عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله- - كان يتنفس فيالشراب ثلاثًا؛ يعني: يتنفس خارج الإناء؛ متفق عليه. شرح الحديث: كراهة التنفس في الإناء أثناء الشرب، وهذا فيه ناحية نفسية وطبيَّة؛ ناحية نفسية، وذلك أن مَن سيَشرب بعده، قديكره الشرب من الإناء، وقد تتغير رائحة الماء إذا كان المتنفس مريضًا. ناحية طبية، وذلك أن الأمراض تنتقل عنطريق التنفُّس، وناحية طبية للشارب نفسه؛ إذ إنه إذا أبعد الإناء عن فمه، تنفَّس بهدوءٍ، ثم يشرب مرة أخرى؛ ولذا كان رسول الله- - يتنفَّس في الشراب ثلاثًا، ويقول: «إنه أروى وأبرَأ وأمْرَأ»، قالأنس: فأنا أتنفس في الشراب ثلاثًا؛ رواه مسلم. وقد سأل مروان بن الحكم أبا سعيد الخدري، فقال: أسمِعتَ أنّ رسول الله- - ينهى عن النَّفخ فيالشراب؟ فقال له أبو سعيد: نعم، فقال له رجل: يا رسول الله، إني لا أُروىمن نفسٍ واحد، فقال
له رسول الله- -: «فأبِنِ القَدح عن فيك، ثم تنفَّس»، قال: فإني أرى القذاة فيه، قال: «فأهْرِقها»؛ رواهالإمام أحمد، والإمام مالك، وابن حِبان، والبيهقي في شُعب الإيمان، وغيرهم، وصحَّحه الألباني. ومعنى (فأبِن)؛ أي: فأبْعِد. ونهى رسول الله- - عنالشرب من ثُلمة القدح، وأن ينفخ في الشراب؛ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، وغيرهما، وهو حديث حسن؛ كما قال الألباني. ويَلحق بهذا النهي النفخ في الإناء، خاصة إذا كان هناك مَن يشرب بعده. قال الحليمي: وهذالأن البخار الذي يرتفع من المعدة أو ينزل من الرأس، وكذلك رائحة الجوف-
قد يكونان كريهين، فإما إن يَعلقا بالماء، فيضُرَّا، وإما أن يُفسداالسُّؤر على غير الشارب؛ لأنه قد يتقذَّر إذا علِم به، فلا يشرب؛ نقَلهعنه الإمام البيهقي، ثم قال: وذكر كُليب الجَرْمي أنه شهِد عليًّا- رضي الله عنه- نهى القصَّابين عن النفخ في اللحم، وهو نظير النَّفخ فيالطعام والشراب الذي جاء النهي عنه؛ لأن النَّكهة ربما كانت كريهة، فكرَّهت اللحم وغيَّرت رِيحه، وقد عُرِف ذلك بالتجارب؛ والله أعلم.