْعِ بين الصَّلاتينِ
الفرع الثَّاني: ما لا يُشتَرَط للتمتُّع
المسألة الأولى: كونُ الحَجِّ والعُمْرَةِ عن شخصٍ واحدٍ
لا يُشتَرَط كونُ الحَجِّ والعُمْرَةِ عن شخصٍ واحدٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ ظاهِرَ الآيةِ أنَّه لا يُعتَبَر وقوعُ النُّسُكينِ عن واحدٍ
ثانيًا: أنَّ مؤدِّيَ النُّسُكينِ شَخْصٌ واحدٌ
المسألة الثَّانية: تمَتُّعُ حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ
لحاضِرِي المسجِدِ الحرامِ التمتُّعُ والقِرانُ، مِثْلُهم مِثْلُ الآفاقيِّ، لكِنْ يَسْقُطُ عنهم الدّمُ، وهذا مَذْهَبُ الجُمْهورِ: المالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قال اللهُ تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الآيةَ أثبتَتِ التمتُّعَ لحاضري المسجِدِ الحرامِ، وإنَّما نَفَتْ وُجوبَ الدَّمِ عليهم
ثانيًا: أنَّ حقيقةَ التمتُّعِ والقِرانِ موجودةٌ في حاضري المسجِدِ الحرامِ، كالآفاقيِّينَ، ولا فَرْقَ، وإنَّما يقع الخلافُ بينهم في وجوبِ الدَّمِ على الآفاقيِّينَ دون حاضِرِي المسجِدِ الحرام؛ بسبب ما حصل للآفاقِيِّينَ من الترفُّه بسقُوطِ أحَدِ السَّفَرينِ عنهم
ثالثًا: أنَّ ما كان من النُّسُك قُرْبةً وطاعةً في حَقِّ غيرِ حاضِرِي المسجدِ الحرامِ، كان قُربةً وطاعةً في حَقِّ حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ؛ كالإفرادِ
المسألة الثَّالِثة: المقصودُ بحاضِرِي المسجِدِ الحرامِ
اختلف الفُقَهاءُ في حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ الذين لا يجب عليهم دَمُ التمتُّعِ والقِرانِ إلى أقوالٍ؛ منها:
القول الأوّل: حاضِرُو المسجِدِ الحرامِ هم أهلُ مَكَّةَ، وأهْلُ الحَرَمِ، ومن كان مِنَ الحَرَمِ دون مسافَةِ القَصْرِ، وهو مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، واختاره الطَّبريُّ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الشَّارِعَ حَدَّ الحاضِرَ بدون مسافَةِ القَصْرِ، بنفي أحكامِ المسافرينَ عنه، فالاعتبارُ به أَوْلى من الاعتبارِ بالنُّسُك؛ لوجودِ لَفْظِ الحضورِ في الآيَةِ
ثانيًا: أنَّ حاضِرَ الشَّيءِ مَن دنا منه، ومَن دونَ مسافَةِ القَصْرِ قريبٌ في حُكْمِ الحاضِرِ؛ بدليل أنَّه إذا قَصَدَه لا يترخَّصُ رُخَصَ السَّفَر، فيكون مِن حاضِرِيه
القول الثاني: هُم أهْلُ الحَرَم، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَف وقَدَّمَه صاحِبُ الفُروعِ واستظهَرَه ابنُ حَجَرٍ، وأفتت به اللَّجْنَة الدَّائِمَة واختارَه ابنُ عُثيمين
الدَّليلُ مِنَ الآثارِ:
قال ابنُ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196] هم أهْلُ الحَرَمِ
المَطْلَب الخامس: أعمالُ المُتَمَتِّع
الفرع الأوَّل: طوافُ المتمَتِّع وسَعْيُه
يجبُ على المتمَتِّع طوافان وسَعيانِ، فيبدأ أوَّلًا بعُمْرَةٍ تامَّةٍ: فيطوف ويسعى، ثم يحلِقُ أو يُقَصِّر، ويتحلَّل منها، ثم يُحْرِم بالحَجِّ، ويأتي بطوافٍ للحَجِّ وسَعْيٍ له، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهِيَّةِ الأربَعَة: الحَنَفيَّة، والمالِكِيَّة، والشَّافِعِيَّة، والحَنابِلَة، وبه قالَتْ طائِفةٌ مِنَ السَّلَف، وحُكِيَ الإجماعُ على أنَّ المتمتِّعَ عليه طوافان: طوافٌ لِعُمْرَتِه، وطوافٌ لحَجِّه
الأدلَّة مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((فطاف الذين كانوا أهلُّوا بالعُمْرَةِ بالبيتِ وبين الصَّفا والمروة، ثم حَلُّوا، ثم طافوا طوافًا واحدا بعد أن رَجَعوا مِن مِنًى، وأمَّا الذين جمعوا الحَجَّ والعُمْرَةَ فإنَّما طافوا طوافًا واحدًا ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه يدلُّ على الفَرْقِ بين القارِنِ والمتمَتِّع، وأنَّ القارِنَ يفعَلُ كفِعْلِ المُفرِدِ والمتمَتِّع؛ يطوف لعُمْرَتِه ويطوفُ لحَجِّه
2- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّه سُئِلَ عن متعةِ الحَجِّ، فقال: أهَلَّ المهاجرونَ والأنصارُ وأزواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسَلَّم في حَجَّةِ الوداع وأهْلَلْنا، فلمَّا قَدِمْنا مَكَّةَ، قال رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم: اجعلوا إهلالَكم بالحَجِّ عُمْرَةً إلَّا من قلَّدَ الهَدْيَ، فطُفْنا بالبَيت وبالصَّفا والمروة، وأتينا النِّساءَ، ولَبِسْنا الثِّيابَ، وقال: من قَلَّدَ الهديَ فإنَّه لا يَحِلُّ له حتى يبلُغَ الهَدْيُ مَحِلَّه، ثم أمَرَنا عَشِيَّةَ التَّروِيَة أن نُهِلَّ بالحَجِّ، فإذا فَرَغْنا من المناسِكِ جِئْنا فطُفْنا بالبَيتِ وبالصَّفا والمروةِ، فقد تمَّ حَجُّنا وعلينا الهَدْيُ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ الحديثَ صَريحٌ في أنَّ طوافَ المتمَتِّع وسَعْيَه مرَّتان: مرَّةٌ لعُمْرَتِه، ومَرَّةٌ لحَجِّه
الفرع الثَّاني: الهَدْيُ
يجب على المتَمَتِّع دمُ نُسُكٍ إذا لم يكُنْ مِن حاضِرِي المسجِدِ الحرامِ، فمَنْ لم يجِدْ فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسبعةً إذا رَجَعَ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتاب
قولُه تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 196]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((تمتَّعَ النَّاسُ مع رسول الله صلَّى الله عليه وسَلَّم بالعُمْرَة إلى الحَجِّ... فلمَّا قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسَلَّم قال للنَّاسِ:... مَن لم يكُنْ منكم أهدى فلْيَطُفْ بالبيتِ وبالصَّفا والمروةِ, وليُقَصِّر, وليحلل ثمَّ لْيُهِلَّ بالحَجِّ وليَهْدي, فمَنْ لم يجِدْ هديا فلْيَصُمْ ثلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ وسبعةً إذا رجَعَ إلى أهْلِه ))
ثالثًا: مِنَ الآثارِ
عن أبي حمزةَ قال: ((سألتُ ابنَ عبَّاسٍ عن المتعَةِ، فأمرني بها، وسألْتُه عن الهَدْيِ: فقال: فيها جَزورٌ، أو بقرةٌ، أو شاة، أو شِرْكٌ في دَمٍ ))
رابعًا: مِنَ الإجماعِ
نقلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر، وابنُ رُشْدٍ، والقرطبيُّ، وابنُ قُدامة وابنُ مُفْلِحٍ والشَّوْكانيُّ
خامسًا: أنَّ حاضِرَ المسجِدِ الحرامِ ميقاتُه مَكَّة، ولا يحصُلُ له الترفُّه بتَرْكِ أحَدِ السَّفَرينِ، فهو أحرم من ميقاتِه، فأشبَهَ المُفْرِدَ
المطلب السادس: إجزاء التمتُّعِ عن الحَجِّ والعُمرةِ
يُجزِئُ التمتُّعُ في الحجِّ عن الحجِّ والعُمرةِ.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن قُدامة، وابن تيميَّة وبرهانُ الدِّين بن مفلح