،،،،،،
حدثني أحد الثقات أنه كان في زيارة له مع صديق لأحد المعالِجين ، وكان لهذا الصديق طفل في شهره الثاني يعاني من ضمور في الدماغ نتيجة لنقص توفر الأكسجين أثناء عملية الولادة ، وقد تم عرض الطفل على أحد المعالِجين بالرقية ، يقول الأخ : وكم كانت دهشتي واستغرابي عند رؤية المعالِج لهذه الحالة حيث قال : ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 000 هذا الطفل يعاني من عين جنية ) ، فما كان مني إلا أن أوعزت لصاحبي بترك هذا الجاهل لخطورة ما يقول ، خاصة أن هذا القول مبني على احتمالين لا ثالث لهما الأول أنه يستعين بالجن والشياطين والاحتمال الثاني وهو الأقرب ، بأنه قول بغير علم يختص بأمور الغيب ، وما كان هذا التصرف إلا لإيهام العامة بأنه حاذق في مهنته متمرس في صنعته صاحب نظر ثاقب ورأي سديد ، وليس أعظم من ذلك الجهل جهل آخر 0
قال صاحبا الكتاب المنظوم فتح الحق المبين : ( إن لكل مرض من الأمراض أعراضه الدالة عليه غالبا ، ونقول غالبا لأن هناك بعض الأعراض التي تعتبر علامة لأكثر من مرض ، لذا كان لزاما على المعالِج أن يتحقق من الحالة المرضية الماثلة أمامه ، وذلك لا يكون إلا بتوفيق الله سبحانه ، ثم بالحذاقة والخبرة والأمانة ، ولما كان المس من الجن أحد الأمراض التي يصاب بها المرء فإن أعراض هذا المرض ( المس ) تشترك مع بعض الأمراض الأخرى ، وصاحب الخبرة المتقي لله فيما يقول يعرفها غالبا إلا أنه يؤخذ على بعض من يقرأ التخبط في الحكم على الحالة الماثلة أمامهم ، فأحدهم يشخصها ويقول: أنت معك مس من الجن ، وآخر يقول له : معك سحر، وآخر يقول له : معك عين وهكذا 0
والواجب على من يقرأ أن يتقي الله ويتذكر قوله تعالى : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) 0 ( سورة الإسراء - الآية 36 ) 0
وليعلم أن في الحكم بغير علم في مثل هذه الأمور آثارا سيئة ظهرت بوادرها على بعض الناس ، لذا نوصي كل من يقرأ أن لا يحكم جزافا ) 0 ( فتح الحق المبين - باختصار - ص 62 - 63 ) 0
قال الشيخ عبدالله السدحان : ( إن الأوهام والظنون هي التي تعصف بالناس ولو بحثت عن الحق لأعياك طلبه ! لذلك ذم الله - عز وجل- الظن، فقال : ( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِى مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ) ( سورة يونس - الآية 36 ) 0
0وإن الله- عز وجل- نهى عن الركض وراء الأوهام والتخمينات، فقال : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ) 0 ( سورة الإسراء - الآية 36 ) 0
فليستخدم الراقي فكره وتجربته بعيدا عن الظنون والتخرصات ، فيستخلص الحقائق عن هذا المريض ثم يحلل هذه الحقائق على بصيرة ثم يستخدم عقله وتفكيره وبعدها يتخذ قرارا حاسما مبنيا على علم وبصيرة ) 0( قواعد الرقية الشرعية - ص 23 ) 0
وقال أيضا : ( وبعض المعالِجين يبتعد عن حقيقة التشخيص من أجل عرف سائد أو وهم سابق عندئذ لا يوفق إلى حل مشكلة هذا المريض ، وذلك أن الراقي حين يستخلص الحقائق فإنه يتصيد منها ما يعضد الفكرة الراسخة في ذهنه ، ولا يبالي بما ينقضها ، فتكون حلوله سطحية ارتجالية ، فلا بد من الفصل بين عواطفنا وتفكيرنا حتى تكون الحقائق المطلوبة مجردة لا تشوبها الأوهام العاطفية فالواجب على الراقي أن تكون لديه مذكرة تحدد : ما هي مشكلة المريض ؟ فقد تنشأ مناقشة حامية بين الراقي والمرقي عليه في جدل لا طائل تحته دون معرفة المشكلة أصلا ! فينشأ الغموض ، وتخبط الآراء والتشخيص العقيم ، ويخرج من هذا التخبط بتوضيح المشكلة ، ويقصد بها أعراض المرض 0 بعد ذلك منشأ المشكلة وهو ما أسميه - تاريخ المرض - وهي الأسباب التي دفعت المشكلة إلى حيز الظهور ، ويرجع بذاكرة المريض إلى تاريخ المشكلة حتى تحدد معالمها بعد ذلك : ما هي الحلول الممكنة حتى يعود هذا المريض سويا : هل هو مرض نفسي ( وسواسي ) ؟ أم هو مرض عضوي معه تسلط شيطاني ؟ وهكذا 000 وحتى لا تكثر الاقتراحات فيتخبط هذا المسكين عند مجموعة من الرقاة كل يشخص مرضه فمن قائل : عين 0 ومن قائل : سحر 0 وآخر : عشق ، وهكذا 00 وأفضل الحلول تستخلص من الحقائق المحيطة بهذا المرض ) 0 ( قواعد الرقية الشرعية - ص 24 - 25 ) 0
قال الدكتور محمد المهدي اختصاصي الطب النفسي في مستشفى الأمل بجده - في كتابه " العلاج النفسي في ضوء الإسلام " في رده على بعض المعالِجين :-
( استنباطات خطيرة بلا دليل مقنع ، فمثلا بعض المعالِجين يقول لك : إن هذا الشخص لديه مس من الجن ، أو عين !! أو سحر !! دون أن يكون لديه دليل واضح على ذلك ، أو يسوق أدلة تحدث لأغلب الناس ، كالأحلام المزعجة ، والصداع ، والضيق ، أو يعتمد على أن هذا الشخص يشكو من حالة غريبة احتار الطب فيها!مع العلم أن كل الأمراض المعروفة حاليا احتار الطب فيها لفترة ، وبعد ذلك عرف أسبابها وعلاجها ) 0 ( المعالِجون بالقرآن - ص 168 - 169 ) 0
قلت : قد أصاب الدكتور محمد المهدي الحق فيما ذهب إليه من الممارسات والاستنباطات الخاطئة التي درج على اللجوء إليها كثير من المعالِجين ، ولكن لي وقفة مع قوله " إن كل الأمراض المعروفة حاليا احتار الطب فيها لفترة ، وبعد ذلك عرف أسبابها وعلاجها " وهذا الكلام لا لبس فيه إن كان المعنى الذي يقصده الدكتور الفاضل متعلق بالأمراض العضوية ، أما تعميم الأمر بالنسبة لكافة الأمراض فهذا يحتاج لوقفة وإعادة نظر ، ولا يؤخذ الكلام في الناحية المشار إليها على إطلاقه ، والمقصود من الإشارة إلى هذه النقطة أن بعض الأمراض العضوية ينطبق عليها الحكم والوصف المشار إليه ، وأما الأمراض أو الأعراض المتعلقة بالأمراض الروحية كالصرع أو السحر أو العين ونحوه ، فلا ينطبق عليها هذا الحكم والوصف مطلقا ، بسبب عدم إخضاعها لكافة الوسائل والأساليب العلمية التي يمتلكها الطب بكافة مكتشفاته ومخترعاته مهما بلغت من التقدم والرقي ، ولقد أشرت إلى هذه المسألة لأمر هام يتعلق باعتقادات المرضى الذين يعانون من أمراض معينة ، بحيث يذهب اعتقادهم بأن المعاناة ناتجة أصلا عن أمراض عضوية لم تكتشف حتى هذه الساعة ، مع أن الأمر أساسا يتعلق بمرض من الأمراض التي تصيب النفس البشرية كما تم الإشارة آنفا ، والموقف المتزن الذي لا بد أن يسلكه المرضى هو اتخاذ الأسباب الشرعية والحسية المباحة للشفاء وذلك بمراجعة الأطباء والمستشفيات والمصحات ، وكذلك اللجوء للرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة 0
قال الكاتب عبد الحق بشير عباس العقبي : ( إن المنهج الواضح الصريح للعلاج بالرقية الشرعية هو التوجه إلى مسبب الأسباب بصدق ونية ، والدعاء أن يزيل السبب ، أيا كان السبب ، ليس في السبب قيد ولا شرط ، وليس مطلوبا من الراقي أن يشخص ويتعرف ويؤول ! ويخطئ ويصيب ويجرب ! فآيات الرقية معروفة مأثورة ، والأهم منها صدق التوجه والدعاء والرضى بما كتب الله ، فما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وإنما جعلت الرقية بالقرآن والمأثور من السنة وسيلة للتقرب إلى الله مسبب الأسباب ، ولأنها كذلك فهي من الدعاء ، وللدعاء شروط على الداعي أن يلتزم بها إذا أراد الإجابة ، منها صدق التوجه إلى الله - فيتوجه وهو موقن بالإجابة - ، وطيب المأكل والمشرب ، واختيار أوقات الإجابة التي منها الثلث الأخير من الليل ، وفي السجود ، وبين الأذانين ، وغيرها مما هو معروف ومتداول في كتاب الأذكار 0
لا أعني بذلك أنه لا يجوز التوجه إلى الآخرين طلبا للرقية ، بل أن هذا مشروع ، والأحاديث فيه مأثورة ومتوفرة ، ولأن من أسباب الإجابة التماس الصالحين والمشهود لهم بالتقوى والورع ، وهو من أسباب التعجيل في الإجابة ) 0( المعالِجون بالقرآن - باختصار - ص 187 - 188 ) 0
تاريخ الاضافة : 15 / 2 / 2003 م