بعد التشبه بالفتيات والإقبال على مسابقات ملك الجمال:
تقاليع الشباب المسلم.. إلى أين؟
يبدو أن تقاليع الشباب لن تنتهي، فبعد هوجة تشبه بعض الشباب بالفتيات في الملابس والأزياء ظهرت تقليعة جديدة هي استخدام بعض الشباب لأدوات التجميل حتى رأينا الأحزمة المجسمة على خاصرات الشباب ورأينا الألوان على شفاه بعضهم. وآخر تقاليعهم هي إجراء مسابقات خاصة لاختيار ملك جمال الشباب، من بين العشرات الذين “تمكيجوا” وراحوا يتمايلون للفوز بالجائزة.
فما حدود هذه الظاهرة؟ وكيف السبيل لمواجهتها؟ تعالوا معنا إلى هذا التحقيق لنناقش تلك القضية.
من خلال تجربتها الواسعة في رصد عادات الشباب وتقاليدهم الاجتماعية تعترف الدكتورة حنان شوقي، مدرسة الاجتماع في جامعة حلوان، بشيوع التقليد بشكل كبير عند قطاعات واسعة من الشباب، ورغم ملاحظتها أن كثيرا من الشباب يتمسكون بتقاليد المجتمع الإسلامي وعاداته لكن نسبة غير قليلة من الشباب تقع ضحية التقليد الأعمى!
تضيف: لقد لاحظت الإسراف في استخدام مساحيق التجميل عند بعض الشباب منذ فترة، وقد أدهشتني الظاهرة على مدى السنوات الأربع الماضية، حيث أعددت دراسة استرشادية على نحو 280 طالبا ممن يستخدمون الماكياج، وقد تبين أن نحو 92% لا يحددون سببا واحدا لما يفعلون بينما يرى 87% أن الرغبة في الجمال والاختلاط مع الفتيات هو السبب فيما يرى 57% أن تقليد الصديق هو الدافع الأول، ويشير 42% منهم الى دور الممثلين خاصة الرجال في تقليد الشباب، فيما يعتقد 71% أن هذا العمل لا يتنافى مع المجتمع ولا يعد عيبا سلوكيا.
وتقرر الدكتورة حنان أن تخنث الشباب على هذا النحو بقدر ما يدل على اهتزاز في شخصية الشاب، وكأثر مباشر للاختلاط مع الفتيات في الجامعات والأندية ومجالس “النت”، فإنه دليل أيضا على أن الضوابط الاجتماعية والأخلاقية العامة قد ضعفت في كثير من بيئاتنا الإسلامية.
وهن أخلاقي
د. محيي الدين عبدالحليم، أستاذ الإعلام في جامعة الأزهر، يحمل وسائل الإعلام الحديثة مسؤولية شيوع مثل هذه التقاليع، موضحاً أن هناك جمعيات ومؤسسات دولية تعمل في الخفاء لإشاعة الميوعة والتقاليد الفارغة وتهوين شأن العفة وتحسين الاختلاط والممارسات غير الأخلاقية وغير الدينية، وكانت تجد في الماضي صعوبة في التعامل مع العامة، ولذلك كانت تركز كل همها على التعامل مع الخاصة وبعض الفنانين والكتاب والمثقفين، أما الآن فقد سهلت وسائل الاتصال الجماهيري الوصول إلى كل طبقات المجتمع؛ فعن طريق الفضائيات والانترنت انتشرت فكرة مسابقات الجمال بين الفتيات، وها هي تنتقل بسرعة الصاروخ إلى الشباب أيضا.
ويؤكد د. محيي أن الخطر ليس في وجود هذه التقاليع الفارغة وليس في تكثيف الإعلام على مسابقات الجمال أو مناظر العري، ولكن الخطر الأكبر يكمن في الوهن الذي نراه في ثقافتنا الإسلامية وتقاليدنا الأخلاقية التي تجعل مثل هذه التقاليع تسري في تصرفات البعض كما تسري النار في الهشيم.
التربية الإسلامية
ويتوقف د. إبراهيم عطا الفيومي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أمام التربية الإسلامية باعتبارها الحل الأمثل لهذه التصرفات، موضحا أن الإسلام يربي في الأمة الخصوصية وعزة النفس والبعد عن الميوعة ويغرس في شبابه الخشونة والاستقلال وألا يكون الواحد منهم “إمعة” لا شخصية له.
ومن هنا حث الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم تشبه النساء بالرجال وعدم تشبه الرجال بالنساء في اللبس والمشية أو الصوت، وغير هذا من مظاهر التشبه، فقال عليه السلام فيما رواه البخاري ومسلم وغيرهما: “لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال”، ومعروف أن التشبه في المظهر والشكل له تأثير في الجوهر والتصرفِ، والإسلام لا يريد من الشباب التخنث والميوعة ولين الشخصية، بل يريد الرجولة والخشونة وقوة الشخصية، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف”، والقوة المقصودة هنا قوة مادية ونفسية ومعنوية، كما أنها قوة تشمل سلوك الأفراد ووضع الأمة الاجتماعي كله، وفي المعنى ذاته قال صلى الله عليه وسلم: “لا يكن أحدكم إمعة يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم”.
ترويج الميوعة
ويأسف د. الفيومي من وجود مئات وربما ملايين “الإمعات” من شبابنا وفتياتنا في دول العروبة والإسلام، الذين يذهبون في زيهم وسلوكهم وراء كل ناعق وهو سلوك خطر، ويزداد خطره إذا اتسع نطاقه على المستويين الفكري والثقافي وظهرت آثاره عبر وسائل الإعلام والسلوك العام.
ومن المحزن أن هناك إلحاحا من بعض الجهات والمؤسسات الإعلامية والثقافية للترويج لمظاهر التخنث والميوعة، وقد آلمني ألا يقتصر هذا الأمر على بعض الفتيات بل تعداه إلى بعض الشباب، وهو منحى خطر يعني أن البعض قد باع نفسه بحفنة من الجنيهات وفقد رجولته مقابل صورة أو لقطة في أحد أجهزة الإعلام.
وإني أتساءل: أين شبابنا من الثقافة الأخلاقية الجادة؟ هل بالرقص والتخنث سوف نتقدم عمليا ونستغني اقتصاديا ونتحرر سياسيا وعسكريا؟ ولماذا لا نضع شبابنا على طريق الجد والعلم والعمل والقيم والكد والإتقان؟
بناء الذات
المفكر الإسلامي د. مصطفى الشكعة، أستاذ الدراسات الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية يوضح رؤيته الفكرية لبناء الذات المسلمة ووضع حد لموضوعات التقليد المتعددة التي تتعرض لها شخصيتنا الإسلامية، فيقول: في ظل الضغط الثقافي والإعلامي ومن قبله السياسي والاقتصادي الجارف من الغرب على دولنا الإسلامية، لا اعتقد أن جهة واحدة يمكن أن تقوم بهذا الدور، ولكن يجب أن تعنى به كل المؤسسات في كل الدول، وفي تصوري أن هنا ثلاث خطوات ينبغي القيام بها.
الأولى: تحقيق أكبر قدر من التجانس في الثقافات والأفكار التي تقدم عبر الوسائل الثقافية والفكرية والإعلامية داخل الوطن الواحد، ومن ثم عبر المجتمعات الإسلامية المتنوعة، والحادث الآن أن هناك مساحات واسعة من التنافر والتضاد وربما العراك بين وسائل الثقافات العربية، فالإعلام في واد ومؤسسة المسجد في واد ومناهج التعليم ومناخه في واد والشارع بعاداته وتقاليده في واد آخر.
الثانية: العمل على إيجاد نوع من الثقة في عاداتنا وأخلاقنا وتقاليدنا، وهذه الثقة تتولد في نظري من خلال ترسيخها عبر المؤسسات المعنية، وإيجاد آلية يمكن من خلالها غربلة ومعرفة ما هو صالح من عادات الآخر لنأخذه وما هو فاسد لنرفضه.
إن فقد الثقة في ذاتنا الثقافية يضعنا بين أحد ردي الفعل: إما رفض ما عند الآخر كله، وهذا خطأ، أو قبول ما عند الآخر كله وهذا أيضا خطأ، ولكن بناء هذه الثقة سوف يجعل المسلم كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم يلتمس الحكمة أنى وجدها.
الثالثة: تنمية العادات والثقافات الإسلامية والاجتماعية التي عاشت وتعيش عليها جموع الشعوب الإسلامية، فالإسلام بنى الشخصية المسلمة عبر العصور وتغلغلت عاداته في كل صغيرة وكبيرة ومن حق النخب المثقفة في هذه الأمة أن تقوم الآن بغربلة هذه العادات أيضا وردها إلى أصولها الإسلامية، بحيث إن ما ليس له اصل من الدين يكون معروفا للجميع، وما له اصل من الدين يكون معروفا، ومع هذا التوضيح نمضي في ترسيخ عاداتنا الإسلامية التي سوف تطرد الوافد والفاسد بشكل تلقائي وبسيط.
إن البعض مع الأسف يهاجم الكثير من عادات بيئتنا الإسلامية وكأنه يريد أن يفسح المجال للتقليد الوافد ليحل محل الموجود الراسخ، ومطلوب من وسائل التربية عندنا، وأولاها الأسرة المسلمة، أن تحفظ تقاليدنا الراسخة، بدءا من اختيار الأسماء وعقيقة المولود، وحتى التعامل مع هذا الكم الإعلامي المكثف كل ثانية.
دين عظيم
د. منيع عبدالحليم محمود، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، رغم رفضه الشديد لعادات التخنث وبدعة مسابقات الجمال للفتيات أو الفتيان، يؤكد أن مجتمعاتنا الإسلامية في مجملها بخير ولا يمكن فهم المسلمين من خلال بعض الشباب المتخنث الذي تتاجر به وفيه بعض الجمعيات أو الفضائيات الأجنبية، أو العربية مع الأسف الشديد، موضحا أن عظمة إسلامنا تكمن في انه يربط عقائده وعباداته وشرائعه وأخلاقه بتصرفات الناس وتعاملاتهم اليومية مع النفس وفي الشارع ومع الناس بل والكون كله، ولذا رأينا قلب المسلم المؤمن ينعكس بشكل رائع على المجتمع في ثقافته وعاداته وسلوكه، ومن هنا ارتبط كثير من تقاليد الناس الحياتية بأحكام وشرائع المجتمع الدينية.
ويضيف د. منيع: في هذا المجال دعني أشدد على ضرورة أن يتمسك المسلم بعاداته ولا يتأثر بكل ما يقال حوله، فالشاب الجاد لا يلتفت للهازلين، والفتاة المحجبة لا تلتفت للسافرات وتقولاتهن عن الحجاب الشرعي، والأسرة المتمسكة بدينها في المأكل والملبس وعادات الأفراح والزواج والزيارات لا تعبأ بما يغمز به الغامزون.
ومن واجب المسلم أن يعلم أن الآخرين يريدون دائما أن يحولونا عن ديننا كلما استطاعوا، وان هذا التحول قد يأخذ في الوقت الحالي صورة الغمز واللمز والسخرية من عاداتنا وإشاعة تقاليد جديدة، والمسلم ينبغي أن يعلم هذا ويقاومه ويتوقعه في كل لحظة، والقرآن سجل لنا مثل هذه المواقف في أكثر من موضع، يقول الحق سبحانه وتعالى: “وَإذَا رَأوْكَ إن يَتخِذُونَكَ إلا هُزُواً أهَذَا الذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً إن كَادَ لَيُضِلنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أضَل سَبِيلاً” (الفرقان: 41 42)، ويقول القرآن أيضا: “زُينَ لِلذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذِينَ آمَنُواْ” (البقرة: 212)، وفي الحديث: “من أسخط الله في رضا الناس سخط الله عليه، وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه ويزين قوله وعمله في عينه” رواه الطبراني.
وحريٌ بالمسلم والمسلمة أن يتذكرا هذه المعاني ولا يأبها بالساخطين المقلدين الساخرين.
منقول...