يا نقشًا حُفر بقلبي !
مُعتِمةٌ تلك الليلة .. سَوداءُ .. مظلمَة .. يومَ كُتب علينا أن نفترق
يومها .. سُرقت البسمة من شفتَيك
وخيّمت الظُّلُمات على جَدائلك
وفُرّق بيني وبينك ..
ثمانيةٌ وأربعونَ بعد ألْفٍ وتِسْعِمِئة !
حُلكةُ ليلةِ أيّارَ الخامسةَ عشْرةَ .. تلك التي اخْتَطَفَتْك مِنّي
هَل يا تُرى لازلت تذكرين ؟
تذكرين وعدنا معًا ومِيعَادَنا .. وروحًا أبَتْ فِراقك وفِراق حُبّك ؟
عهدٌ نقشته بقلبي ثم أرسلتُ طَيفي يحمل به إليك يَعِدُك بلقاءٍ ويَمسح دمعةً نزلت من لؤلؤتَيْك
أتذكرين عَهدنا ؟
ذاكَ الذي لم أمِل عنه , فلازال نقشُه بقلبي يُسعِدُه ويَسُرُّه
أتذكرين حُروفي يومَ نطقت لهيبًا من شوقها .. إليك أنت ؟
أتذكرين ذلك الشُّعاع الذهبيّ الذي رجوته أن يحملني إليك ؟
تلك الشُّطآن .. حين توسّلتها أن تُبحر بي نحوك ؟
أتذكرين تلك العُيون الحائرة حين نظرت إليك فحاولت أن تقتَبس لنَظَرِها من نظرتِك ؟
وذاك القلب المُضْنى ساعةَ شُغِل بك .. واخْتَطَفَتْه ملامِحُك ؟
شلالَ شوقٍ تدفّق نحوَك فأغرق كلَّ شيءٍ وقف في طريقِه ؟
يا يِبْنَا عِهْ .. عِهْ أنّي أغار عليك
أغَار .. حين طيورٌ على أغْصان أشجارك تُغرّد فتُشديك وتُطربك
أغَار .. حين أمطارٌ تُمازجُ تُربك فتنْصَهر داخل قلبك فتَرويك وتُسعدك
أغَار .. حين نحلةٌ تحُط على زهرات شبابك فترشِف عسلًا من جَوْفها
أغَار .. حين طفلٌ يركُض على رمالك فيرسِم خُطاه على صَفْحَتها
أغَار .. حين شمسٌ تُصافِحُ خدّك فتقتَبس من نوره لتُضيء على الكَون من بَهائك
أغَار .. حين قمرٌ يُداعب لَيْلَك ويُسامرُك ويَروي لك قَصَص حُسنك
أغار يا يِبْنَا ..
حين نسائمٌ تُهَدْهِدُ خدّك .. حين رياحٌ تلقّح زهرك .. حين غَيمٌ يظلّل سقفك .. حين وحين وحين ..
بلا حدود هي غَيرتي
بلا حدود هي مَحبتي
بلا حدود
وعَهدي سأحفظه لك .. حتى إذا جئتُك يومًا واللقاء بإذنه قريب
أشدو لك بدلًا من عصافيرك , ثم أسقي تربتك من عيني وقلبي ماءَهما ! فأذيقك حلاوة شهدِهما
وأمسحُ دمع لؤلؤتَيْك بباطن كفّي
أحفِر اسمي على أشجارك , وأطبع خُطاي على رِمالك
وأُسامرُك بدلًا من القمر .. فلعلّك مَلَلْت حديثه .. وعندي لك حديثٌ من لُبّ قلبي أما تشتهينه ؟
ثم أخلُد إلى نومي بين ذراعَيْ دارِي
وأستيقظ مبكرًا حتى لا تسبِقني الشّمس إليك .. فتكون عَيناي أوّلَ ما تَلمحينَه يا حَبيبة !
وحين تفكّر غَيمة أن تحجِب عنك الضّياء .. سأنشُر أعلامَ فلسطينِك في كل رجْوٍ من أرجائِك فتنيرُ لك
وأقتُل الوَحشة إن حاولت التسلُّلَ إليك
وأَئِد الغربة وأْدًا موحِشًا وأقول كَـفَى ! أبعد كلّ تلك السنينَ في الغُربة ؟
لا هِجرة بعد اليوم .. سأُفَتِّتُ جَسد كلمة لاجِئ .. وأصْهر كلَّ معاني الفُرقة والألم
فأنت معي وأنا معك .. أنا لك وأنت لي
وحدَك آسِرَتِي .. سجّانُ قلبي اسمُك ! .. رجفات بَرْدي تشتهي حِضْنك !
يبقى بِخَافقي رسْمُك .. بَلْسمًا يَشْفيه ويُداويه .. نَقْشًا مَحْفورًا .. أُتْرُجَّةً تَفُوحُ عِطْرًا
فارْقُبي يَومي فإنّي أجاهِدُ فيه نَفْسي
فهلّا انتَظرْتِني يا نَقْشًا حُفِرَ بِقَلْبِي ؟