أصابته بعض المصائب فأشير عليه بأنها عين وعليه تغيير مسكنه
السؤال:
أسكن في نفس البيت منذ أن كنت صغيراً ، وقد كبرتُ فيه وتزوجت وأصبح عندي طفلين ، ثم فجأة وخلال الأعوام القليلة الماضية تقلبت الأحوال ، ومرضت زوجتي مرضاً عضالاً سيستمر معها بقية حياتها، وطفلي الثاني ظهر عليه ضعف ملحوظ ، وتدهورت حالتي المادية ، ودخلت القلاقل إلى عملي ، وغيرها من المشاكل التي يضيق المقام عن حصرها ، فأشار عليّ بعض الأصدقاء والأقارب أن أنتقل من البيت الذي أنا فيه ؛ لأنه ربما أصيب بعين فتسببت لي بكل هذه المشاكل، فهل يُعقل هذا ؟ وهل الانتقال من البيت كفيل بحلها ؟ أرجو الإفادة على ضوء الكتاب والسنة .
الجواب :
الحمد لله
الإصابة بالعين حق ، وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة لما صحّ من الأحاديث النبوية في إثباتها.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( العَيْنُ حَقٌّ ) رواه البخاري (5740) ، ومسلم (2187) .
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ) رواه مسلم ( 2188 ) .
فما قاله صاحبك من احتمال إصابتكم بعين هو أمر ليس بمستبعد ، لكن لا يلزم منه أن تكون الدار بذاتها مصابة بالعين ، فقد تكون العين أصابت أفراد عائلتك دون الدار .
ثانيا :
قد وضّح الشرع وفصّل كيفية العلاج من العين ، فعليك :
بتعلم الأذكار الشرعية المناسبة للعلاج من العين ، وقراءتها بإخلاص ويقين على المصاب ، ومن ذلك :
عَنْ عَائِشَةَ ، زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهَا قَالَتْ : " كَانَ إِذَا اشْتَكَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَاهُ جِبْرِيلُ ، قَالَ : ( بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ ) رواه مسلم (2185) .
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ : " أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ ؟ ) ، فَقَالَ : ( نَعَمْ ) ، قَالَ: ( بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللهُ يَشْفِيكَ ، بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ ) " رواه مسلم (2186) .
وواظب أنت وأهل بيتك على قراءة القرآن ، وعلى قراءة الأذكار الشرعية المسنونة في اليوم والليلة ، ويكفيك ما احتواه كتيب " حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة " للشيخ سعيد بن علي القحطاني .
وإذا عُرِف العائن ، فيؤمر بالوضوء ، ويغسل فيه داخل ثيابه مما يلي الجسد ، أو يقوم بالاغتسال في إناء ، ثمّ يصب كل ذلك على المريض .
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : " كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ " رواه أبو داود (3880) ، وصحح إسناده الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " (6 / 61) .
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم لرجل أصاب آخر بعينه حتى قارب الموت : ( عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ ؟ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ؟ ) ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: ( اغْتَسِلْ لَهُ ) فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ، وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ ، وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، فقام الرجل لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ " رواه أحمد في " المسند " (25 / 355 – 356) ، وصححه الألباني في " مشكاة المصابيح " (4562) .
ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم : (146637) ، والفتوى رقم : (11359) .
ثالثا :
مفارقة البيت لمن يظن أنه أصيب بعين ، أمر غير لازم ولا مطلوب ، لكن إذا كان الشخص كثير الابتلاء بالمصائب ، وهو محاط بجيران يظهر الحسد منهم ولا ترتاح نفسه بينهم ، فربما كان الأفضل له في هذه الحالة : أن يغير سكنه ـ إذا استطاع ذلك ـ حتى ترتاح نفسه وتذهب وساوسه .
ومما يستأنس به في هذا حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : " قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا ، وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا ، فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى ، فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا ، وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ذَرُوهَا ذَمِيمَةً ) " رواه أبوداود (3924) ، وحسنه الألباني في " السلسة الصحيحة " (790) .
فأذن لهم صلى الله عليه وسلم بالانتقال من البيت ، استعجالا للراحة ومفارقة للمكان الذي يستثقلونه .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" وإنما أمرهم صلى الله عليه وسلّم بالتحول عنها ، عندما وقع في قلوبهم منها ، لمصلحتين ومنفعتين :
إحداهما : مفارقتهم لمكان هم له مستثقلون ، ومنه مستوحشون ، لما لحقهم فيه ونالهم عنده ، ليتعجلوا الراحة مما داخلهم من الجزع في ذلك المكان ، والحزن والهلع ، لأن الله عز وجل قد جعل في غرائز الناس وتركيبهم : استثقال ما نالهم الشر فيه ، وإن كان لا سبب له في ذلك ، وحب ما جرى لهم على يديه الخير ، وإن لم يُرِدْهم به .
فأمرهم بالتحول مما كرهوه ؛ لأن الله عز وجل بعثه رحمة ولم يبعثه عذابا ، وأرسله ميسرا ولم يرسله معسرا ، فكيف يأمرهم بالمقام في مكان قد أحزنهم المقام به ، واستوحشوا عنده لكثرة من فقدوه فيه ، لغير منفعته ، ولا طاعة ، ولا مزيد تقوى وهدى ؟! ... " .
انتهى من " مفتاح دار السعادة " (3 / 1557) .
والله أعلم .
موقع الإسلام سؤال وجواب