الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية، وفعلية (1).
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة؛ ومنها الصفات الخبرية كالوجه، واليدين، والعينين.
والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها؛ كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام (2)؛ فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية، لأن الله - تعالى - لم يزل ولا يزال متكلمًا، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية، لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى: " إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " [يس: 82].
وكل صفة تعلقت بمشيئته - تعالى - فإنها تابعة لحكمته، وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه - سبحانه - لا يشاء شيئًا إلا وهو موافق للحكمة، كما
__________
(1) مجموع الفتاوى (6/ 268 - 272)، جامع الرسائل (2/ 3) وهي بعنوان (رسالة في الصفات الاختيارية)، شرح العقيدة الطحاوية (56).
(2) مجموع الفتاوى (6/ 219).
يشير إليه قوله تعالى: " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً " [الإنسان: 30].
التعليق
أهل العلم يقسمون الصفات إلى: ذاتية وفعلية، وذاتية فعلية , وهذا التقسيم كغيره مما نبه إليه أهل العلم لدعاء الحاجة إلى ذلك , وإلا فالسلف والصحابة يدركون هذه المعاني دون أن يتكلموا بهذه المصطلحات , لكن لما جاءت البدع ووقع الناس في التخبط نبه العلماء إلى المسائل , وقسَّموا وفصَّلوا مثل تقسيم التوحيد، ومثل تقسيم أفعال العبادات إلى أركان وواجبات وسنن.
فهنا قالوا: إن الصفات منها صفات ذاتية نسبة إلى ذات الله، وهي الصفات الملازمة لذاته التي لا تنفك عنها ذات الرب.
فيمكن أنْ تَضْبِطَ الفرق بين الذاتية والفعلية:
إما أن تقول: الصفات الذاتية هي التي لا تنفك عنها ذات الرب.
أو تقول: إنَّ الصفات الذاتية هي التي لا تتعلق بها المشيئة، والفعلية هي التي تتعلق بها المشيئة , أو تكون بمشيئته - سبحانه وتعالى - (1).
والفرق ظاهر: فالحياة صفة ذاتية لا تتعلق بها المشيئة , ولا تنفك عنها ذات الرب , فلا تقول: إنه حي إذا شاء , هذا لا يجوز , أو عليم أو يعلم إذا شاء , أو ذو عزة إذا شاء , فهذا لا يستقيم؛ بل هذه صفات لازمة لذاته لا تتعلق بها المشيئة.
أما الصفات الفعلية - وتسمى الصفات الاختيارية، أو الأفعال
__________
(1) قال الشارح - حفظه الله - في العقيدة الطحاوية (56): فكل ما تستطيع أن نقول فيه: (ما زال كذا) فهي ذاتية؛ وضابط الصفات الذاتية والفعلية: أنَّ الذاتية لا تتعلق بها المشيئة، وأما الفعلية فتتعلق بها المشيئة.
الاختيارية -: فهذه تابعة لمشيئته , مثل: النزول , فتقول: ينزل إذا شاء. ومثل: الاستواء على العرش، والمجيء يوم القيامة، وكذلك الغضب والرضى فهذه الصفات فعلية.
يقول الشيخ: ومن الصفات ما يصدق عليها أنها ذاتية فعلية باعتبارين , مثل: الكلام، والخلق، والرَّزق؛ فهذه باعتبار أن الله لم يزل موصوفًا بها، فتقول: الله لم يزل فعالًا لما يريد , ولم يزل خالقًا , ولم يزل غفورًا , ولم يزل رحيمًا , فهذه صفات ذاتية؛ وباعتبار أفراد أو آحاد هذه الأفعال هي تابعة للمشيئة , فهو يرحم من شاء إذا شاء , ويرزق من شاء إذا شاء , ويتكلم إذا شاء , فالكلام قديم النوع حادث الآحاد , فالكلام صفة ذاتية , والخلق صفة ذاتية فعلية , والمغفرة وكونه - تعالى - غفور صفة ذاتية فعلية وما أشبه ذلك.
يقول الشيخ: ومن الصفات الذاتية: الصفات الخبرية , والحقيقة أن الصفات الخبرية منها ذاتية ومنها فعلية أيضًا , فالصفات الخبرية تقابل بالصفات العقلية , فالصفات الخبرية هي: التي طريق العلم بها الخبر والنقل , والعقلية هي: التي طريق العلم بها السمع والعقل؛ فالعلم والسمع والبصر والحياة صفات خبرية سمعية عقلية , والوجه واليدين والقدمين والعينين صفات خبرية.
والصفات الخبرية منها صفات ذاتية كالوجه واليدين , ومنها صفات فعلية كالضحك والفرح والمجيء فهذه صفات خبرية فعلية.
فالصفات الذاتية يقابلها الفعلية، والصفات الخبرية يقابلها العقلية , وكلٌ من الخبرية أو العقلية ينقسم إلى ذاتية وفعلية , والله أعلم.
لكن قد يشكل كون الصفات منها صفات عقلية مع أن الصفات
توقيفية؛ والجواب (1): أنَّ الصفات العقلية توقيفية , لكن العقل يدركها , فيتظافر ويجتمع فيها دلالتان , مثل: الحياة صفة كمال؛ وطريق العلم بها: السمع والعقل، والعلم كذلك.
أفيقول قائل: لو لم يأتِ في النصوص ذكر العلم نقول: لا ندري أيوصف بالعلم أو لا يوصف؟! , ولو لم تأتِ النصوص بذكر الحياة نقول: لا ندري أيوصف الله بالحياة أو لا؟! لأنَّ العقل لا يدل على إثبات شيء من ذلك!؛ بل نقول: هذه الصفات تظافرت عليها الدلالات السمعية والعقلية لأن انتفاءها نقص , ومعلوم بضرورة العقل تنزيه الله عن النقص.
__________
(1) مجموع الفتاوى (3/ 88 وَ 18/ 220)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في تنبيه الرجل العاقل (2/ 620): وأما الأمور الحقيقية مثل: صفات الباري ونحو ذلك؛ فلا يجوز ني شيءٍ منها لعدم ما يدل على ثبوته، لجواز أن يكون ثابتًا من غير دليل يدلنا على ثبوته، ولا يمتنع ذلك إذا لم نكن مكلفين باعتقاد ثبوته أو نفيه، وليس الأصل عدمه حتى يُتَمسك فيه بالأصل النافي، إذ ما وَجَبَ قِدَمُهُ امتنعَ عدمُه، ولأن التمسك بالاستصحاب في الاعتقادات ليس بجائز. اهـ.
وانظر: شرح العقيدة السفارينية للشيخ ابن عثيمين (110 وما بعدها، 169، 201)، وما سيأتي في القاعدة السابعة من قواعد الصفات.
القاعدة السادسة:
يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين:
أحدهما: التمثيل.
والثاني: التكييف (1).
فأما التمثيل فهو: اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله - تعالى - مماثل لصفات المخلوقين، وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " [الشورى: 11]، وقوله: " أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ " [النحل: 17]، وقوله: " هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً " [مريم: 65]، وقوله: " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ " [الإخلاص].
وأما العقل فمن وجوه:
الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تباينًا في الذات؛ وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات؛ لأن صفة كل موصوف تليق به، كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات، فقوة البعير - مثلًا - غير قوة الذَّرَّة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان
__________
(1) مجموع الفتاوى (5/ 195، 257 وَ 6/ 515 وَ 33/ 177)، الحموية (ص 271)، الرسالة الصفدية (133)، شرح الرسالة التدمرية (ص 53)، توضيح مقاصد العقيدة الواسطية (33).
والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى.
الثاني: أَنْ يُقَال: كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهًا في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى مَنْ يكمله؟! وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق؟! فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصًا.
الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية؛ فنشاهد أن للإنسان يدًا ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة، وبينهما تباين في الكيفية والوصف، فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لا يلزم منه الاتفاقُ في الحقيقة.
والتشبيه كالتمثيل؛ وقد يفرق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصفات، لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ " [الشورى: 11].
وأما التكييف: فهو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله - تعالى - كذا وكذا، من غير أن يقيدها بمماثل؛ وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: " وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً " [طه: 110]، وقوله: " وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً " [الإسراء: 36]، ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون
تكييفنا قفوًا لما ليس لنا به علم، وقولًا بما لا يمكننا الإحاطة به.
وأما العقل:
1 - فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته، أو العلم بنظيره المساوي له، أو بالخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله - عز وجل - فوجب بطلان تكييفها.
2 - وأيضًا فإننا نقول: أَيُّ كيفيةٍ تقدرها لصفات الله - تعالى -؟ إِنَّ أَيَّ كيفيةٍ تقدرها في ذهنك، فالله أعظم وأجل من ذلك. وأي كيفية تقدرها لصفات الله - تعالى - فإنك ستكون كاذبًا فيها؛ لأنه لا علم لك بذلك.
وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديرًا بالجنان، أو تقريرًا باللسان، أو تحريرًا بالبنان.
ولهذا لما سئل مالك - رحمه الله تعالى - عن قوله تعالى: " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه: 5] كيف استوى؟ أطرق - رحمه الله - برأسه حتى علاه الرُحَضاء (العرق) ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) (1)، وروي عن شيخه ربيعة أيضًا: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول) (2).
__________
(1) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 441) وغيره؛ وانظر: الأثر المشهور عن الإمام مالك - رحمه الله - في الاستواء للشيخ عبد الرزاق العباد.
(2) أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 442) وغيره.
وانظر لمعنى هذه العبارة المأثورة عن السلف: شرح الرسالة التدمرية (151 - 152)، وتوضيح مقاصد العقيدة الواسطية (125).
وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان. وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي فوجب الكف عنه.
فالحذر الحذر من التكييف أو محاولته، فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته، فالجأ إلى ربك فإنه معاذك، وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى: " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " [فصلت: 36].
التعليق
معلوم أن مذهب أهل السنة وسط بين أهل التشبيه وأهل التعطيل، لأنهم يقولون: الواجب وصفه - تعالى - بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله إثباتًا بلا تشبيه وتنزيها بلا تعطيل.
فالمثبت للصفات يجب عليه الحذر من مذهب أهل التشبيه وأهل التكييف؛ حتى يكون مذهبه بريئًا من التشبيه والتكييف.
والتشبيه هو اعتقاد الشيءِ شبيهًا للشيء الآخر , فيقول: هذا مثل هذا , ولأن المشبهة يقولون: له سمع كسمعي، وبصر كبصري، ويد كيدي , وهؤلاء ومن سلك هذا المسلك لم يكن مثبتًا على الحقيقة فإنه لم يثبت لله صفاته التي تليق به , فوقع في الأمرين في التعطيل والتشبيه , فعطل الرب عن صفات كماله التي تليق به , ووصفه بما يجب تنزيهه عنه , ولهذا يقول أهل العلم: إن كل مشبهٍ معطل، وكل معطل مشبه (1)؛
__________
(1) مجموع الفتاوى (13/ 164، 36/ 115، 125)، شرح الرسالة التدمرية (60)، الصواعق المرسلة (1/ 244)؛ وانظر: معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات (66 وما بعدها)، وما سيأتي في (ص 58 تنبيه).
يعني فيه تلازم بين التشبيه والتعطيل , لكن المشبه أصل مذهبه الإثبات مع التشبيه ولكن لازم قوله التعطيل.
والتكييف هو: بيان كيفية الصفة , وفي الحقيقة أن التكييف يستلزم التشبيه، لأن الإنسان لم يكيف شيئًا إلا في حدود معلوم يتخيله على نحو ما يَعرف , المشبه يقول: سمعه كسمعي، وبصره كبصري , لكن المكيف يقول: إنه يسمع هكذا، وينزل هكذا؛ فيصف الهيئة والكيفية , فالتكييف يستلزم التشبيه , ولهذا النصوص الدالة على نفي التشبيه تتضمن نفي التكييف كقوله: " ولم يكن له كفوا أحد" [الإخلاص]، وقوله: " ليس كمثله شيء " [الشورى: 11].
والتشبيه نوعان: تشبيه الخالق بالمخلوق، وتشبيه المخلوق بالخالق؛ والتشبيه المراد هنا هو: تشبيه الخالق بالمخلوق.
وكل من التشبيهين باطل؛ فلا يجوز تشبيه الخالق بالمخلوق، وذلك بوصف الخالق بصفات وخصائص المخلوق؛ ولا تشبيه المخلوق بصفات الخالق (1).
لكن الكلام الذي ذكره الشيخ منصبٌ على تشبيه الخالق بالمخلوق؛ كقول المشبهة: له سمع كسمعي، وبصر كبصري إلى آخره؛ فمن وصف الله بخصائص المخلوق فقد شبه الخالق بالمخلوق.
ولكن أكثر ما وقعت فيه البشرية هو: تشبيه المخلوق بالخالق؛ فالمشركون كلهم مشبهون لآلهتهم بالخالق حيث أثبتوا لمعبوداتهم
__________
(1) قال ابن القيم في الداء والدواء (ص 313): حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به. هذا هو (التشبيه) في الحقيقة، لا إثبات صفات الكمال التي وصفَ الله بها نفسه، ووصفه بها رسوله - سبحانه -، فَعَكَسَ من نكسَ اللهُ قلبَه، وأعمى عينَ بصيرته، وأرْكَسَهُ بلبسِهِ الأمرَ وجعلِ التوحيد تشبيهًا والتشبيه تعظيمًا وطاعةً.
خصائص الإلهية فجعلوها آلهة مع الله , فالمشرك مشبه لمعبوده برب العالمين , ولهذا وردت النصوص في نفي التشبيه على نفي تشبيه المخلوق بالخالق كقوله " ليس كمثله شيء " [الشورى: 11] أي ليس شيء من الموجودات مِثلًا له , وقوله: " ولم يكن له كفوًا أحد " [الإخلاص] أي: لم يكن أحد كفؤًا له , وقوله: " هل تعلم له سميًا " أي: ليس شيء سميًا له " فلا تضربوا لله الأمثال " [النحل: 74] أي لا تجعلوا له مثلا من خلقه , ولا شك أن إبطال هذا النوع يستلزم إبطال الثاني؛ فمن شبه الله بخلقه فقد لزم منه أن يكون المخلوق كالخالق.
والتشبيه والتكييف - كما قال الشيخ - باطل شرعًا وعقلًا؛ أما الشرع: فللآيات والنصوص - التي أوردها الشيخ -، وأما دلالة العقل: فعلى الوجوه التي ذكرها، وهي واضحةٌ بينةٌ، والله أعلم.
القاعدة السابعة:
صفات الله توقيفية لا مجال للعقل فيها (1).
فلا نثبت لله - تعالى - من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته، قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث). انظر القاعدة الخامسة في الأسماء.
ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:
الأول: التصريح بالصفة كالعزة، والقوة، والرحمة، والبطش، والوجه، واليدين، ونحوها.
الثاني: تضمن الاسم لها مثل: الغفور متضمن للمغفرة، والسميع متضمن للسمع، ونحو ذلك. انظر القاعدة الثالثة في الأسماء.
الثالث: التصريح بفعل أو وصف دال عليها كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين، الدال عليها - على الترتيب - قوله
__________
(1) مجموع الفتاوى (5/ 26)، الرسالة الصفدية (322، 330)، بدائع الفوائد (1/ 285)، نقض الدارمي (1/ 220)، شرح الرسالة التدمرية (51، 395)، شرح العقيدة السفارينية (169، 201 وما بعدها).
وهل تثبت الصفات بالإجماع؟
انظر: شرح الرسالة التدمرية (203).
تعالى: " الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى " [طه: 5]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ينزل ربنا إلى السماء الدنيا " (1)، وقول الله - تعالى -: " وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً " [الفجر]، وقوله: " إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ " [السجدة: 22].
التعليق
يفهم مقصود هذه القاعدة من القاعدتين السابقتين اللتين أحال الشيخ - رحمه الله - عليهما، وهما القاعدة الثالثة والخامسة، ولا ريب أنَّ المعول في إثبات الأسماء والصفات على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما قال الإمام أحمد: (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث) (2)، وقوله - رحمه الله -: (لا يتجاوز القرآن والحديث) أي: لا يزاد على ما ورد فيهما؛ أي: لا يوصف بما لم يرد في كتاب ولا سنة؛ وهذا معنى: أنَّ صفاته - تعالى - توقيفية.
وهذا لا يمنع من دلالة العقل على بعض الصفات، فإنَّ من الصفات ما تتظافر عليها أنواع الأدلة؛ كالعلو لله - تعالى - فقد دلَّ عليه: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، والفطرة.
ومن الصفات التي دلَّ عليها العقل مع دلالة النقل: العلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والمحبة، والرحمة، والحكمة.
ومن الصفات ما طريق العلم به هو الخبر: كالوجه، واليدين، والاستواء، والضحك، والفرح.
وقول الشيخ - رحمه الله -: (لا مجال للعقل فيها): يريد أنَّ العقل لا يستقل
__________
(1) أخرجه البخاري (1317)، ومسلم (3392) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(2) أخرجه ابن بطة في الإبانة (3/ 326)، ونقله شيخ الإسلام في الحموية (ص 271) وغيرها.
بإثبات شيءٍ من الصفات بحيث يقال هذه الصفة ثبتت بالعقل، ولم يدلَّ عليها السمع؛ فهذا لا يكون.
وبناءً على ما تقدم؛ إذا قيل: إنَّ الصفات قسمان: عقلية وسمعية، أو خبرية؛ فالمراد بالعقلية: ما دلَّ عليه العقل مع دلالة السمع؛ والمراد بالخبرية: ما دلَّ عليه الخبر فقط؛ كما تقدم التمثيل للنوعين (1)، والله أعلم.
__________
(1) في صفحة رقم (78).