جامع فى صفات الروح
الحمد لله الذي أيقظ من شاء من سِنة الغفلة. ورفع من أحب لقاءه إلى عليين. ووضع عنه أوزاره وثقله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عليها من رداء الإخلاص حلّة. وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بأشرف ملّة. المخصوص بأكرم خلّة.
وقال بعض من لايعرف نفسة ..... ترد الحياة إلى عجب الذنب فهو الذي يعذب وينعم و....ومنهم من قال مستقرها العدم المحض وهو قول لم يقل به أحد من سلف الأمة ولا من الصحابة والتابعين ولا أئمة الإسلام
..و يرده الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأدلة العقول والفطن والفطرة وهو قول من لم يعرف روحه فضلا عن روح غيره
وقد خاطب الله سبحانه النفس بالرجوع والدخول والخروج ودلت النصوص الصحيحة للصريحة على أنها تصعد وتنزل وتقبض وتمسك وترسل وتستفتح لها أبواب السماء
وتسجد وتتكلم وأنها تخرج تسيل كما تسيل القطرة وتكفن وتحنط في أكفان الجنة والنار وأن ملك الموت يأخذها بيده ثم تتناولها الملائكة من يده ويشم لها كأطيب نفحة مسك أو أنتن جيفة وتشيع من سماء إلى سماء ثم تعاد إلى الأرض مع الملائكة
وأنها إذا خرجت تبعها البصر بحيث يراها وهي خارجة ودل القرآن على أنها تنتقل من مكان إلى مكان حتى تبلغ الحلقوم في حركتها وجميع ما ذكرنا من جمع الأدلة الدالة على تلاقى الأرواح وتعارفها وأنها أجناد مجندة إلى غير ذلك
وقد شاهد النبي الأرواح ليلة الإسراء عن يمين آدم وشماله وأخبر النبي إن نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة وأن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر وأخبر تعالى عن أرواح آل فرعون أنها تعرض على النار غدوا وعشيا
هل هذا تناسخ للارواح
وأما قول من قال إن مستقرها بعد الموت أبدان أخر غير هذه الأبدان فهذا القول فيه حق وباطل
1-فأما الحق فما أخبر الصادق المصدوق عن أرواح الشهداء أنها في حواصل طير خضر تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش.... هي لها كالأوكار للطائر وقد صرح بذلك في قوله جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر
وأما قوله نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة.... يحتمل أن يكون هذا الطائر مركبا للروح كالبدن لها ويكون ذلك لبعض المؤمنين والشهداء
ويحتمل أن يكون الروح في صورة طائر وهذا اختيار أبى محمد بن حزم
فهاهنا ثلاثة أمور صرح بها الحديث أرواح وطير هي في أجوافها وقناديل هي مأوى لتلك الطير والقناديل مستقرة تحت العرش لا تسرح والطير تسرح وتذهب وتجيء والأرواح في أجوافها
قال قال رسول الله لما أصيب إخوانكم يعنى يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب مدلاة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد فقال الله تعالى أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون
ولفظه للترمذي أن رسول الله قال من إن أرواح الشهداء في طير خضر تعلق ثمر الجنة أو شجر الجنة
ولا محذور في هذا ولا يبطل قاعدة من قواعد الشرع ولا يخالف نصا من كتاب ولا سنة عن رسول الله بل هذا من تمام إكرام الله للشهداء أن أعاضهم من أبدانهم التي مزقوها لله أبدانا خيرا منها تكون مركبا لأرواحهم ليحصل بها كمال تنعمهم فإذا كان يوم القيامة رد أرواحهم إلى تلك الأبدان التي كانت فيها في الدنيا
فان قيل فهذا هو القول بالتناسخ وحلول الأرواح في أبدان غير أبدانها التي كانت فيها
قيل هذا المعنى الذي دلت عليه السنة الصريحة حق يجب اعتقاده ولا يبطله تسميه المسمى له تناسخا كما أن إثبات ما دل عليه العقل والنقل من صفات الله عز و جل وحقائق أسمائه الحسنى حق لا يبطله تسمية المعطلين لها تركيبا وتجسيما
وكذلك ما دل عليه العقل والنقل من إثبات أفعاله وكلامه بمشيئته ونزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا ومجيئه يوم القيامة للفصل بين عباده حق لا يبطله تسمية المعطلين له حلول حوادث
كما أن ما دل عليه العقل والنقل من علو الله على خلقه ومباينته لهم واستوائه على عرشه وعروج الملائكة والروح إليه ونزولها من عنده وصعود الكلم الطيب إليه وعروج رسوله إليه ودنوه منه حتى صار قاب قوسين أو أدنى وغير ذلك من الأدلة حق لا يبطله تسمية الجهمية له حيزا وجهة وتجسيما
قال الإمام أحمد .....لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين فان هذا شأن أهل البدع يلقبون أهل السنة وأقوالها بالألقاب التي ينفرون منه الجهال ويسمونها حشوا وتركيبا وتجسيما
ويسمون عرش الرب تبارك وتعالى حيزا وجهة ليتوصلوا بذلك إلى نفي علوه على خلقه واستوائه على عرشه
كما تسمى الرافضة موالاة أصحاب رسول الله كلهم ومحبتهم والدعاء لهم نصا وكما تسمى القدرية المجوسية إثبات القدر جبرا فليس الشأن في الألقاب وإنما الشأن في الحقائق
والمقصود أن تسمية ما دلت عليه السنة الصريحة من جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر تناسخا لا يبطل هذا المعنى
وإنما التناسخ الباطل ما تقوله أعداء الرسل من الملاحدة وغيرهم الذين ينكرون المعاد أن الأرواح تصير بعد مفارقة الأبدان إلى أجناس الحيوان والحشرات والطيور التي تناسبها وتشاكلها
فإذا فارقت هذه الأبدان انتقلت إلى أبدان تلك الحيوانات فتنعم فيها أو تعذب ثم تفارقها وتحل في أبدان أخر تناسب أعمالها وأخلاقها ...وهكذا أبدا فهذا معادها عندهم ونعيمها وعذابها لا معاد لها عندهم غير ذلك
فهذا هو التناسخ الباطل المخالف لما اتفقت عليه الرسل والأنبياء من أولهم إلى آخرهم .....وهو كفر بالله واليوم الآخر
وهذه الطائفة يقولون أن مستقر الأرواح بعد المفارقة أبدان الحيوانات التي تناسبها وهو ابطل قول وأخبثه ويليه قول من قال إن الأرواح تعدم جملة بالموت ولا تبقى هناك روح تنعم ولا تعذب بل النعيم والعذاب يقع على أجزاء الجسد أو جزء منه
فهؤلاء عندهم لا عذاب في البرزخ إلا على الأجساد ومقابلهم من يقول أن الروح لا تعاد إلى الجسد بوجه ولا تتصل به والعذاب والنعيم على الروح فقط والسنة الصريحة المتواترة ترد قول هؤلاء وهؤلاء وتبين أن العذاب على الروح والجسد مجتمعين ومنفردين
و الحمد لله رب العالمين اللهم صلى وسلم وبارك على الرسول الامين اللهم اغفر ورحم والداى وزوجتى والمؤمنين