مواقيت الحج
المواقيت: جمع ميقات، وهو لغة: الحد، وشرعا: هو موضع العبادة أو زمنها.
وللحج مواقيت زمنية ومكانية:
فالزمنية: ذكرها الله بقوله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ** ، وهذه الأشهر هي: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة؛ أي: من أحرم بالحج في هذه الأشهر؛ فعليه أن يتجنب ما يخل بالحج من الأقوال والأفعال الذميمة، وأن يشتغل في أفعال الخير، ويلازم التقوى.
وأما المواقيت المكانية: فهي الحدود التي لا يجوز للحاج أن يتعداها إلى مكة بدون إحرام.
وقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هن لهن ولمن أتى ليهن من غير أهلن ممن أراد الحج
أو العمرة، ومن كان دون ذلك؛ فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة" ، متفق عليه، ولمسلم من حديث جابر: "ومهل أهل العراق ذات عرق".
والحكمة من ذلك: أنه لما كان بيت الله الحرام معظما مشرفا؛ جعل الله له حصنا وهو مكة، وحمى وهو الحرم، وللحرم حرم وهو المواقيت التي لا يجوز تجاوزها إليه إلا بإحرام؛ تعظيما لبيت الله الحرام.
وأبعد هذه المواقيت: ذو الحليفة، ميقات أهل المدينة، فبينه وبين مكة مسيرة عشرة أيام.
وميقات أهل الشام ومصر والمغرب: الجحفة، قرب رابغ، وبينها وبن مكة ثلاث مراحل، وبعضهم يقول أكثر من ذلك.
وميقات أهل اليمن: يلملم، بينه وبين مكة مرحلتان، وميقات أهل نجد قرن المنازل، ويعرف الآن بالسيل، وهو مرحلتان عن مكة.
وميقات أهل العراق وأهل المشرق: ذات عرق، بينه وبين مكة مرحلتان.
فهذه المواقيت يحرم منها أهلها المذكورون، ويحرم منها من مر بها من غيرهم وهو يريد حجّاً أو عمرة.
ومن كان منزله دون المواقيت؛ فإنه يحرم من منزله للحج والعمرة، ومن حج من أهل مكة؛ فإنه يحرم من مكة، فلا يحتاجون إلى الخروج للميقات للإحرام منه بالحج، وأما العمر؛ فيخرجون لإحرام بها من أدنى الحل.
ومن لم يمر بميقات في طريقه من تلك المواقيت؛ أحرم إذا علم انه حاذى أقربها منه، يقول عمر رضي الله عنه: "انظروا إلى حذوها من طريقكم" رواه البخاري.
وكذا من ركب طائرة؛ فإنه يحرم إذا حاذى أحد هذه المواقيت من الجو؛ فينبغي له أن يتهيأ بالاغتسال والتنظف قبل ركوب الطائرة؛ فإذا حاذى الميقات؛ نوى الإحرام، ولبى وهو في الجو، ولا يجوز له تأخير الإحرام إلى أن يهبط في مطار جدة، فيحرم من جدة أو من بحرة كما يفعل بعض الحجاج؛ فإن جدة ليس ميقاتا محلاً للإحرام؛ إلا لأهلها أو من نوى الحج أو العمرة منها، فمن أحرم منها من غيرهم؛ فقد ترك واجبا هو الإحرام من الميقات، فيكون عليه فدية.
وهذا مما يخطىء فيه كثير من الناس، فيجب التنبيه عليه، فبعضهم يظن أنه لابد من الاغتسال للإحرام، فيقول: أنا لا أتمكن من الاغتسال في الطائرة، ولا أتمكن من كذا وكذا...
والواجب أن يعلم هؤلاء بأن الإحرام معناه نية الدخول في المناسك مع تجنب محظورات الإحرام حسب الإمكان،
والاغتسال والتطيب ونحوهما إنما هي سنن، وبإمكان المسلم أن يفعلها قبل ركوب الطائرة، وإن أحرم بدونها؛ فلا بأس فينوي الإحرام، ويلبي وهو على مقعده في الطائرة إذا حاذى الميقات أو قبله بقليل، ويعرف ذلك بسؤال الملاحين والتحري والتقدير، فإذا فعل ذلك؛ فقد أدى ما يستطيع، لكن إذا تساهل ولم يبال؛ فقد أخطأ وترك الواجب من غير عذر؛ وهذا ينقص حجه وعمرته.
ويجب على من تعدى الميقات بدون إحرام أن يرجع إليه ويحرم منه؛ لأنه واجب يمكنه تداركه؛ فلا يجوز تركه، فإن لم يرجع؛ فأحرم من دونهم جدة أو غيرها؛ فعليه فدية؛ بأن يذبح شاة، أو يأخذ سبع بدنة، أو سبع بقرة، ويوزع ذلك على مساكين الحرم، ولا يأكل منه شيئا.
فيجب على المسلم أن يهتم بأمور دينه؛ بأن يؤدي كل عبادة على الوجه المشروع، ومن ذلك الإحرام للحج والعمرة، يجب أن يكون من المكان الذي عيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتقيد به المسلم، ولا يتعداه غير محرم.