بسم الرحمن الرحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تعريف السِّحْرِ: قالَ الإمام العلامةُ الشيخ: سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المتوفى عام 1233هـ رحمه الله تعالى في كتابه: تيسير العزيز الحميد ص333.
السحر في اللغة: عبارة عما خَفِيَ ولطف سببه، ولهذا جاء في الحديث: «إن من البيان لسحرًا». وسمي السّحور سحورًا لأنه يقع خفيًّا آخرَ اللَّيْلِ.
وقال الله تعالى: ﴿ سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 116]؛ أي: أخفوا عنهم علمَهم()، ولما كان السحرُ من أنواع الشرك، لا يأتي السِّحْرُ بدونه، ولهذا جاء في الحديث: «ومن سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ».
أدخله المصنف في كتاب التوحيد ليُبَيِّنَ ذلك؛ تحذيرًا منه. اهـ.
وقال الإمام أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي المتوفى في سنة 656هـ رحمه الله – تعالى – في كتابه المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/569): والسِّحْرُ – عند علمائنا – حِيَلٌ صناعيَّةٌ يُتَوَصَّلُ إليها بالتَّعَلُّمِ والاكتسابِ؛ غير أنها لخفائها ودِقَّتِها لا يَتَوَصَّلُ إليها إلا آحادُ الناس؛ فيندر وقوعها، وتستغرب آثارها؛ لندورها، ومادته الوقوف على خَوَاصِّ الأشياء والعلم بوجوه تركيبها وأزمان ذلك؛ وأكثره تخيُّلات لا حقيقة لها وإيهامات لا ثبوت لها، فتعظم عند من لا يعرفها، وتشتبه على من لا يقف عليها. .. إلى أن قال: ولا ينكَرُ أن السحر له تأثير في القلوب بالحب والبغض، وبإلقاء الشرور حتى يفرق الساحر بين المرء وزوجه، ويحول بين المرء وقلبه، وبإدخال الآلام وعظيم الأسقام؛ إذ كل ذلك مدرك بالمشاهدة وإنكاره معاندة. اهـ.
وقال الإمام العلامة أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المتوفى عام 543هـ رحمه الله تعالى في كتابه (القبس: 3/ 1125): "هو فعلٌ غريب يحدث عند قول الساحر وفعله في جسم المسحور أو ماله، وضَعَهُ تعالى في الأرض بمشيئته وحكمته، فتحق الكلمة على من سبقت عليه بالهلكة، وهو كفر في نفسه؛ لأنه لا يتأتى إلا بالكفر".
وقال أيضًا في عارضة الأحوذي (6/246): "وحقيقته أنه كلامٌ مؤلَّفٌ يُعَظَّمُ فيه غيرُ اللهِ وتُنْسَبُ إليه الأفعال والمقادير الكائناتُ بخلق الله عند قول الساحر وفعله في المسحور ما شاء من أمره حسب ما جرت العادة به، وتلك الأفعال من خلق الله تعالى عند ذلك تكون فيه على مَنْ يعثر لها (). اهـ.
وقال الإمام الموفق ابن قدامة المتوفى سنة 620هـ - رحمه الله تعالى – في كتابه (الكافي) (5/331): (السحرُ عزائمُ ورُقَى وعُقَد تؤثر في الأبدان والقلوب، فيُمرض ويقتل، ويفرق بين المرء وزوجه، ويأخذ أحد الزوجين عن صاحبه؛ قال الله تعالى: ﴿ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ﴾ [البقرة: 102].
وقال سبحانه: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ﴾ [الفلق: 1-4]؛ يعني السواحر اللاتي يعقدن في سِحْرِهِنَّ، ويَنْفُثْنَ في عُقَدِهِنَّ. اهـ.
وقال الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الشافعي المتوفى عام 676هـ في كتابه (روضة الطالبين) (197): «فالساحر قد يأتي بفعل أو قول يتغير به حال المسحور، فيمرض، ويموت منه، وقد يكون ذلك بوصول شيء إلى بدنه من دخان، وغيره، وقد يكون دونه» اهـ.
وقال البيضاوي في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (1/79): «والمراد بالسحر: ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان، وذلك لا يستتب إلا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس؛ فإن التناسب شرط في التضام والتعاون».
وجاء في لسان العرب لابن المنظور (4/348): «الأزهري: السِّحْرُ عمل تقرب فيه إلى الشيطان، وبمعونة منه كل ذلك الأمر كينونة للسحر، ومن السحر: الأخذة التي تأخذ العين حين يظن أن الأمر يُرَى، وليس الأصل على ما يرى.
والسحر: الأُخذة: وكل ما لطف ودَقَّ، فهو سحر» اهـ.
ومن صفاتهم ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – في مجموع فتاويه (19/34) بقوله: «والإنسان إذا فسدت نفسه أو مزاجه يشتهي ما يضره، ويلتذ به، بل يعشق خبيثًا، فإذا تقرب صاحب العزائم والأقسام وكتب ال******ات السحرية وأمثال ذلك إليهم بما يحبونه من الكفر والشرك صار ذلك كالرشوة والبرطيل() لهم، فيقضون أغراضه كمن يعطي غيره مالاً ليقتل له من يريد قتله أو يعينه على فاحشة أو ينال معه فاحشة.
ولهذا كثير من هذه الأمور يكتبون فيها كلام الله بالنجاسة – وقد يقلبون حروف كلام الله – عز وجل – إما حروف الفاتحة، وإما حروف ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] وإما غيرهما – إما دم وإما غيره – وإما بغير نجاسة، أو يكتبون غير ذلك مما يرضاه الشيطان أو يتكلمون بذلك، فإذا قالوا أو كتبوا ما ترضاه الشياطين أعانتهم على بعض أغراضهم؛ إما بتغوير ماء من المياه، أو إما أن يحمل في الهواء إلى بعض الأمكنة، وإما أن يأتيه بمال من أموال بعض الناس، كما تسرقه بعض الشياطين من أموال الخائنين، ومن لم يذكر اسم الله عليه، وتأتي به، وإما غير ذلك». اهـ.
وقال في المصدر نفسه (11/214): «ويكون أحدهم لا يتوضأ، ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون ملابسًا للنجاسات معاشرًا للكلاب، يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل، رائحته خبيثة، لا يتطهر الطهارة الشرعية، ولا يتطيب، وقال: قال النبي (: «إن هذه الحشوش محتضرة». أي يحضرها الشيطان. .. إلى أن قال: فإذا كان الشخص مباشرًا للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين أو يأكل الحيات والعقارب الزنابير، وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان أو يدعو غير الله؛ فيستغيث بالمخلوقات، ويتوجه إليها. .. فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن». اهـ بتصرف.
فصل في نقل كلام أهل العلم في حكم السحر
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني المتوفي سنة 728هـ في مجموع الفتاوى (35/171): «والسِّحْرُ محرَّمٌ بالكتاب والسُّنَّةِ والإجماعِ» اهـ.
قلت: أما دلالة الكتاب على تحريمه بل كُفْر فاعله قول الله تعالى: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102].
قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/28) في الآية: «وما كفر سليمان قط ولا سحر، ولكن الشياطين كفروا بسحرهم، وأنهم يعلمون الناس ما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما كان الملكان يعلمان أحدًا حتى يقولا: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ﴾. .. إلى أن قال: وقد أوردنا في كتاب "المشكلين" القول في السحر وحقيقته ومنتهى العمل به على وجه يشفي الغليل؛ وبيَّنَّا أن من أقسامه فعل ما يفرِّقُ بينَ المرْءِ وزَوْجِه، ومنه ما يجمع بين المرء وزوجه، ويسمى التِّوَلَة، وكلاهما كفر، والكل حرام كفر. قاله مالك، وقال الشافعي: السِّحْرُ معصية إن قتل بها الساحر قُتل، وإن أضر بها أُدِّبَ على قَدْرِ الضَّرَرِ. وهذا باطل من وجهين:
أحدهما: أنه لم يَعْلَمِ السِّحْر، وحقيقته: أنه كلام مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ به غيرُ اللهِ تعالى، وتُنْسَبُ إليه فيه المقادير، والكائنات.
والثاني: أن الله سبحانه قد صَرَّحَ في كتابه بأنه كفر؛ لأنه تعالى قال: ﴿ وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا ﴾، وبتعليمه هاروت وماروت يقولان: ﴿ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ﴾، وهذا تأكيد للبيان». اهـ.
وقال في عارضة الأحوذي (6/246) نحو هذا.
واستدلَّ الإمامُ الشنقيطي - رحمه الله تعالى – كما في أضواء البيان (4/442) بهذه الآية على أن الساحر كافرٌ من أمرين:
الأول: قوله: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ﴾: فإنه يدل على أنه لو كان ساحرًا - وحاشاه من ذلك – لكان كافرًا، وقوله: ﴿ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾، صريح في كفر معلم السحر، وقوله عن هاروت وماروت مقررًا له: ﴿ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴾؛ أي نصيب. ونفي النصيب في الآخرة بالكلية لا يكون إلا للكافر – عياذًا بالله تعالى – وهذه الآيات أدلةٌ واضحة على أن من السحر ما هو كفر بواح، وذلك مما لا شك فيه.
ومن الأدلة أيضًا على ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]؛ قال الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (5/4264) في وجه الدليل منها: «أي لا يفوز، ولا ينجو حيث أتى من الأرض، وقيل: حيث احتال».
وقال الإمام الشنقيطي في أضواء البيان (4/442): «اعلم أن قولَه تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ يَعُمُّ نَفْيَ جميعِ أنواعِ الفلاحِ عنِ السَّاحِرِ، وأَكَّدَ ذلك في التعميم في الأمكنة بقوله: ﴿حَيْثُ أَتَى﴾، وذلك دليل على كفره؛ لأنَّ الفلاحَ لا ينفى بالكلية نفيًا عامًا إلا عَمَّنْ لا خَيْرَ فيه وهو الكافر». اهـ.
ومنها: قوله تعالى: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: 3]، وقوله سبحانه: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق:4]. والنفاثات هي السواحر.
أما الأدلة من السنة على تحريم السحر فمنها ما يلي:
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: «من عقد عقدة، ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئًا وكل إليه».
أخرجه النسائي في المجتبى (7/112) والطبراني في الأوسط (1/401) رقم 1469، والمزني في تهذيب الكمال (14/169) وابن عدي في الكامل (4/648) من طريق أبي داود الطيالسي: حدثنا عباد بن ميسرة المنقري عن الحسن عن أبي هريرة... الحديث.
قال الطبراني: لم يروِ هذا الحديث عن عبَّاد إلا أبو داود، وعزاه الحافظ الذهبي لأبي داود والطيالسي ثم قال: (هذا الحديث لا يصح للين عباد وانقطاعه).
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (3/73) معلقًا على قول الذهبي هذا: قال في الميزان: لا يصح؛ للين عباد ولانقطاعه. كذا قال: ويتوجه أنه حديث حسن). اهـ.
واحتج به الحافظ ابن كثير في التفسير (1/138) على قبح تعلم السحر شرعًا. اهـ.
وأما جَزْمُ الحافظ الذهبي بأن سنده منقطع فمبني على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، وهي مسألة فيها نزاع بين العلماء؛ منهم من نفى سماعه منه، ومنهم من أثبته، ولعله الصواب – إن شاء الله تعالى – لكثرة الأدلة الصريحة على ذلك ().
وأما لين عبَّاد فهو مما اختلف فيه؛ فنقل الحافظ ابن حجر عن الإمام أحمد أنه ضَعَّفَه، ونقل ابن عدي عن ابن معين أنه ضعَّفَه أيضًا؛ وأنه ليس بالقوي، وهو ممن يكتب حديثه.
ووَثَّقَه آخرون؛ فقال الحافظ: قال ابن معين: ليس به بأس. ونقل العقيلي عن ابن مهدي أنه يروي عنه، وذكره ابن حبان في الثقات وكذلك ابن شاهين.
2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضًا بلفظ: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». متفق عليه.
قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى (7/29) مترجمًا له: (باب الشرك والسحر من الموبقات).
قال العيني في عمدة القارئ (21/282) تحت هذه الترجمة: (أي هذا باب في بيان أن الشرك والسحر من الموبقات أي المهلكات).
(قلت: ورواية البخاري في هذا الموضع مختصرة على ذكر: الشرك بالله، والسحر).
ولذا قال الحافظ في الفتح (10/232): والنكتة في اقتصاره على اثنين من سبع هنا: الرمز إلى تأكيد أمر السحر. .. إلى أن قال: واقتصر في هذا الحديث على ثنتين منها؛ تنبيهًا على أنها أحق بالاجتناب. اهـ.
وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية – رحمه الله تعالى – في مجموع الفتاوى (29/384): «وقد علم أنه محرم بكتاب الله وسنة رسوله ( وإجماع الأمة، بل أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتلُه، وقد ثبت قَتْلُ الساحرِ عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله بن عمر، وجندب بن عبد الله، وروي ذلك مرفوعًا عنه، عن النبي (، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69].
ثم ساق الأدلة على ذلك ثم قال: «ومعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن السحر من أعظم المحرمات» اهـ.
وقال الشيخ حافظ حكمي في معارج القبول (1/516): «وكذلك كل من تعلم السحر أو علمه أو عمل به يكفر ككفر الشياطين الذين علموه الناس؛ إذ لا فرق بينه وبينهم؛ بل هو تلميذ الشيطان وخريجه؛ عنه رَوَى، وبه تَخَرَّجَ، وإيَّاه اتَّبَعَ». اهـ.
فصل: الإجماع على تحريم السحر وكفر من استحلَّه
وأما الإجماع على تحريم السحر وكفر من استحلَّه فإليك طائفة من النقول عن أهل العلم في ذلك:
قال النووي – رحمه الله تعالى – في الروضة (7/198): «ويحرم فعل السحر بالإجماع، ومن اعتقد إباحته فهو كافر، وإذا قال إنسان: تعلمت السحر أو أحسنه، استوصف، فإن وصفه بما هو كفرٌ فهو كافر بأن يعتقد التقرب إلى الكواكب السبعة».
قال القَفَّال: «ولو قال: أفعل السحر بقدرتي دون قدرة الله تعالى فهو كافر، وإن وصفه بما ليس بكفر فليس بكافر». اهـ.
وقال النووي أيضًا في شرح مسلم (14/176): «وعمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع». اهـ.
وقال أيضًا في المصدر نفسه (2/88): «وأما عَدُّه ( السحر من الكبائر فهو دليل لمذهبنا الصحيح المشهور، ومذهب الجماهير: أن السحر حرام من الكبائر فعله وتعلمه وتعليمه. وقال بعض أصحابنا: إن تعلمه ليس بحرام؛ بل يجوز، ليعرف، ويرد على صاحبه، ويميز عن الكرامة للأولياء. وهذا القائل يمكنه أن يحمل الحديث على فعل السحر والله أعلم». اهـ.
وقال الوزير ابن هبيرة في كتابه الإفصاح (2/226): «واختلفوا فيمن يتعلم السحر، ويستعمله؛ فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: يُكَفَّرُ بذلك. إلا أن من أصحاب أبي حنيفة من فصَّل فقال: إن تعلمه، ليتقيه أو ليتجنبه، فلا يُكَفَّرُ بذلك، وإن تَعَلَّمَه معتقدًا لجوازه أو معتقدًا أنه ينفعه، فإنه يُكَفَّرُ، ولم ير الإطلاق، وإن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء فهو كافر».
وقال الشافعي: «إذا تعلم السحر قلنا له: صف سحرك؟ فإن وصف ما يوجب الكفر بمثل ما اعتقده أهل (بابل) من التقرب إلى الكواكب السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر، وإن لا يوجب الكفر، فإن اعتقد إباحته فهو كافر» اهـ.
ونقل الإمام أبو عبد الله الدمشقي العثماني الشافعي من علماء القرن الثامن الهجري – رحمه الله تعالى – في كتابه (رحمة الله الأمة) ص280 عن أبي جعفر الاستراباذي الشافعي أنه قال: «تعليم السحر حرام بالإجماع». اهـ.
وقال القاضي عياض – رحمه الله تعالى – في كتابه: (إكمال المعلم بفوائد مسلم) (7/89): «من عمل السحر وعلمه كفر عند المالكية».
وقال الإمام العلامة عبد الرحمن بن قاسم في حاشيته على الروض المربع (7/413) في ذلك: «وتعَلُّمُه وتعليمُه وفعلُه حرامٌ بلا نزاع، ومعتقدٌ حِلَّه كافرٌ إجماعًا».
وقال الإمام الموفق ابن قدامة – رحمه الله تعالى – في كتابه (الكافي) (5/332): «وتَعَلُّمُ السِّحْرِ والعملُ به حرام، فإن فعله رجل وجب قتله إن كان مسلمًا».
ونقل الإمام النووي في الروضة (7/198) عن إمام الحرمين أنه قال في كتابه (الإرشاد): «لا يظهر السِّحْرُ إلَّا على فاسق، ولا تظهر الكرامة على فاسق، وليس ذلك بمقتضى العقل، ولكنه مستفادٌ من إجماع الأمة، وذكر المتولي في كتابه (الغنية) نحو هذا». اهـ.
ونقل مثل هذا الإمام أبو عبد الله الشافعي في رحمة الأمة ص281، وزاد: «وقال مالك: السحر زندقة، وإذا قال الرجل: أحسنه. قتل، ولم تقبل توبته» اهـ.
فصل: هل يُقتل المسلم بمجرد تعلم السحر أو استعماله؟
قال الوزير ابن المظفر في كتابه (الإفصاح) (2/226): قال مالك وأحمد: يقتل بمجرد ذلك، وإن لم يَقْتُلْ به.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يُقْتَلُ بذلك؛ فإن قَتَلَ بالسِّحْرِ قُتِلَ عندهم حَدًّا إلا أبا حنيفة؛ فإنه قال: لا يقتل حتى يتكرر ذلك منه.
وروي عنه أنه قال: لا يُقْتَلُ حتى يقر أني قَتَلْتُ إنسانًا بعينه. اهـ.
وقال الإمام أبو عبد الله الشافعي في رحمة الأمة ص280 مثل ذلك؛ إلا أنه قال في قول أبي حنيفة آنف الذكر: «وروي عنه أنه قال: لا يُقْتَلُ حتى يُقِرَّ أنه قَتَلَ إنسانًا بِسِحْرِه». اهـ.
فصل: هل يُقْتَلُ السَّاحرُ قصاصًا أو حدًّا؟
اختلف الأئمة في ذلك؛ فنقل ابن هبيرة في الإفصاح (2/226) عن الإمام أبي حنيفة ومالك وأحمد أنه يُقْتَلُ حَدًّا، ونقل عنه الإمام الشافعي أنه يقتل قصاصًا.
ونقل مثل ذلك أبو عبد الله الشافعي في رحمة الأمة ص280.
فصل: هل تقبل توبة الساحر؟
قال الإمام أبو العباس القرطبي في كتابه (المفهم) (5/574): «الساحر عند مالك كالزنديق؛ لأن العمل عنده بالسحر كفر مُسْتَسَرٌ به؛ فلا تقبل توبة الساحر، كما لا تقبل توبة الزنديق؛ إذ لا طريق لنا إلى معرفة صدق توبته. .. إلى أن قال: ويتأيد ذلك بأن الساحر لا يتم له سحره حتى يعتقد أن سحرَه ذلك مؤثرٌ بذاته، وحقيقته، وذلك كفر». اهـ.
وقال الوزير ابن هبيرة في الإفصاح (2/227) في مذاهب الأئمة في ذلك: «واختلفوا هل تُقْبَلُ توبتُه؟ فقال أبو حنيفة – في المشهور عنه – ومالك: لا تقبل توبته، ولا تسمع. قولاً واحدًا، وقال الشافعي: تقبل توبته. قولاً واحدًا، وعند أحمد روايتان أظهرهما: لا تقبل توبته، والأخرى: تقبل توبته كالمرتد».
وبمثل ذلك قال أبو عبد الله في رحمة الأمة ص80.
فصل: في بيان فلتات من أجاز إتيان السحرة لحل السحر
لقد سطر في جريدة المدينة – الرسالة في يوم الجمعة، 4 جمادى الآخرة 1427هـ الموافق 30 يونيو 2006م ما نصه:
«ومن المعلوم أنه لا يعرف مكان السحر، لاستخراجه – في الغالب – إلا الجن عن طريق الساحر، وإلا فكيف يستخرج، والذين يأمرون الناس بالاقتصار على الرقية الشرعية يخالفون ما فعله – يعني النبي ( من استخراج السحر وحله، وأمر جبريل – عليه السلام – به إضافة إلى الرقية، ولم يكن الرسول ( يعرف أنه مسحور، أو من سحره أو مكان السحر إلا عن طريق الوحي وجبريلَ – عليه السلام، وعامة الناس لا يستطيعون ذلك إلا عن طريق ساحر – في الغالب".
ومن المؤسف أن بعض الناس تكلموا في هذه المسألة رادِّين هذه الفتوى، وأخذوا يستدلون بما لا دليل عليه فيه، ويخلطون بين الساحر والكاهن والعَرَّاف، ويستدلون بقوله: «من أتى كاهنًا أو عرافًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد».
والكاهن والعراف هما اللذان يخبران بالغيب المستقبل الذي لا يعرفه إلا الله.
فالمقصود بالحديث من يأتي هؤلاء لأجل أن يخبروه عن مستقبل أيامه في عمره، وما يحصل له في المستقبل من خير أو شر مما استأثر الله بعلمه، ويدل عليه قوله: فصدقه بما يقول؛ أي من علم الغيب في المستقبل. .. إلى أن قال: أما من ألجأته الضرورة إلى الذهاب إلى ساحر، ليُطْلِقَ عنه السِّحْرَ، ولأجل أن يستخرجه – بعد أن بذل الأسباب من الرقية الشرعية والأدوية المباحة – فلم يتطرق إليه هذا الحديث». اهـ.
قلت: ينبغي لمن تَصَدَّرَ للفتوى أن يَجْتَهِدَ في تأصيل فَتْوَاه؛ وذلك في النظر والفهم للأدلَّةِ وكلامِ أَهْلِ العِلْمِ؛ خصوصًا في أحكام العقائد، ويحرص أن لا يزال؛ لأن زَلَّةَ العالم يَزِلُّ بها فئامٌ من الناس، جاعلاً نصب عينه قول المولى – جل وعلا -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71].
وليحذر التعصب الذي يوصله إلى أن يحكم على مخالفيه بقلة العلم، وسفاهة الرأي، والعنونة لقوله ومذهبه بما يوحي بتزكية نفسه، والانتصار لها، وأنه قد أحاط بعلمٍ لم يُحِطْ به غيرُه؛ كأن يقول في فتواه: «كنت أفتي بهذه الفتوى منذ سنوات ولم يعرف الناس هذا الحكم إلا بعد أن بيّنه في وسائل الإعلام، جريدة المدينة، الرسالة، الجمعة 11 جمادى الآخرة 1427هـ الموافق يوليو 2006م).
إذا تقرر هذا فإن فيما سطره هنا من الكلام ما يجب أن ينبه عليه من الأخطاء الشرعية التي ساقها في حديثه؛ وذلك مثل قوله: «لا يعرف مكان السحر –في الغالب– إلا الجن عن طريق الساحر، وعامة الناس لا يستطيعون ذلك إلا عن طريق ساحر». اهـ.
أقول – عفا الله عنك أيها المفتي – إذا كنت تعتقد هذا الاعتقاد: على أي وجه تخرج قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ: 14].
فقد لبث سليمان ( ميتًا عامًا كاملاً واقفًا متكئًا على عصاه، ولم تعلم الجن بموته إلا بدلالة أكل الأرضة عصاه وخروره ساقطًا على الأرض؟
ومن الفلتات قوله: الذين يأمرون الناس بالاقتصار على الرقية يخالفون ما فعله –يعني الرسول (- من استخراج السِّحْرِ وحَلِّه. اهـ.
يريد بذلك – والله أعلم – أن استخراج السحر متوقفٌ على العلم بمكانه: ومكانه لا يعلمه إلا الجن، والجن لا يمكن الاتصال بهم إلا عن طريق الساحر، وعلى هذا فيجوز للمسحور إتيان السحرة؛ ليعلموه بمكان سحره وطريقة حله.
ومن ثم زعم أن ترك إتيان السحر لهذا الغرض مخالفة لفعل الرسول (.
أقول: يلزمك أيها المفتي أن تبين فعل الرسول ( صريحًا الذي فعله مع السحرة، وخالفه الآمرون بالاقتصار على الرقية؛ لكني أخالك لا تستطيع ذلك لوجوه.
الأول: أن فعل الرسول ( ضد فعل السحرة من كل وجه؛ فقد ثبت عنه في الصِّحاح والسُّنن والمسانيد والمعاجم أنه أمر باجتناب السحر؛ كقوله (: «اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسحر»... الحديث.
وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]».
وقال (: «وما نَهَيْتُكم عنه فاجتنبوه».
وقد وردت أحاديث كثيرة فيها الوعيد لمن يأتي السحرة كما سيأتي ذكرها قريبًا إن شاء الله تعالى.
يؤيد هذا أن الساحر يأمر المسحور بما يوبق عمله كالتقرب إلى الشيطان إما بالذبح لغير الله أو نحو ذلك، وقد جاء في صحيح مسلم: أن رسول الله ( قال: «لعن الله من ذبح لغير الله. ..» الحديث.
وفي حديث طارق بن شهاب، عن سلمان الفارسي أن رسول الله ( قال: «دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب»، قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: «مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا، فقالوا لأحدهما: قَرّب. قال: ليس عندي شيء أُقَرِّبُ. قالوا له: قَرِّب ولو ذبابًا، فَقَرَّب ذبابًا، فخلوا سبيله، فدخل النار، وقالوا: للآخر: قَرِّبْ. قال: ما كنت لأقرب لأحد شيئًا دون الله – عز وجل – فضربوا عنقه، فدخل الجنة».
أما الثابت من فعل الرسول ( في استخراج سحره فهو اللجوء إلى ربه تبارك وتعالى بالدعاء والتضرع فاستجاب الله منه دعاءه، فنزل عليه جبريل وميكائيل – عليهما السلام – فأعلماه بأنه مسحور وبمكان سحره فأخرج.
فهذا هو فعل الرسول ( - كما ترى – فهل يوجد فيه مخالفة للآمرين بالاقتصار على الرقية؟
ومنها: قوله: «ومن المؤسف أن بعض الناس تكلموا في هذه المسألة رادين هذه الفتوى، وأخذوا يستدلون بما لا دليل فيه، ويخلطون بين الساحر والكاهن، والعراف، ويستدلون بقوله: «من أتى كاهنًا أو عرافًا، فصدقه بما يقول: فقد كفر بما أنزل على محمد (»... إلى آخر كلامه.
أقول: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم؛ وإلا فكيف لمن يتصدر للفتوى أن يتفوه بمثل هذا، ونصوص الأحاديث على منع إتيان السحرة بين يديه؟!
وذلك مثل قوله (: «ليس منا مَنْ تَطَيَّرَ، أو تُطِيِّرَ له، أو تَكَهَّنَ، أو تُكُهِّنَ له، أو سَحَرَ أو سُحِرَ له، ومن عقد عقدة - أو قال: - عُقد عقدة، ومن أتى كاهنًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (». من حديث عمران بن حصين، أخرجه الطبراني في الكبير (18/162) رقم 355، والبَزَّارُ كما في كشف الأَسْتار (3/399) رقم 3044، من طريق إسحاق بن الربيع أبي حمزة العطار، عن الحسن عن عمران به.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/13): رواه الطبراني، وفيه إسحاق بن الربيع العطار، وَثَّقَه أبو حاتم وضَعَّفَه عمرو بن علي، وبقية رجاله ثقات.
وقال أيضًا في المصدر نفسه (5/117): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الرقيع، وهو ثقة. اهـ.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (5/245): رواه البزَّارُ بسند جيد. اهـ.
وقال الألباني في صحيح الجامع رقم 5311: صحيح.
ورمز لحسنه السيوطي في الجامع الصغير رقم 7680.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ( قال: «من تسحر أو تُسحر له فليس منا، أو تكهن أو تكهن له أو تطير أو تطير له».
أخرجه البزار كما في كشف الأستار (3/399) رقم 3043، والطبراني في الأوسط (5/143) رقم 4274، من طريق أبي عامر العقدي: ثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وَهْرام، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
قال البزار: لا نعلمه يروي عن النبي ( إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. اهـ.
قال الهيثمي في المجمع (5/117): رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفيه زمعة بن صالح، وهو ضعيف. اهـ.
وقال ابن عدي في الكامل (3/1087) في زمعة بن صالح المكي: «حديثه كأنه فوائد، وربما يهم في بعض ما يرويه، وأرجو أن حديثه صالح، لا بأس به». اهـ.
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: «لا يدخل الجنة مدمن الخمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم». أخرجه أحمد في المسند (4/399) رقم 19569، وابن حبان في الصحيح (12/166) رقم 5346، و(13/507) رقم 6137، والحاكم في المستدرك (4/146)، والأصبهاني في الترغيب (1/500) رقم 1210، وأبو يعلى في المسند (13/224). رقم 7248.
قال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافَقَه الذَّهَبِيُّ.
وقال الهيثمي في المجمع (5/74): «رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات». اهـ.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (: «لا يَدْخُلِ الجنةَ صاحبُ خَمْسٍ: مدمنُ خمر، ولا مؤمنٌ بسحر ولا قاطع رحم ولا كاهن ولا مَنَّانٌ».
أخرجه أحمد في المسند (3/14) رقم 11107، و (3/83) رقم 11781، والأصبهاني في الترغيب (1/505) رقم 1222 من طريق، عن سليمان الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية بن سعد العوفي عن أبي سعيد الخدري به.
قال الهيثمي في المجمع (5/74): رواه أحمد والبزار، وفيه عطية ابن سعد، وهو ضعيف وقد وثق. اهـ.
وقال عبد الرزاق في مصنفه (11/211) رقم 2035 عن معمر، عن قتادة، أن كعبًا قال: قال الله: «ليس مِنْ عِبادي مَنْ سَحَر، أو سُحِرَ له، أو كَهَنَ أو كُهِنَ له، أو تَطَيَّرَ، أو تُطِيِّرَ له، ولكن عبادي من آمن بي وتَوَكَّلَ عَلَيَّ». إسناده صحيح؛ إلا أن سماع قتادة من كعب لا أعلم عنه شيئًا.
وعن فقيه الأمة الإمام الحبر الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود أحد السابقين الأولين والنُّجَبَاء العاملين، وأحد أذكياء العلماء - رضي الله عنه - قال: «مَنْ مَشَى إلى ساحر أو كاهن أو عَرَّاف، فصدَّقَه بما يقول فقد كفر بما أُنْزِلَ على مُحَمَّدٍ (». أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (8/28) رقم 23875، وأبو يعلى في مسنده (9/280) رقم 5408، والبزار كما في كشف الأستار (2/443) رقم 2067، والبيهقي في الكبرى (8/8/136) من طريق أبي إسحاق، عن هبيرة بن بريم، عن عبد الله به.
قال البزار: رواه غير واحد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن عبد الله، حدثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام عن عبد الله.
قال الهيثمي معلقًا عليه: «قلت: فذكره بنحوه».
وقال الهيثمي أيضًا في المجمع (5/118): رجاله رجالُ الصحيح خلا هبيرة بن يريم وهو ثقة. اهـ.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (5/247) رقم 4395: رواه الطبراني في الكبير، ورواته ثقات. اهـ.
هذا لفظُ ابنِ أبي شَيْبَة، ولفظ البيهقي: «من أتى ساحرًا أو كاهنًا، أو عرافًا فصدقه. .. الحديث». ولفظ أبي يعلى: «من أتى عرافًا أو ساحرًا، أو كاهنًا، فسأله فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد (». ولفظ البزار: «من أتى كاهنًا أو ساحرًا، فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد (».
ونقل ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري (9/467) رقم 3871/62 عن الحسن البصري أنه قال: لا يجوز إتيان السحر؛ لما روى سفيان عن أبي إسحاق عن هبيرة، عن عبد الله بن مسعود قال: «من مشى إلى ساحر أو كاهن، فصدَّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد». اهـ.
قلت: جاء هذا الحديث موقوفًا على عبد الله، لكن له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال من قبل الرأي.
وعن بعض أزواج النبي (، عن النبي ( قال: «من أتى عَرَّافًا فَسَأَلَه عن شيء لم تُقْبَلْ له صلاة أربعين ليلة». أخرجه الإمام مسلم في الصحيح (4/1751) رقم 2230، والبيهقي في الكبرى (8/138). قال الإمام الموفَّق ابن قدامة – رحمه الله تعالى - في كتابه الكافي (5/334): قال الإمام أحمد: «العرافة طرف من السحر، والساحر أخبث؛ لأنه شعبة من الكفر». اهـ.
ونقله الإمام عبد الرحمن بن قاسم أيضًا في حاشيته على كتاب التوحيد ص207، ثم قال ابن قاسم معلِّقًا على قولِ ابنِ تيمية – رحمه الله تعالى: «العرَّاف اسم للكاهن والمنجم والرمال، ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق؛ فهؤلاء أدخلهم شيخ الإسلام في اسم العراف، والمقصود من هذا معرفة من يدعي معرفة علم شيء من المغيبات؛ فهو إما داخل في الكاهن، وإما مشارك له في المعنى؛ فيلحق به؛ وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف، ومنه ما هو من الشيطان، ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والسحر ونحو ذلك من علم الجاهلية أعداء الرسل؛ كالفلاسفة والكهان والمنجمين وجاهلية العرب قبل البعثة، وكل هذه يسمَّى صاحبُها كاهنًا وعَرَّافًا أو ما في معناهما، ومن أتاهم فَصَدَّقَهم بما يقولون لَحِقَه الوعيدُ، وكذا الذي يَعْزِمُ على المصروع، ويزعم أنه يجمع الجن وأنها تطيعه، والذي يحل السحر فإن كان ذلك لا يحصل إلا بالشرك والتقرب إلى الجن فإنه يكفر». اهـ.
...............
...........
.......
....
..
.
هذا والحمدلله رب العالمين وصلاة على اشرف الاتبياء صلى الله عليه وسلم.