تتحمّس العائلة كلها لوصول المولود الجديد. لكن قبل الولادة أو بعدها مباشرةً، قد نلاحظ ردود أفعال تنمّ عن حب التملك أو الغيرة من جانب أقرب الناس، لا سيما الشريك والأشقاء الصغار. يسهل أن تترسّخ مظاهر الصراع على السلطة في هذه الظروف.
أحلام بانتظار ولادة الطفل
مع ولادة أول طفل، تتغير حياة العائلة بطريقة جذرية. يحصل هذا التحول الكبير خلال مرحلتين مختلفتين: تمتد المرحلة الأولى على أشهر الحمل التسعة وتبدأ المرحلة الثانية يوم ولادة الطفل. تكون أول مرحلة غير ملموسة بالنسبة إلى الأب، فيقضي الزوجان لحظات رومانسية ويحلمان بالطفل المنتظر ويستمتعان بهذه المرحلة وبالهدوء الذي يرافقها ويتوقعان السعادة التي سيعيشانها مع ولادة الطفل. بشكل عام، تكون تجربة الأم قوية منذ البداية. لكن لا يدرك الأب حقيقة ما ينتظره مع أنه يعرف أن حياته ستكسب قيمتها الحقيقية بعد ولادة الطفل، فيبدأ بالتنبه إلى الأطفال المحيطين به ويلاحظ العناية الفائقة التي يحتاجون إليها ويتخيّل ما سيفعله مع طفله ويفتخر به قبل رؤيته! إنها نظرة مثالية عن تجربة الأبوة المرتقبة.
مفاجآت الولادة
قد يرغب الأب المعاصر في حضور ولادة طفله لكنه يفضّل التراجع حين يدرك ظروف الولادة الحقيقية وما يرافقها من ترقّب ومضاعفات محتملة وألم. لكنه يجد نفسه {سجيناً** في غرفة الولادة ولا يستطيع التهرب في اللحظة الأخيرة. بعد ولادة الطفل، قد يرتجف الأب حين يحتضنه ويعيش تجربة عاطفية قوية جداً.
انهيار الأوهام
مع مرور الوقت، يضطر الأب إلى فهم معنى الأبوة الحقيقية وتتغيّر نظرته إلى جميع الأطفال الذين يقابلهم لكنه يعجز عن تحديد الشعور الغريب الذي ينتابه بعد دخوله إلى هذا العالم الجديد. ولا يكون الوضع المستجد “وردياً” بقدر ما كان يظن، إذ يجب أن يولي اهتماماً خاصاً للمولود الجديد ويكيّف يومياته وفق إيقاع الطفل ويلبّي حاجاته ويدلّله ويحميه ويغذّيه ويعتني به. يكون التحول جذرياً ولا تعود الزوجة وحدها على رأس أولوياته.
قد يشعر الأب فجأةً بأنه ليس بارعاً بقدر الآباء الآخرين الذين يصادفهم وقد يجد صعوبة في التكيّف مع هذا التغيير ومع الضغوط التي يمكن أن ترافق ولادة الطفل الجديد (قلة نوم، تراجع المناسبات الاجتماعية...).
تتعلق مشكلة أخرى بتغيّر الزوجة أيضاً بعد إنجاب الطفل لأنها قد تصبح غامضة وعدائية وقد تنظر إلى الأب بطريقة غريبة وكأنها لا تعرفه. في المرحلة الأولى، قد تقع مشاكل لأن الزوج يشعر بأن زوجته لم تعد تهتم بطعامه وملابسه ولم تعد تصغي إليه حين يخبرها عن مشاكله المهنية وطموحاته... سرعان ما تصبح جلسات الكلام والمناسبات الرومانسية جزءاً من الماضي. قد تشعر الأم بتعب شديد يمنعها من الاهتمام بكل ما لا يرتبط بطفلها، فتحصر انتباهها بالضجة التي يصدرها من مهده وبأغراضه وطعامه وفيتاميناته وحرارة غرفته... حتى أنها قد تبالغ في حمايته وتنزعج حين يقترب منه الغرباء. في ظروف مماثلة، قد يلوم الأب نفسه ويشعر بأنه أناني إذا فكّر بحاجاته الخاصة. لا يمكن أن ينسى الأب أول سنة من حياة ابنه باعتبارها تجربة شاقة اختبر فيها معنى الهجران الظالم من جانب شريكته. لكن عند إنجاب طفل آخر بعد سنوات عدة، سيعتبر تلك التجربة مفيدة لأنها زادته نضجاً.
صراع على مستوى العائلة
ما إن يجتمع أجداد الطفل الجديد حول مهده، يبدأون بتشبيهه بالأب أو الأم لكن لا يتنبه الكثيرون إلى الحرب الخفيّة التي توشك على الاندلاع! يسود توتر معين بين أفراد العائلة. حين يعود الطفل إلى المنزل من المستشفى، يبقى مركز اهتمام الجميع ومحور أحاديثهم وتتلاحق الاقتراحات من عائلتَي الأم والأب لكن لا يعرض أي منهم المساعدة من دون مقابل. يحاول الجدّان بهذه الطريقة أن يخترقا مساحة الطفل تدريجاً، فيهرعان إليه حين يبدأ بالبكاء ويستغلان أي فرصة لتقديم خدماتهما، ويرحّب الوالدان بمساعدتهما في هذه المرحلة طبعاً. رغم الابتسامات التي تعلو وجوه الأجداد من العائلتين، تستغل الجهتان الفرصة للتغلب على الخصوم وفرض السيطرة.
على صعيد آخر، قد ينفعل الابن البكر عند الترحيب بشقيقه الجديد ويبكي حين يشعر بأنه مضطر إلى تقاسم عاطفة والديه مع الطفل الجديد حتى لو كلّماه مسبقاً عن المرحلة المرتقبة. قد يذهب إلى حد اعتباره دخيلاً على حياته. تكون هذه التجربة صعبة بالنسبة إلى جميع الأشقاء الذين يستقبلون طفلاً جديداً في العائلة. لا بد من مرور بعض الوقت قبل مداواة هذه الندوب الداخلية.
لكن إذا سارت الأمور بشكل سليم، قد تضمن مشاعر الغيرة مستوىً من النضج لدى الأولاد، فيتعلّمون معنى المعاناة والمشاركة وتجاوز الألم: إنها تجارب قيّمة لنموهم المستقبلي!