العنوان: البيع بالتقسيط عن طريق البنك
رقم الفتوى: 2611
المفتي: الشيخ خالد بن عبد المنعم الرفاعي
-----------------------------------------
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما حُكم الشريعة الإسلاميَّة في اقتناء سيارة بالتقسيط من البنك
بزيادة نسبة 7.56 بالمائة من ثمن السيارة؟
وجزاكم الله خيرًا.
-----------------------------------------
الجواب:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ رِبا الجاهليَّة الَّذي كانتِ العَرَبُ تتعامَلُ بِه وأبْطَلَهُ الإسلامُ وأجمع العلماء على تَحريمه هو عبارةٌ عن قَرْضٍ مؤجَّل بِشُروطِ الزِّيادةِ على أصْلِ المال؛ فكانتِ الزيادة بدلاً من الأجل.
وتعامُلاتُ أغلبِ البُنُوك - الرِّبوية - الموجودة الآنَ لا تَخرجُ عن حدِّ الرِّبا الَّذي ذكرناه؛ فقدْ نَصَّت فالدساتير المنظمة لعمل تلك البنوك توصف عمله: أنَّ مؤسسة لإقراض واستقراض الأموال.
وقد سَبَقَ أن بيَّنَّا أنَّ هذه البنوك قائمةٌ على الربا المحرم، ولا يجوز التعامل معها في الروابط:
(حكم الفوائد المصرفية)، (فتوى مضللة)
وليُعْلَمْ أنَّ شِراءَ سيَّارة بطريقِ الأقساط جائزٌ إذا ضُبِطَ بالضوابط الشرعية، ومن هذه الضوابط:
1- خلوُّ العقد منِ اشْتِراطِ غرامةٍ في حال التأخُّر عنِ السَّداد؛ لأنَّ هذا الشَّرطَ من الرِّبا المحرَّم فلا يَجوزُ دفْعُه ولا يَجوزُ أَخْذُه، وهذا ما قرَّره أكْثَرُ الفُقَهاءِ قديمًا وحديثًا، وأخذت به المجامعُ الفِقْهيَّة المعتمدة، فقد جاء في قرار مَجلس المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرَّمة ما يلي:
"إنَّ الدَّائن إذا شَرَطَ على المَدين أو فَرَضَ عليْهِ أن يَدفَعَ له مبلغًا من المال غرامةً ماليَّة جزائيَّة محدَّدة أو بنسبة معيَّنة، إذا تأخَّر عن السداد في الموعد المحدَّد بينَهُما، فهو شرط أو فرض باطل، ولا يجب الوفاء به، ولا يَحِلُّ سواءٌ أكان الشارطُ هو المصرف أو غيره؛ لأنَّ هذا بعينِه هو ربا الجاهليَّة الذي نَزَلَ القرآن بتحريمه".
2- ملكيَّة البَنْكِ الكاملة لِلسَّيَّارة؛ لأنَّهُ لا يجوز بَيْعُ سِلْعةٍ قَبْلَ شِرائِها وحيازتِها؛ لِما ثَبَتَ عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث زيد بن ثابتٍ - رضي الله عنه - قال: "نَهَى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ"؛ رواه أبو داود، قال الشيخ الألباني: حسنٌ لغيره، وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يستوفيه))؛ رواه مسلم، وقال - صلى الله عليْهِ وسلَّم: ((لا تَبِعْ ما ليسَ عِنْدَك))؛ رَواهُ أحمد وأبو داودَ من حديث حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، وصحَّحه الشَّيْخُ الألْبانِيُّ في صحيح الجامع.
وقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "كنَّا نشتري الطعام جُزافًا، فيَبْعَثُ إليْنَا رسولُ الله - صلَّى اللَّه عليه وسلَّم - مَنْ يَنهانَا أن نَبِيعَهُ حتَّى ننقلَه إلى رِحالِنا"؛ رواه البخاريُّ ومسلم.
أمَّا في حال عدم تَمَلُّك البنك للسيَّارة وإنَّما يدفع المالَ نِيابةً عنْكَ، على أن تُسَدِّدَ له أكْثَرَ مِمَّا دفع، فهذا مُحرَّم، وحقيقتُه أنَّهُ قرْضٌ رِبَويٌّ مُشتملٌ على الفائدة، ولا يَجوزُ لِلمسلِم أن يُقْدِمَ على ذلك؛ لقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لَعَنَ اللهُ آكِلَ الرِّبَا، ومُوكِلَهُ، وكاتِبَهُ، وشاهِدَيْهِ، وقال: هُمْ سواء))؛ رواه مُسلم.
ونُنبِّهُ إلى أنَّ البنوك الربويَّة عَمَلُها قائمٌ على هذا الأساس، فلا يَجوز التَّعامُل مَعَهَا لِذلِكَ، ولأنَّ التَّعامل معها تعاوُنٌ على الإِثْم الَّذي تُمارِسُه، واللَّهُ تَعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقَابِ** [المائدة: 2]، والأَوْلَى التَّعامُل مع البُنُوكِ الإسلاميَّة في ذلك إذا التزمت بالضوابط المذكورة أعلاه.
وليعلم أن ربط الزيادة في ثمن السيارة بالدين ومدته، من الربا المحرم ومما يبينه أن تلك الزيادة تساوي سعر الفائدة السائد، وكذلك المشتري إذا أراد تعجيل أداء الدين تخصم منه الفوائد، ويدفع باقي الثمن كأنه اشترى نقداً من بداية التعاقد، وكذلك إذا عجَّل بعض الأقساط قبل موعدها، تخصم منه فوائد هذه الأقساط، وإذا تأخر في دفع الأقساط أو بعضها عن موعدها، تحسب فوائد تأخير إضافية تعادل سعر الفائدة السائد، وهكذا.
ولمزيد فائدة راجع الفتويين:
(حكم الزيادة في ثمن السلعة مقابل بيعها بالتقسيط)، (كيفية التعامل مع شركات التقسيط)
والله أعلم.