قال العلامة الفهامة المحقق محمد بن صالح العثيمين رحمه اله تعالى في مجالس شهر رمضان مبينا كل ما يتعلق بأحكام زكاة الفطر ما يلي :
إخواني: إن الله شرع لكم في ختام شهركم هذا أن تؤدوا زكاة الفطر قبل صلاة العيد.
وسنتكلم في هذا المجلس عن حكمها وحكمتها، وجنسها ومقدارها، ووقت وجوبها، ودفعها، ومكانها.
1: حكمها
فأما حكمها: فإنها فريضة، فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وما فرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فله حكم ما فرضه الله تعالى أو أمر به، قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً**، وقال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً**، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا**.
على من تجب ؟
وهي فريضة على الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، من المسلمين، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين" متفق عليه.
ولا تجب عن الحمل الذي في البطن، إلا أن يتطوع بها فلا بأس، فقد كان أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه يخرجها عن الحمل.
ويجب إخراجها عن نفسه، وكذلك عمن تلزمه مؤونته من زوجة أو قريب، إذا لم يستطيعوا إخراجها عن أنفسهم، فإن استطاعوا فالأولى أن يخرجوها عن أنفسهم، لأنهم المخاطبون بها أصلاً.
ولا تجب إلا على من وجدها فاضلة زائدة عما يحتاجه من نفقة يوم العيد وليلته، فإن لم يجد إلا أقل من صاع أخرجه، لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ**، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" متفق عليه.
2 : حكمتها .
وأما حكمتها: فظاهرة جداً، ففيها: إحسان إلى الفقراء، وكف لهم عن السؤال في أيام العيد؛ ليشاركوا الأغنياء في فرحهم وسرورهم به، ويكون عيداً للجميع. وفيها: الاتصاف بخلق الكرم وحب المواساة. وفيها: تطهير الصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم. وفيها: إظهار شكر نعمة الله بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة فيه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبو داود وابن ماجه.
3 : جنسها :
وأما جنس الواجب في الفطرة: فهو طعام الآدميين، من تمر، أو بر، أو رز، أو زبيب، أو أقط، أو غيرها من طعام بني آدم، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير" وكان الشعير يومذاك من طعامهم، كما قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، وكان طعامنا الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر"رواه البخاري.
فلا يجزئ إخراج طعام البهائم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها طعمة للمساكين لا للبهائم.
ولا يجزئ إخراجها من الثياب والفرش والأواني والأمتعة، وغيرها مما سوى طعام الآدميين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرضها من الطعام، فلا تتعدّى ما عيّنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا يجزئ إخراج قيمة الطعام، لأن ذلك خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه امرنا فهو رد"
وفي رواية: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" رواه مسلم، وأصله في الصحيحين. ومعنى "رد": مردود.
ولأن إخراج القيمة مخالف لعمل الصحابة رضي الله عنهم ، حيث كانوا يخرجونها صاعًا من طعام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي".
ولأن زكاة الفطر عبادة مفروضة من جنس معين، فلا يجزئ إخراجها من غير الجنس المعين، كما لا يجزئ إخراجها في غير الوقت المعين.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم عينها من أجناس مختلفة وأقيامها مختلفة غالباً، فلو كانت القيمة معتبرةً لكان الواجب صاعاً من جنسٍ، وما يقابل قيمته من الأجناس الأخرى.
ولأن إخراج القيمة يخرج الفِطرة عن كونها شعيرة ظاهرة بين المسلمين إلى كونها صدقة خفيّة، فإن إخراجها صاعاً من طعامٍ يجعلها ظاهرة بين المسلمين، معلومة للصغير والكبير، يشاهدون كيلها وتوزيعها، ويتبادلونها بينهم، بخلاف ما لو كانت دراهم يخرجها الإنسان خفيّة بينه وبين الآخذ.
4 : مقدارها :
وأما مقدار الفطرة: فهو صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يبلغ وزنه بالمثاقيل: أربعمائة وثمانين مثقالاً من البر الجيد. وبالغرامات: كيلوين اثنين وخمسي عُشر كيلو من البر الجيد. وذلك لأن زنة المثقال: أربعة غرامات وربع، فيكون مبلغ أربعمائة وثمانين مثقالاً: ألفي غرام وأربعين غراماً. فإذا أراد أن يعرف الصاع النبوي فليزن كيلوين وأربعين غراماً من البر، ويضعها في إناء يقدرها بحيث تملؤه، ثم يكيل به.
5 : وقت وجوبها :وأما وقت وجوب الفطرة: فهو غروب الشمس ليلة العيد، فمن كان من أهل الوجوب حينذاك وجبت عليه وإلا فلا.
وعلى هذا: فإذا مات قبل الغروب ولو بدقائق لم تجب الفطرة، وإن مات بعده ولو بدقائق وجب إخراج فطرته، ولو ولد شخص بعد الغروب ولو بدقائق لم تجب فطرته، لكن يسن إخراجها كماسبق، وإن ولد قبل الغروب ولو بدقائق وجب إخراج الفطرة عنه.
وإنما كان وقت وجوبها غروب الشمس من ليلة العيد لأنه الوقت الذي يكون به الفطر من رمضان، وهي مضافة إلى ذلك، فإنه يقال: "زكاة الفطر من رمضان"، فكان مناط الحكم ذلك الوقت.
وأما زمن دفعها: فله وقتان: وقت فضيلة، ووقت جواز.
فأما وقت الفضيلة: فهو صباح العيد قبل الصلاة، لما في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نخرج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعاً من طعام". وفيه أيضاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة" ورواه مسلم وغيره.
وقال ابن عيينة في تفسيره، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة قال: "يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته، فإن الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى**.
ولذلك كان من الأفضل: تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتسع الوقت لإخراج الفطرة.
وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين، ففي صحيح البخاري عن نافع قال: "كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى إن كان يعطي عن بنيّ، وكان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين".
ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخرها عن صلاة العيد بلا عذر لم تقبل منه، لأنه خلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".
أما إن أخّرها لعذر فلا بأس، مثل أن يصادفه العيد في البر ليس عنده مايدفع منه، أو ليس عنده من يدفع إليه. أو يأتي خبر ثبوت العيد مفاجئاً بحيث لا يتمكن من إخراجها قبل الصلاة، أو يكون معتمداً على شخص في إخراجها فينسى أن يخرجها، فلا بأس أن يخرجها ولو بعد العيد، لأنه معذور في ذلك. والواجب: أن تصل إلى مستحقيها أو وكيله في وقتها قبل الصلاة، فلو نواها لشخص ولم يصادفه ولا وكيله وقت الإخراج، فإنه يدفعها إلى مستحق آخر، ولا يؤخرها عن وقتها.
وأما مكان دفعها: فتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج، سواء كان محل إقامته أو غيره من بلاد المسلمين، لا سيما إن كان مكاناً فاضلاً كمكة والمدينة، أو كان فقراؤه أشد حاجة. فإن كان في بلد ليس فيه من يدفع إليه، أو كان لا يعرف المستحقين فيه، وكَّل من يدفعها عنه في مكان فيه مستحق.
والمستحقون لزكاة الفطر: هم الفقراء ومن عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها، فيعطون منها بقدر حاجتهم.
ويجوز توزيع الفطرة على أكثر من فقير، ويجوز دفع عدد من الفطر إلى مسكين واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قدّرالواجب ولم يقدّر من يدفع إليه.
وعلى هذا: لو جمع جماعة فطرهم في وعاء واحد بعد كيلها، وصاروا يدفعون منه بلا كيل ثان، أجزأهم ذلك، لكن ينبغي إخبار الفقير بأنهم لا يعلمون مقدار ما يدفعون إليه، لئلا يغتر به فيدفعه عن نفسه وهو لا يدري عن كيله.
ويجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص أن يدفعها عن نفسه، أو أحد من عائلته إذا كالها، أو أخبره دافعها أنها كاملة، ووَثِقَ بقوله.
اللهم وفقنا للقيام بطاعتك على الوجه الذي يرضيك عنا، وزكِّ نفوسنا وأقوالنا وأفعالنا، وطهرنا من سوء العقيدة والقول والعمل، إنك جواد كريم.
وصلى الله وسلّم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين
مجالس شهر رمضان من الصفحة 136 إلى 140 .