استأذن أبو بكر رضى الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت ابنته عائشة عاليًا على رسول الله فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل النبي يحجزه وخرج أبو بكر مغضبًا.
فقال عليه الصلاة والسلام لعائشة حين خرج أبو بكر: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟
فمكث أبو بكر أيامًا ثم استأذن على رسول الله فوجدهما قد اصطلحا فقال لهما:
أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد فعلنا، قد فعلنا) [رواه أبو داود].
أمام أعيننا قصة تحمل من المعاني الكثير، زوج وزوجة ووالد الزوجة، علا صوت الزوجة – عائشة رضى الله عنها – على زوجها – النبي محمد صلى الله عليه وسلم – ودخل الأب وشهد هذا المشهد – أبو بكر رضى الله عنه – فغضب من ابنته وهَمَّ ليلطمها ولكن النبي حجزه عنها وأنقذها من غضبه، والشاهد هنا هو موقف أبي بكر من ابنته عندما أخطأت وتجاوزت ورفعت صوتها على زوجها، فقد كان عادلًا ولم يقبل ما فعلت ابنته ولم يوافقها، فأين نجد الآن مثل هذا الأب العادل الذي يقف مع صهره أمام ابنته؟ ولا نغفل موقف الزوج المحب الذي وقف يدافع عن زوجته ويحجز الأب عنها حتى لا يصل إليها.
الزوج بعد زواج ابنته:
بعد حسن اختيار زوج الابنة فإن الأب العاقل ينظر إلى زوج ابنته كأنه ابن من أبنائه فقد أصبح بزواجه من ابنته فردًا من أفراد الأسرة، فيكون صهره موضع إكرامه وتقديره ويشعره في كل مناسبة أنه أصبح فردًا من العائلة منذ اقترانه بابنته، يود له ولابنته السعادة والتوفيق في حياتهما الجديدة ودربهما الطويل، وأنه العزيز المؤتمن على العرض، ويشعره أنه أب له لا يضن عليه بالنصح ولا يألو جهدًا في توفير أسباب السعادة له ولابنته وأولادهما.
الأب العاقل يلتزم العدل في مواقفه وأحكامه إن نشب خلاف أو سوء تفاهم بين ابنته وزوجها أو رأى من ابنته تقصيرًا تجاه زوجها فلا يتحيز لابنته بل ينطق بكلمة الحق والعدل، قال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى** [الأنعام: 152].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا** [الأحزاب: 70].
تتكلمي أو أتكلم أنا:
حدث خلاف ذات مرة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ندخل بيننا عمر بن الخطاب، فقالت عائشة: لا، فقال: ندخل بيننا أبا بكر، فقالت: نعم، ويحكم بينهما أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة: تتكلمي أو أتكلم، فتقول رضي الله عنها: تكلم أنت ولا تقل إلا حقًا.
فالتفت إليها أبو بكر رضي الله عنه ولطمها على وجهها حتى أدمى فاها [أي خرج منه الدم]، وقال: أو يقول غير الحق يا عدوة نفسها؟! فاستجارت برسول الله صلى الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا لم ندعك لهذا، ولم نرد منك هذا) [رواه البخاري].
كيف صالح النبي صلى الله عليه وسلم ابنته على زوجها؟
ذات يوم حدث خلاف بين فاطمة رضى الله عنها وبين زوجها علي رضى الله عنه.
وكلما كانت القلوب مغلفة بالحب مليئة به وتحيا في ظلاله كانت الهفوات صغيرة في قلوب المحبين وقد (يضخم القلب كلمة من خلال خيال المحب لتصير كأنها شيء لا يطاق مع انها هينة صغيرة ولكنها عند المحب كبيرة.
كان الخلاف هينًا ولكنه بدا كبيرًا لما بينهما من المودة، ويدخل النبي صلى الله عليه وسلم على الحبيبين ويحس أن ماء القلوب قد تعكر صفوه شيئًا قليلًا، وجلس صلى الله عليه وسلم وجلس علي وجلست فاطمة بجانبه الآخر، فأخذ النبي بيد علي ووضعها على بطنه وأخذ بيد فاطمة ووضعها على بطنه وما زال حتى أصلح بينهما) [حتى يبقى الحب، د/ محمد محمد بدري ص501].
(وحدث مرة أخرى أن نما إلى سمعه صلى الله عليه وسلم أن خلافًا حدث بين الزوجين فذهب إليهما ورئي وهو يسعى إلى دار فاطمة رضى الله عنها، وقد ظهر عليه الهم والقلق فأمضى وقتًا هناك، ثم خرج ووجهه الكريم يفيض بشرًا فقال قائل من الصحابة:
يا رسول الله دخلت وأنت على حال وخرجت ونحن نرى البشر في وجهك، فأجاب صلى الله عليه وسلم: وما يمنعني وقد أصلحت بين أحب اثنين إلي) [المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية نبيل بن محمد محمود ص 25].
قم يا أبا تراب:
فهذه زوجة تربت في بيت النبوة تعطينا القدوة في حفظ أسرار بيتها حتى عن أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: (جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت فاطمة رضي الله عنها فلم يجد عليًا رضي الله عنه فقال: «أين ابن عمك؟» فقالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال لرجل: «انظر أين هو»؟، فقال: هو في المسجد راقد، فجاء وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قم يا أبا تراب، قم يا أبا تراب»، قال راوى الحديث سهل بن سعد: وما كان لعلي اسم أحب إليه منه.
فكم من الحكم في هذه القصة الرائعة في حسن تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم في عدم سؤاله عن سبب الغضب حتى لا تتسع دائرة المعرفة بما حدث بين الزوجين، وتباح الأسرار، وفي حسن تصرف الزوجة فاطمة الزهراء في عدم إفشائها أسرار بيتها ولو لأبيها النبي المختار، وفي حسن تصرف الزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث خرج "مؤقتًا" من المكان الذي أجج فيه الشيطان نار الخلاف بينه وبين زوجته، فلم يعطه الفرصة كي يزيد من اشتعال تلك النار، فأين ذهب إذن؟ إنه لم يذهب إلى فلان كي يقص عليه ما حدث، ولم يشتك حتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بل جلس في المسجد لأن المسلم فيه أبعد ما يكون عن وسوسة الشيطان.
حسن تصرف من الجميع:
بنظرة تأمل إلى الموقف السابق يتبين لنا كيف أن السيدة فاطمة لم تخبر النبي صلى الله عليه وسلم بطبيعة الخلاف وماهيته، بل كل ما أعلمته إياه هو مجرد وجود خلاف فحسب.
كما يظهر حسن تصرف علي بن أبي طالب الذي لم يدع مجالًا لاتساع شقة الخلاف والغضب فترك زوجته وذهب إلى أفضل مكان ترتاح فيه الأعصاب وتصفو النفوس.
كما يظهر لنا كيف كان الرسول صلى الله عليه وسلم حكيمًا إذ لم يسأل ابنته عن أسباب الخلاف وتفاصيله كما لم يعاتب أو يلوم عليًّا بل داعبه ولاطفه بأسلوب كان له أبعد الأثر في زوال رواسب الغضب والضيق.
(وهذا ما يجب علينا اتباعه أزواجًا وزوجات وآباء في مثل هذه المواقف، سواء كان التوتر من جانب الزوجة أم من جانب الزوج) [فن العلاقات الزوجية في ضوء القرآن والسنة والمعارف الحديثة محمد الخشت ص139-140].
فن المجاملة:
قال الفيلسوف الأمريكى مارك توين: (أنا أستطيع أن أعيش لمدة شهرين بتأثير مجاملة لطيفة) وقال عالم النفس الحديث د/ وليام جيمس: (أعمق المبادئ في الإنسان هو تلهفه على تقدير الآخرين) [قوة التحكم في الذات د/ إبراهيم الفقي ص63].
وهكذا يمكن للأب أن يحسن من علاقته بزوج ابنته بقليل من المجاملة وإشعاره بالتقدير وهذا بالطبع سينعكس على علاقته بزوجته فيحترمها ويقوى مكانتها.
ماذا بعد:
- حسن علاقتك بزوج ابنتك لتعزيز موقف ابنتك عند زوجها.
- كن عادلًا عند حل المشاكل في حياة ابنتك وزوجها.
- تعلم فن المجاملة مع الناس وخاصة مع زوج الابنة تكسب قلبه.