( الرد الكافي لمَن سأل عن الجواب الشافي )
في شبهة عَمَل المرأة في المحاسَبة
السؤال:
بالنسبة لعمل المرأة في المحلات مثل الكاشيرة وغيرها ..
أنا مِمَن يرفض هذا العمل ، ولكن واجهتني شبهة ما استطعت الردَّ عليها .
قيل لي : وما الفرق بين عمل الكاشيرة وبين تلك النسوة التي يبعن في البسطات في الأسواق ؟ فلماذا تستسيغون عمل البسطات ولا تستسغيون عمل الكاشيرات
ولماذا يحرُم عمل الكاشيرة بينما كانت النساء يبعن في الأسواق في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
وأسأل الله لك توفيقًا وسدادًا وعلوّ مَقام في الدنيا والآخِرة وأن يقرّ الله عينك بِكل ما ترجوه .
الجواب :
آمين ، ولك بمثل ما دعوت .
هذه شُبهة واهية ، وهي مما يتلقّفه بعض الناس مِن غلمان الصحافة !
ومشكلة بعض الناس أنهم مِن الأنواع الإسفنجية !
قال ابن القيم رحمه الله: وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - وقد جَعَلْتُ أُورِد عليه إيرَادًا بعد إيرَاد - : لا تَجعل قَلْبَك للإيرَادات والشُّبُهَات مثل السفنجة فَيَتَشَرّبها ، فلا يَنْضَح إلاَّ بها ، ولكن اجْعَله كالزُّجَاجة الْمُصْمَتَة تَمُرّ الشُّبُهات بِظاهرها ولا تَسْتَقِرّ فيها ، فَيَرَاها بِصَفائه ، ويدفعها بِصلابته ، وإلاَّ فإذا أَشْرَبْتَ قلبك كل شبهة تَمُرّ عليها صار مَقَرًّا للشُّبُهَات . أو كما قال . فما أعلم أني انتفعت بِوَصِية في دَفْع الشُّبُهَات كَانْتِفَاعِي بذلك . اهـ .
كثير مِن الناس يَتَشَرَّبُون كُلّ ما تبثّه وسائل الإعلام ، ولا يمتثلون أمْر ربِّهم فيرجعون بذلك إلى علمائهم .
قال الله تعالى : (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) .
قال القرطبي رحمه الله : ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) أي : يستخرجونه ، أي لَعَلِمُوا ما ينبغي أن يُفْشَى منه ، وما ينبغي أن يُكْتَم . اهـ .
ولا يَرُدّون ما تنازعوا فيه إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
قال عَزّ وَجَلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) قال القرطبي : فأمَرَ تَعَالى بِرَدّ الْمُتَنَازَع فيه إلى كتاب الله وسُنة نَبِيِّه صلى الله عليه وسلم ، وليس لغير العلماء مَعرفة كَيفية الرَّدّ إلى الكتاب والسُّنة ، ويَدُلّ هذا على صِحّة كَون سُؤال العُلماء وَاجِبًا ، وامْتثال فَتْوَاهم لازِمًا . اهـ .
وأما ما يتعلّق بهذه الشُّبْهَة ، فهو مثل ما يتعلَّق بِشُبْهَة قَبْلَها ، وهي : الاختلاط .
فيقولون : أي فَرْق بين اختلاط الجنسين في الأسواق وفي البيوت وبين اختلاطهم في المدارِس والجامعات ؟
فالجواب عن هذا :
أن مَن يجعل اختلاط الجنسين في الأسواق مثل اختلاط المدارِس والجامعات ، ومَن يَجْعَل بيع النساء في البسطات مثل عَمَل الْمُحاسِبَات " الكاشيرات " هو مثل مَن يَجعل النار التي يُطبَخ عليها مثل إحراق البيوت أو إحراق الغابات !
فيقول : أي فَرْق بين نارٍ يُشعلها الشخص ليطبخ عليها ، وبين أن يُشعِل بيتًا أو غابة بأكملها ؟!
ذلك أن عمل المراة في بَسْطة صغيرة ، عادة لا يقوم بها إلاَّ امرأة كبيرة في السِّنّ ، مع عدم الاحتكاك بالرِّجَال ، وعدم الخلوة بهم ، بل تكون مِن وراء بَسْطتها ! مع حرصها في كثير مِن الأحيان على حيائها وحشمتها .
أما عَمَل الْمُحاسِبَة فهو بِخلاف ذلك تماما !
ففي الغالب التي تعمل فيه امرأة شابّة ، تتزيّن عند كل خروج ! وتحتَكّ بالرِّجَال ، بل وقد تخلو بهم في ساعات متأخِّرَة مِن الليل !
وفي القريب ستحتاج الْمُحاسِبَة إلى دورات تزيد مِن كفاءتها ثم تُسافِر مع غير مَحْرَم بِصُحْبَة زملاء العمل ! لكي تحصل على دورات تدريبية !
كل هذا باسْم عَمَل المرأة كَمُحاسِبَة !
وهذه نار فِتنة ، وليست بِنار يُوقِدها صاحبها ليطبخ ما يأكله !
وكَذَبُوا – كَعَادَتِهم – حينما عَمِلَت المرأة مُضيفة في الطائرات بأن ذلك مِن أجل خِدمة النساء اللواتي يُسافِرن على الطائرات !
وكانت تلك حُجّة باهتة ! ما لَبِثَت أن تكشَّفَت نواياها ، وظَهَر عوارها ، وبَانَت بَنَات سَوءاتها !
فالمرأة التي تعمل مُضيفة طيران ، لا تخدم النساء فحسب ، بل تخدِم الرِّجَال والنساء على حدٍّ سواء ! وتخلو بزملاء العَمل ! وتُحادِثهم وتُمازِحهم ! ويُسْدَل السِّتَار عليهم بين ممرّات الطائرات ! وتُسافِر الأسفار الطويلة مِن غير مَحْرَم ! وإذا نَزَلت في بلد غير بلدها سَكَنَتْ معهم في فندق واحد !
ولا تَسَل بعدها عن النار إذا سُكِب عليها الوقود !
وقواعد الشريعة تَنُصّ على حَسْم مادة الفَسَاد .
قال شيخ الإسلام : الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان . ومَطْلُوبها ترجيح خَير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعا ، ودفع شَرّ الشَّرَّين إذا لم يندفعا جميعا . اهـ .
وقال ابن القيم : ولِيَعْلَم العاقل أن العَقْل والشَّرْع يُوجِبَان تَحْصِيل المصالح وتَكْمِيلها ، وإعدامَ المفاسد وتَقْليلها . اهـ .
وقال الشيخ ابن سعدي :الشَّارِع لا يأمُر إلاَّ بِمَا مَصْلَحَته مُتَحَقِّقَة أو رَاجِحَة . ولا ينْهَى إلاَّ عَمَّا مَفْسَدته مُتَحَقِّقَة أو رَاجِحَة . اهـ .
وقواعد الشريعة تَنُصّ على أن درء – دَفْع – الْمفاسِد مُقدَّم على جَلْب الْمصالِح .
وقواعد الشريعة تَنُصّ على سَدّ الذرائع .
وقواعد الشريعة تَنُصّ على أن ما أفْضَى – أدّى – إلى مُحرَّم فهو مُحرَّم .
وقواعد الشريعة تَنُصّ على أن الضرر يُزَال .
وعَمَل المرأة مُحاسِبَة في سوق عام يَدْخُل تحت كل هذه القواعِد .
فهو فَسَاد عاجِل وآجِل .
وهو ذريعة إلى الفساد .
وهو مُفْضٍ إلى الفساد والإفساد .
وهو ضَرر على المرأة العامِلة وعلى المجتمع بأسْرِه .
وهو – وإن كان فيه مصلحة للمرأة العامِلة – إلاّ أن مَفَاسِده تَرْبُو على مَصَالِحه ، فهو مُنْدَرِج تحت قاعِدة " درء الْمفاسِد مُقدَّم على جَلْب الْمصالِح " .
وقد قال الله تعالى عن الخمر : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) .
وعَمَل المرأة مثل هذا ؛ فَفِيه منفعة للمرأة العامِلة ، وإثمه أكْبَر مِن نَفْعِه !
وقد فَرّق العلماء بين المرأة الشابّة وبين العجوز حتى في ردّ السلام وفي الـتَّشْمِيت !
قال الإمام مالك رحمه الله : أرَى للإمام أن يَتَقَدَّم إلى الصّيّاغ في قُعود النساء إليهم ، وأرَى ألاَّ يَتْرُك المرأة الشابة تَجْلِس إلى الصُّيَّاغ .
وقال ابن مُفلح : قَالَ ابْنُ تَمِيم : لا يُشَمِّتُ الرَّجُلُ الشَّابَّةَ .
وَقَالَ السَّامِرِيُّ : يُكْرَهُ أَنْ يُشَمِّتَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ إذَا عَطَسَتْ ، وَلا يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْعَجُوزِ . اهـ .
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله : مِهنة البيع لا يَتولاّها النساء الفاتنات !
ثم قال رحمه الله : اتَّصَل بِعِلْمِي أنه يوجد في السوق (بالمقيبرة) نِساء يَبعن البَيْض ! مقدار خمس نساء ، وهُنّ نِساء فاتِنات للرِّجال ، لِجَمَالِهن ، وتَبَرّجِهن بالملابس والْحُلِيّ ، ويُصَافِحْن الرجال بأيديهن ، وأنه يُشَاهَد بعض سفلة الرجال يجلسون إليهن ويتكلمون معهن ، وحيث أن ذلك مُنْكَر ظَاهِر ، فإنا نأمل منعهن مِن هذه المهنة ، ولا يُسْمَح أن يَتَوَلَّى ذلك إلاَّ رِجال ، أو نساء عَجائز ليس فيهن شُبهة ما دُمْن بهذه الحالة . اهـ .
ثم إن خروج المرأة واختلاطها بالرِّجَال أصل كل بلاء وفساد !
وهو خِلاف ما أمَر الله بِه مِن القَرار في البيت .
قال ابن الملقِّن في قوله عليه الصلاة والسلام : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " :
فيه دلالة على استقرار المرأة في بَيْتِها ، وأن لا تَخْرُج منه إلاَّ لِمَصْلَحة شَرعية ، وأن تَرْجِع إليه بعد فراغها منه . اهـ .
وقد نصّ الإمام ابن القيم على " أن ولي الأمر يَجَب عليه أن يَمْنَع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفُرَج ومَجَامِع الرجال . قال مالك رحمه الله ورضي عنه : أرى للإمام أن يتقدّم إلى الصّيّاغ في قعود النساء إليهم ، وأرى ألا يَترك المرأة الشابة تَجْلس إلى الصياغ " .
وقال ابن القيم رحمه الله : ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصْل كُلّ بَلِية وشَرّ ، وهو من أعظم أسباب نُزول العقوبات العامة ، كما أنه مِن أسباب فَساد أمور العامة والخاصة ، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا ، وهو مِن أسباب الموت العام ، والطَّواعين الْمُتَّصِلَة . فمن أعظم أسباب الموت العام : كثرة الزنا بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال ، والمشي بينهم مُتَبَرِّجَات مُتَجَمِّلات اهـ .
وقال شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله : أمْر الله سبحانه للمرأة بِقَرَارِها في بيتها ونَهيها عن التبرج معناه : النهي عن الاختلاط ، وهو : اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات في مكان واحد بِحُكْم العمل أو البيع أو الشراء أو النُّزْهَة أو السفر أو نحو ذلك ؛ لأن اقتحام المرأة في هذا الميدان يُؤدِّي بها إلى الوقوع في المنهي عنه ، وفي ذلك مُخَالَفة لأمر الله وتضييع لحقوقه المطلوب شَرْعًا مِن الْمُسْلِمَة أن تَقوم بها . اهـ .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد