من صور الغبن الذي يثبت به الخيار: غبن المسترسل.
قال الإمام ابن القيم: "وفي الحديث: "غبن المتسرسل ربا" والمسترسل: هو الذي يجهل القيمة ولا يحسن أن يناقص الثمن، بل يعتقد على صدق البائع لسلامة سريرته، فإذا غبن غبنا فاحشا؛ ثبت له الخيار".
والغبن محرم؛ لما فيه من التغرير للمشتري.
ومما يجري في بعض أسواق المسلمين وهو محرم: أن بعض الناس حينما يجلب إلى السوق سلعة، يتفق أهل السوق على ترك مساومتها، ويعمدون واحدًا منهم يسومها من صاحبها، فإذا لم يجد من يزيد عليه؛ اضطر لبيعها عليه برخص، ثم اشترك البقية مع المشتري، وهذا غبن وظلم محرم، وثبت لصاحب السلعة إذا علم بذلك الخيار وسحب سلعته منهم؛ فيجب على من يفعل مثل هذا التغرير أن يتركه ويتوب منه، ويجب على من علم ذلك أن ينكره على من يفعله ويبلغ المسؤولين لردعهم عن ذلك.
رابعا: خيار التدليس، أي: الخيار الذي يثبن بسبب التدليس، والتدليس: هو إظهار السلعة المعيبة بمظهر السليمة، مأخوذ من الدلسة، بمعنى: الظلمة؛ كأن
البائع بتدليسه صير المشتري في ظلمة، فلم يتم إبصاره للسلعة، وهو نوعان.
النوع الأول: كتمان عيب السلعة.
والنوع الثاني: أن يزوقها وينمقها بما يزيد به ثمنها.
والتدليس حرام، وتسوغ به الشريعة للمشتري الرد؛ لأنه إنما بذل ماله في المبيع بناء على الصفة التي أظهرها له البائع، ولو علم أنه على خلافها؛ لما بذل ماله فيها.
ومن أمثلة التدليس الواردة: تصرية الغنم والبقر والإبل، وهي حبس لبنها في ضروعها عند عرضها للبيع، فيظنها المشتري كثيرة اللبن دائما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها؛ فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر" .
ومن أمثلة التدليس: تزويق البيوت المعيبة للتغرير بالمشتري والمستأجر، وتزويق السيارات حتى تظهر بمظهر غير المستعملة للتغرير بالمشتري، وغير ذلك من أنواع التدليس.
يجب على المسلم أن يصدق ويبين الحقيقة، قال صلى الله عليه وسلم: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، صدقا وبينا؛ بورك لهما في بيعها، وإن كذبا وكتما؛ محقت بركة بيعهما" ، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الصدق في البيع والشراء من
أسباب البركة، وأن الكذب من أسباب محق البركة؛ فالثمن وإن قل مع الصدق؛ يبارك الله فيه، وإن كثر الثمن مع الكذب؛ فهو ممحوق البركة لا خير فيه.