ومما يدل أيضا على كون النذر عبادة قوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ** [البقرة: 270] [البقرة: 270] ووجه الدلالة: محبة الله - جل وعلا - لذلك الذي حصل منهم تعظيما له - سبحانه وتعالى - بالنذر.
وإذا كان كذلك: فإنه عبادة من العبادات، فمن صرفه لغير الله - جل وعلا - كان مشركا بالله - جل وعلا -.
وها هنا سؤال معروف قد يَرِدُ في هذا المقام، وهو أن النذر مكروه قد كرهه النبي صلى الله عليه وسلم، وسئل عنه فقال: «إنه لا يأتي بخير» (1) فكيف يكون عبادة وقد كرهه عليه الصلاة والسلام؟؟!
والجواب: أن النذر قسمان: نذر مطلق، ونذر مقيد، والنذر المطلق هو: أن يلزم العبد نفسه بعبادة لله - جل وعلا -، هكذا بلا قيد، كأن يقول مثلا: لله علي نذر أن أصلي ركعتين، وليس هذا النذر في مقابلة شيء يحدث له في المستقبل، أو شيء حدث له، فيلزم نفسه بعبادة: كصلاة، أو صيام، أو نحو ذلك، فهذا هو النذر المطلق وهو: إلزام العبد نفسه بطاعة لله - جل وعلا - أو بعبادة وليس هذا النذر هو الذي كرهه عليه الصلاة والسلام، بل النذر المكروه هو القسم الثاني: وهو النذر المقيد، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما يُستخرج به من البخيل» (1) . وحقيقته: أن يلزم العبد نفسه بطاعة لله - جل وعلا - مقابل شيء يحدثه الله - جل وعلا - له، ويقدره، ويقضيه له، كأن يقول مثلا: إن شفى الله مريضي فلله علي نذر: أن أتصدق بكذا وكذا، أو إن نجحت فسأصلي ليلة، أو إن عُيِّنت في هذه الوظيفة فسأصوم أسبوعا، ونحو ذلك، فهذا كأنه يشترط بهذا النذر على الله - جل وعلا - فيقول: يا رب إن أعطيتني كذا وكذا: صمتُ لك، وإن أنجحتني صليتُ، أو تصدقتُ، وإن شفيتَ مريضي فعلتُ كذا وكذا، يعني: مقابلةً للفعل بالفعل. وهذا هو الذي وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «إنما يُستخرج به من البخيل» لأن البخيل هو الذي لا يعمل العبادة حتى يقاضى عليها، فصار بما أعطاه الله من النعمة أو بما دفع عنه من النقمة كأنه في حِس ذلك الناذر قد أعطي الأجر، وأعطى ثمن تلك العبادة
وهذا المعنى الخاطئ يستحضره كثير من العوام الذين يستعملون النذور، فإنهم يظنون أن حاجتهم لا تحصل إلا بالنذر، وقد قال شيخ الإسلام - رحمه الله - وغيره من أهل العلم: إن من ظن أنه لا تحصل حاجاته إلا بالنذر، فإن اعتقاده هذا مُحرَّم؛ لأنه ظن أن الله لا يعطي إلا بمقابل، وهذا سوء ظن بالله - جل وعلا - وسوء اعتقاد فيه - سبحانه وتعالى -، بل هو المتفضل المنعم على خلقه.
فإذا تبين لك ذلك فاعلم أن النذر المطلق لا يدخل في الكراهة