هذه القصة ترويها امرأة عن نفسها فتقول :
منذ ثلاثين عاما كنت فتاة مغرورة و زوجة حديثة ترفع شعارات تحرير المرأة و ترى الزواج مجرد إجراء اجتماعي لا يترتب عليه أية واجبات ، و شاء الله أن أقيم مع أم زوجي حتى يوفر لي زوجي سكنا مستقلا بالمواصفات التي أريدها .
و كانت السنوات التي عشتها مع حماتي هي أسوأ سنوات عاشتها تلك السيدة الصابرة ، و كنت أنا للأسف سر هذا السوء ، فقد أعطيت أذني لنصائح الصديقات بأن أظهر لها العين الحمراء منذ البداية ، و لذلك قررت أن أحدد إقامة حماتي داخل حجرتها ، و أتسيد بيتها و أعاملها كضيفة ثقيلة ، كنت أضع ملابسها في آخر الغسيل ، فتخرج أقذر مما كانت ، و أنظف حجرتها كل شهر مرة ، و لا أهتم بأن أعد لها الطعام الخاص الذي يناسب مرضها ، و كانت كجبل شامخ تبتسم لي برثاء و تقضي اليوم داخل حجرتها تصلي و تقرأ القرآن و لا تغادرها إلا للوضوء أو أخذ صينية الطعام التي أضعها لها على منضدة بالصالة و أطرق بابها بحدة لتخرج و تأخذها .
و كان زوجي مشغولا في عمله ، و لذلك لم يلحظ شيئا و لم تشتكي هي إليه ، بل كانت تجيبه حين يسألها عن أحوالها معي بالحمد ، و هي ترفع يديها إلى السماء داعية لي بالهداية و السعادة .
و لم أجهد نفسي كثيرا في تفسير صبرها و عدم شكايتها مني لزوجي ، بل أعمتني زهوة الانتصار عن رؤية الحقيقة ، حتى اشتد عليها المرض و أحست هي بقرب الأجل ، فنادتني و قالت لي و أنا أقف أمامها متململة : لم أشأ أن أرد لك الإساءة بمثلها حفاظا على استقرار بيت ابني و أملا في أن ينصلح حالك ، و كنت أتعمد أن أسمعك دعائي بالهداية لك لعلك تراجعين نفسك ، لكن دون جدوى ، و لذلك أنصحك كأم بأن تكفي عن قسوتك على الأقل في أيامي الأخيرة لعلي أستطيع أن أسامحك . قالت كلماتها و راحت في غيبوبة الموت ، فلم تر الدموع التي أغرقت وجهي و لم تحس بقبلاتي التي انهالت على وجهها الطيب ، ماتت قبل أن أريها الوجه الآخر و أكفر عن خطاياي نحوها ، ماتت و زوجي يظن أنني خدمتها بعيني .
و كبر ابني و تزوج و لم يستطع توفير سكن خاص ، فدعوته للعيش معي في بيتي الفسيح الذي أعيش فيه وحدي بعد وفاة أبيه . و أدارت زوجته عجلة الزمن ، فعاملتني بمثل ما كنت أعامل حماتي من قبل ، فلم أتضجر ، لأن هذا هو القصاص العادل و العقاب المعجل ، بل ادخرت الصبر ليعينني على الإلحاح في الدعاء بأن يغفر الله لي .