صفة ركعتي الفجر
الشيخ: عبد الكريم بن عبد الله الخضير
قال -رحمه الله-: "وعنها -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخفف الركعتين قبل صلاة الصبح حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟" هاتان الركعتان هما راتبة الصبح، وهما من الرواتب المؤكدة أكثر من غيرهما؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحرص عليهما ويداوم عليهما سفراً وحضراً، ويذكر عن الحسن البصري القول بوجوبهما، وهما خير من الدنيا وما فيها، لكن مع ذلك هما ركعتان خفيفتان؛ لأنه قد يقول قائل: ما دامت هذان الركعتان خيراً من الدنيا وما فيها لماذا لا نطيلها؟ نطيل هاتين الركعتين ليكون هناك مقابل لهذا الفضل العظيم، نقول: لا، المقابل هو الاقتداء، والعمل إنما يكون تقويمه حسب الاتباع للنبي -عليه الصلاة والسلام- الاقتداء به.
النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح، ومثلهما تخفيف الركعتين إذا دخل المصلي والإمام يخطب الجمعة يصلي ركعتين وتجوز فيهما يعني خففهما، فهاتان السنتان السنة فيهما التخفيف، وهذا قول عامة أهل العلم، وأن هذا هو المشروع في هاتين الركعتين، والحنفية يرون تطويل هاتين الركعتين، لكن العبرة بما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
مبالغة في التخفيف، لكن مع استيفاء الأركان والواجبات، ليس معنى هذا أن هاتين الركعتين تنقران كنقر الغراب، لا، أو يتساهل في الواجبات أو الأركان ليس هذا معنى التخفيف، وإما التخفيف مع التمام، والإجزاء ولا يكون الإجزاء إلا بفعل الأركان والواجبات.
قد يتخفف من بعض السنن، لكن الأركان والواجبات لا بد من الإتيان بها، ولو اقتضى ذلك شيء من التطويل النسبي؛ لأن الذي يأتي بالأركان والواجبات لا بد أن تستغرق معه وقت، وقولها: "حتى إني أقول: هل قرأ بأم الكتاب أم لا؟" لا بد من قراءة أم الكتاب؛ لأنها ركن من أركانها، وتردد عائشة في قراءتها إنما هو من باب المبالغة في تخفيف هاتين الركعتين، وبعد ذلك يقرأ ما تيسر بعد الفاتحة بسورتي الإخلاص، أو بآية البقرة وآية آل عمران، على ما سيأتي في الأحاديث اللاحقة.
هاتان الركعتان ركعتا الفجر هذه صفتهما التخفيف، ويصلي هاتين الركعتين في بيته كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل، ولو اقتضى ذلك التأخر عن المبادرة بعد الأذان مباشرة؛ لأن المبادرة المأمور بها مبادرة إجمالية لا يخل بها ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويقتدي به المسلم فيه؛ لأن النظر لا بد أن يكون واسعاً شاملاً للنصوص كلها، فلا ننظر إلى نص ونترك نصوص أخرى، فأفضل الصلاة صلاة داود على ما سيأتي ينام نصف الليل، هل نقول: إنه ينام نصف الليل من مغيب الشمس؟ الليل يبدأ من غروب الشمس، فكونه ينام نصف الليل هل يقتضي ذلك أن يكون من غروب الشمس؟ لا، على ما سيأتي، ينام نصف الليل الذي يتاح فيه النوم، ويبادر إلى الصلاة حينما يسمع النداء، لكن بعد أن يؤدي ما جاء في النصوص الأخرى كهاتين الركعتين، ثم إذا جاء إلى المسجد وهناك بقية من وقت والوقت وقت كراهة يصلي تحية المسجد؛ لأن وقت الكراهة في هذا موسع وليس بمضيق، تفعل فيه ذوات الأسباب.
المصدر: شرح: المحرر – كتاب الصلاة (28)