الدعاء في شهر رمضان
فاطمة الأمير
بسم الله الرحمن الرحيم
لقَبول الدعوات أوقات فلا تَحرم نفسَك منها؛ فالصيام والدعاء متلازمان لا يفترقان أبدًا، وينبغي على المسلم أن يدعو ربه في رمضان وباقي الشهور، ولكنه في رمضان أرجى من سائر الأيام، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد: "لكل مسلم دعوة مستجابة يدعو بها في رمضان"؛ (رواه الإمام أحمد).
إنها بشرى عظيمة من رسول الله، وخير وفير قد يُحرم منه بعض الصائمين إذا غفلوا عنه، ولكن متى تكون الدعوات مستجابة في شهر القبول والغفران؟
يتأكد الأمر بالاستجابة في الدعاء قبيل الإفطار، فقط ثبت في سنن ابن ماجه قوله صلى الله عليه وسلم: "للصائم عند فطرة دعوة لا ترد"، ولهذا ينبغي للمسلم أن يلهج بالدعاء ويُكثر منه لنفسه وأهله وجيرانه ووالديه، وكل ذي رحم حتى وإن كانوا قاطعين له، ولا ينسى المستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأيضًا لا ينسى أموات المسلمين، فهم أكثر احتياجًا منا في إرسال الكثير من الدعوات لهم.
♦ وهناك الثلث الأخير من الليل: ففيه ساعة لا يرد فيها سائل إلا وقد أُعطي من خير الله، فما أعظمها من خلوة وما أجملها من مناجاة، ولتعلم أن الذي يسمع صوت مناجاتك وافتقارك وتذللك إليه، لن يردَّك خائبًا ولن يرجعك منكسرًا.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ينزل ربُّنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: "من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر وذلك كل ليلة"؛ (رواه مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة).
فعليك بالدعاء وحسن الظن وعدم اليأس، فقد يعطيك الله أكثر مما سئلت، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: يا رسول الله، إذًا نُكثر؟ قال: الله أكثر"؛ (أخرجه الإمام أحمد).
♦ وهناك وقت السجود في الصلوات الخمس والنوافل؛ يقول صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"، ويقول صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الربَّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمنٌ أن يستجاب لكم"؛ (رواه مسلم في صحيحه).
♦ آخر كل صلاة قبل التسليم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّم أصحابه التشهد قال: ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.
♦ ويوم الجمعة من بعد صلاة العصر إلى وقت المغرب فإن فيها ساعة إجابة ودعوة لا ترد هذا في كل أسبوع، فما بالنا بها في شهر رمضان؟ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في يوم الجمعة ساعة لا يسأل الله أحد فيها شيئًا وهو قائم يصلي إلا أعطاه الله إياه"، فكن فيها أشد تعبدًا وتقربًا إلى الله، وكن مخلصًا بين يديه تدعوه بتضرُّع وافتقار إليه وحده.
♦ وهناك وقت يغفل عنه الكثير أيضًا، وهو جلسة الشروق؛ ففيها خير عظيم لكل نفس جلست تذكر الله وتدعوه؛ عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كآجر حجة وعمرة تامة تامَّة"؛ (رواه الترمذي وقال: حديث حسن).
والله إني أتذكر صُحبتي الصالحة في رمضان وكم كنا نتسابق للجلوس بعد صلاة الفجر ونتهادى بالدعوات فيما بيننا، وقد أسميناها (صحبة الجنة)، فما أجمله من وقت وما أعظمه من أجر، وما أروعها من صحبة صالحة معينة على طاعة الله، دمتُم لي صحبة طيبة في الدارين!
إن هذا الوقت كنز نفيس ليس فقط لقَبول الدعوات، وإنما هذا الأجر والعطاء الذي أُعطي لمن رغب به حجة وعمرة تامَّة، وأي جزاء هذا؟ وأي عطاء بعده؟
♦ وهناك العشر الأواخر من رمضان، ففيها ليلة خيرٌ من ألف شهر، وسنتكلم عنهم باستفاضة أكثر بمشيئة الرحمن.
هذه الأوقات المستجابة أسأل الله لي ولكم إخوتي ألا نغفل عنها؛ ففيها من الأجر والثواب مما عظُم، وإن كانت كل دقائق وثواني رمضان تحمل الخير؛ ففيه الرحمة والمغفرة والعفو والعتق من النيران، أعتقنا الله وإياكم وجميع المسلمين أحياءً وأمواتًا، وكتب لنا جميعًا نصيبًا من عطاء الله في شهر القبول والغفران.
وأخيرًا إذا أردنا طرق أبواب ربنا بالدعاء والتذلل له، فعلينا بالتأدب مع المولى عز وجل، وخير ما نبدأ به الحمد لله والثناء عليه، ثم الصلاة والسلام على حبيبه المصطفى.