شروط قبول العمل
بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن من العلم الواجب على كل مسلم ومسلمة معرفته والعمل به تعلُّمَ شروط قَبول العمل عند الله سبحانه وتعالى؛ فالعمل لا يكون صحيحًا حتى تتوفر فيه ثلاثة شروط انعقد عليها إجماعُ علماءِ الأمَّة من زمن الصحابة إلى يومِنا هذا، ودلَّت عليها الأدلةُ الصحيحة الصريحة الكثيرة من كتاب الله - سبحانه وتعالى - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
الشرط الأول: الإسلام: وهو لغةً: الاستسلامُ، وشرعًا: هو الاستسلام لله -تعالى- بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشِّرك وأهله، وبمعنى آخر: هو الانقيادُ لأوامر الله برضًا وإخلاص؛ قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، ولا يكون الإنسانُ تقيًّا حتى يكونَ مسلمًا، ولفظ "إنما" يفيد في اللغة الحصرَ والقصر والاختصاص؛ أي: تقبُّلُ الأعمالِ محصورٌ في المسلمين المتَّقين.
الشرط الثاني: الإخلاص: وهو لغةً: الصفاءُ، نقول: خالصُ ماء الورد، إذا صُفِّي من الشوائبِ، وشرعًا: هو الابتغاءُ بالعبادة وجهَ الله وثوابَه دون رياءٍ ولا سمعةٍ ولا مصلحة دنيوية؛ قال الله -تعالى-: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5]، وقال - سبحانه -: ﴿ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 2، 3]، وقال - سبحانه -: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ ﴾ [الزمر: 14، 15]، وقال -تعالى- واصفًا عبادَه المخلصين: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 8 - 12] إلى آخر الآيات، وقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى)).
وللإخلاص ثلاثة قوادح تُفسِده، وبالتالي تُفسِدُ العملَ:
القادح الأول: الرياء: وهو لغةً: الإظهار، نقول: أراه الشيء، إذا أظهره له، وشرعًا: هو إظهار العبادةِ للناس ابتغاءَ إعجابهم؛ قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أخوفُ ما أخاف على أمَّتي الشِّركُ الخفيُّ))، قيل: ما الشِّرك الخفيُّ يا رسول الله؟ قال: ((الرياء))، وفي رواية: قال: ((أن يُزيِّنَ الرجلُ صلاتَه ليراه الرَّجل)).
القادح الثاني: السمعة: وهي لغةً: الدعايةُ أو التحديثُ بالشيء، وشرعًا: هي تحديثُ الناس بالعبادة ابتغاءَ إعجابهم؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمَّع، سمَّع اللهُ به))؛ أي: أسمع اللهُ الناسَ عيوبَه يوم القيامة.
ولا يدخل في الرياء ولا السمعة مَن يُظهِر العبادة للناس أو يحدِّثُهم بها قصدَ تشجيعهم على الخير؛ قال -تعالى-: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ﴾ [البقرة: 271]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الدالُّ عل الخيرِ كفاعلِه)).
القادح الثالث: فعلُ العبادة ابتغاءَ مصلحة دنيوية؛ قال - سبحانه -: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾ [النساء: 142]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فمَن كانت هجرَتُهُ إلى الله ورسولِه، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرتُه لدنيا يصيبُها، أو امرأة ينكحُها، فهجرتُه إلى ما هاجَر إليه)).
الشرط الثالث: الاتباع: وهو موافقةُ العمل لسنَّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال -تعالى-: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقال اللهُ -تعالى-: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، وقال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن أحدَث في أمرِنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ))؛ أي: مَن خالَف سنَّةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في العبادةِ، فعملُه غيرُ مقبول.
نسأل الله - تعالى - أن يجعَلَنا من المسلمين المخلِصين المتَّبِعين، وأن يتقبَّلَ أعمالنا؛ إنه جوَادٌ كريم، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين.