هناك هدف وحيد يسعى الشيطان لتحقيقه في نهاية الأمر ، هو أن يلقي الإنسان في الجحيم ، ويحرمه من الجنّة
( إنَّما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السَّعير )
وسائل الشيطان
1- إيقاع العباد في الشرك والكفر :
وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير الله ، والكفر بالله وبشريعته : ( كمثل الشَّيطان إذ قال للإنس اكْفُرْ فلمَّا قال إني بريءٌ منك )
روى مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم ، فقال في خطبته : ( يا أيها الناس ، إن الله أمرني أن أعلمكم ما جهلتهم مما علمني يومي هذا ، كل مال نحلته عبداً حلال ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً )
2- إيقاعهم في الذنوب والمعاصي :
فإذا لم يستطع إيقاعهم في الشرك والكفر ، فإنه لا ييأس ، ويرضى بما دون ذلك من إيقاعهم في الذنوب والمعاصي ، وغرس العداوة والبغضاء في صفوفهم ، ففي سنن الترمذي : ( ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلادكم هذه أبداً ، ولكن ستكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم ، فسيرضى به )
وفي صحيح مسلم عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم )
أي بإيقاع العداوة والبغضاء بينهم ، وإغراء بعضهم ببعض
قال تعالى : ( إنَّما يريد الشَّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدَّكم عن ذكر الله وعن الصَّلاة فهل أنتم منتهون )
وهو يأمر بكل شر : ( إنَّما يأمركم بالسُّوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )
3- إيقاعهم في البدعة :
وهي أحب إلى الشيطان من الفسوق والمعاصي ؛ لأن ضررها في الدين
قال سفيان الثوري : البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ؛ لأن المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها
4- الصد عن طاعة الله :
وهو لا يكتفي بدعوة الناس إلى الكفر والذنوب والمعاصي ، بل يصدهم عن فعل الخير ، فلا يترك سبيلاً من سبل الخير ، يسلكه عبد من عباد الله إلا قعد فيه ، يصدّهم ويميل بهم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه ، فقعد له بطريق الإسلام ، فقال : تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك ؟! فعصاه ، فأسلم
ثم قعد له بطريق الهجرة ، فقال : تهاجر وتدع أرضك وسماءك ؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول . فعصاه ، فهاجر .
ثم قعد له بطريق الجهاد ، فقال : تجاهد فهو جهد النفس والمال ، فتقاتل فتقتل ، فتنكح المرأة ويقسم المال ؟! فعصاه ، فجاهد .
فمن فعل ذلك ، كان حقّا على الله أن يدخله الجنّة ، ومن قتل ، كان حقّاً على الله أن يدخله الجنّة ، وإن غرق ، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة ، أو وقصته دابته ، كان حقّاً على الله أن يدخله الجنة )
ومصداق ذلك في كتاب الله ما حكاه الله عن الشيطان أنه قال لرب العزة : ( قال فبما أغويتني لأقعدنَّ لهم صراطك المستقيم ثُمَّ لآتِيَنَّهُم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شَمَآئِلِهِمْ ولا تجد أكثرهم شاكرين )
وقوله : ( لأقعدنَّ لهم صراطك ) أي : على صراطك ، فهو منصوب بنزع الخافض ، أو هو منصوب بفعل مضمر ، أي : لألزمنّ صراطك ، أو لأرصدَنّه ، أو لأعوجنه
فالشيطان لا يدع سبيلاً من سبل الخير إلا قعد فيه يصد الناس عنه
5- إفساد الطاعات :
إذا لم يستطع الشيطان أن يصدهم عن الطاعات ، فإنه يجتهد في إفساد العبادة والطاعة ، كي يحرمهم الأجر والثواب ، ومن ذلك أن الصحابي عثمان بن أبي العاص أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي ، يَلبِسها عليّ )
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذلك شيطان يقال له : خِنْزب ، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه ، واتفل على يسارك ثلاثاً ) . قال : ففعلت ذلك ، فأذهبه الله عني )
جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط ، حتى لا يسمع التأذين ، فإذا قضي النداء أقبل ، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر ، حتى يخطر بين المرء ونفسه ، يقول اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكـن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى )
6- الإيذاء البدني والنفسي :
كما يهدف الشيطان إلى إضلال الإنسان بالكفر والذنوب ، فإنه يهدف إلى إيذاء المسلم في بدنه ونفسه
مهاجمة الرسول صلى الله عليه وسلم :
أخبرنا رسول صلى الله عليه وسلم بمهاجمة الشيطان له ، ومجيء الشيطان بشهاب من نار ليرميه في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم
الحلم من الشيطان :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الرؤيا ثلاث : فبشرى ، من الرحمن ، وحديث نفس ، وتخويف من الشيطان )
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها ، فإنما هي من الله ، فليحمد الله عليها ، وليحدّث بها ، وإذا رأى غير ذلك مما يكره ، فإنما هي من الشيطان ، فليستعذ من شرها ، ولا يذكرها لأحد ، فإنها لا تضره )
إحراق المنازل بالنار :
وذلك بوساطة بعض الحيوانات التي يغريها بذلك ، ففي سنن أبي داود بإسناد صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا نمتم فأطفئوا سُرُجكم ، فإن الشيطان يدلّ مثل هذه ( الفأرة ) على هذا ( السراج ) فيحرقكم )
تخبط الشيطان الإنسان عند الموت :
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من ذلك فيقول : ( اللهم إني أعوذ بك من التردي ، والهدم ، والغرق ، والحريق ، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت ، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً ، وأعوذ بك أن أموت لديغاً )
إيذاؤه الوليد حين يولد :
في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كلّ بني آدم يمسّه الشيطان يوم ولدته أمّه إلا مريم وابنها )
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن ، فطعن الحجاب )
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهل صارخاً من مس الشيطان ، غير مريم وابنها )
والسبب في حماية مريم وابنها من الشيطان استجابة الله دعاء أم مريم حين ولدتها : ( وإنَّي أعيذها بك وذريتها من الشَّيطان الرَّجيم ) ولذا فإن أبا هريرة قرأ هذه الآية بعد روايته للحديث السابق
مرض الطاعون من الجن :
أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ( فناء أمته بالطعن والطاعون ؛ وخز أعدائكم من الجنّ ، وفي كلّ شهادة )
وفي مستدرك الحاكم : ( الطاعون وخز أعدائكم من الجن ، وهو لكم شهادة )
وما أصاب نبي الله أيوب كان بسبب الجن كما قال تعالى : ( واذكر عبدنا أيُّوب إذ نادى ربه أنَّي مَسَّنِيَ الشَّيطان بنصبٍ وعذابٍ )
بعض الأمراض الأخرى :
قال صلى الله عليه وسلم للمرأة المستحاضة ، وهي حمنة بنت جحش : ( إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان )
مشاركته لبني آدم في طعامهم وشرابهم ومسكنهم :
ومن الأذى الذي يجلبه الشيطان للإنسان أن يعتدي على طعامه وشرابه فيشركه فيهما ، ويشركه في المبيت في منزله ، ويكون ذلك منه إذا خالف العبد هدي الرحمن ، أو غفل عن ذكر الله ، أمّا إذا كان ملتزماً بالهدى الذي هدانا الله إليه ، لا يغفل عن ذكر الله ، فإن الشيطان لا يجد سبيلاً إلى أموالنا وبيوتنا .
فالشيطان لا يستحل الطعام إلا إذا تناول منه أحد بدون أن يُسَمّي ، فإذا ذكر اسم الله عليه ، فإنّه يحرم على الشيطان
روى مسلم في صحيحه عن حذيفة ، قال : ( كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيضع يده ، وإنّا حضرنا معه مرة طعاماً ، فجاءَت جارية كأنها تدفع ، فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها ، ثم جاء أعرابي كأنما يدفع ، فأخذ بيده )
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنّ الشيطان ليستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحلّ بها ، فأخذت بيدها ، فجاء بهذا الأعرابي ليستحلّ به ، فأخذت بيده ، والذي نفسي بيدي إن يده في يدي مع يدها )
وقد أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نحفظ أموالنا من الشيطان وذلك بإغلاق الأبواب ، وتخمير الآنية ، وذكر اسم الله ؛ فإن ذلك حرز لها من الشيطان
ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أغلقوا الأبواب ، واذكروا اسم الله ، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً ، وأوكوا قربكم ، واذكروا اسم الله ، وخمروا آنيتكم ، واذكروا اسم الله ، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً ، وأطفئوا مصابيحكم )
ويشرب الشيطان مع الإنسان إذا شرب واقفاً ، عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يشرب قائماً ، فقال له : ( قِهْ ) ، قال : لمه ؟ قال : ( أيسرك أن يشرب معك الهر ؟ ) قال : لا ، قال : ( فإنه قد شرب معك من هو شرّ منه الشيطان )
وكي تطرد الشياطين من المنزل لا تنس أن تذكر اسم الله عند دخول المنزل ، وقد أرشدنا الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك ، حيث يقول : ( إذا دخل الرجل بيته ، فذكر الله عند دخوله وعند طعامه ، قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإن دخل ، فلم يذكر الله عند دخوله ، قال الشيطان : أدركتم المبيت ، وإن لم يذكر الله عند طعامه ، قال : أدركتم المبيت والعشاء )
مس الشيطان للإنسان ( الصرع ) :
يقول ابن تيمية : ( دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة ، قال الله تعالى : ( الَّذين يأكلون الرِّبَا لا يقومون إلاَّ كما يقوم الَّذي يتخبَّطه الشَّيطان من الْمَسِّ ) وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم )
وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل : ( قلت لأبي : إن أقواماً يقولون : إن الجني لا يدخل في بدن المصروع ، فقال : يا بني يكذبون ، هذا يتكلم على لسانه )
يقول ابن تيمية : ( هذا الذي قاله مشهور ، فإنّه يصرع الرجل ، فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ، ويُضْرب على بدنه ضرباً عظيماً ، لو ضرب به جمل ، لأثر به أثراً عظيماً ، والمصروع مع هذا لا يحس الضرب ، ولا بالكلام الذي يقوله ، وقد يُجَرّ المصروعُ ، وغير المصروع ، ويجر البساط الذي يجلس عليه ، ويحول الآلات ... ويجري غير ذلك من الأمور من شاهدها أفادته علماً ضرورياً ، بأن الناطق على لسان الإنس ، والمحرك لهذه الأجسام ، جنس آخر غير الإنسان )
ويقول رحمه الله ( وليس في أئمة المسلمين من ينكر دخول الجن في بدن المصروع وغيره ، ومن أنكر ذلك ، وادعى أن الشرع يكذب ذلك ، فقد كذب على الشرع ، وليس في الأدلة الشرعية ما ينفي ذلك )
وسيتم شرح الموضوع كاملا لاحقا في هذه الدورة باذن اللـــــــــــه