إذا كنا نعتبر أن ( الجروح النفسية تشفى مع الزمن ، قياسا على أن الجرح الفيزيائي يحتاج الى وقت حتى يشفى وينتهي أثره .. وكذا جروحنا النفسية ) ،
فهذا كلام ليس كامل وبالتالي مجانب للصواب
لماذا تحزن كثيرا اذا لم يتصل بها الآخرون
لماذا يحزن عميقا من تأتيه رسالة برفض طلبه الى وظيفة معينة
لماذا يتصرف آخر بشراسة اذا شعر أن الآخرين ينتقدونه
من الطبيعي ، أن يشعر من قوبل بالرفض في وظيفة ما ، بالانزعاج والضيق أياما معدودة ثم ينسى الأمر ويبحث عن أخرى
الانزعاج والضيق لفترة ما شعور متوقع ، ولكني أتحدث عمن يصابون بالاكتئاب العميق والحزن اللامتناهي لفترة طويلة ، جراء مواقف طبيعية في الحياة
هؤلاء ، يشعرون بالتوتر ان رفضتهم جهة معينة
ويشعرون دوما بحساسية بالغة تجاه الانتقاد
يريدون من العالم كله أن يعاملهم باهتمام ولا يتقبلون الرفض أبدا
يشعرون بالخوف الشديد والألم الفظيع من الاهمال
إن كلا من هؤلاء لديه ( طفل داخلي ) في عقله الباطن ، هو ما يملي (بعض المشاعر ) الى العقل الواعي الذي يتخذ ردود فعل تترجم بالشراسة أو الحزن أو الاحباط او الحساسية الزائدة
هذا الطفل هو وليد معاناة قديمة ( لم تشفِها الأيام ) ، أيام لم يحظى بقبول اجتماعي في محيطه ، وربما كان هناك شيئا مميزا في شكله جعله عرضة للاستهزاء من زملائه ، ربما كان مهملا ، لا يسمح له بالتعبير عن رأيه ومطالبه
وجود الشخص في مواقف مماثلة هو فقط ( اضافة للملح على الجرح ) فيشعر بألم شديد ، ويتخذ عقله رد الفعل المبالغ فيه
هكذا ترى البعض إن تعرضوا لأذية من شخص ما ، يشعرون بانقباض كلما رأوا من يشبهه ، ويتخذ عقلهم الباطن موقفا معاديا تجاه كل من يمت لهذا الشخص بصلة شبه خلقية او شكلية ، مع مرور الزمن ، دون أن يعرفوا لماذا ، وتجدهم يقولون ، هذا الشخص كرهته من اول ما رأيته ولا اعرف لماذا !
هؤلاء أشخاص ، تعرضوا لأذى لم يستطيعوا مواجهته ، ربما لأنهم كانوا ضعفاء في ذاك الوقت ، انما عقلهم الباطن قد بنى لهم حماية من التعرض لموقف مماثل ، فأملى على العقل الواعي ( كراهية ) هذا الصنف المماثل حتى يقي الشخص من التعرض للأذى مرة أخرى
لي صديقة كانت كلما رأت امرأة كبيرة في السن ،تتوجه لا شعوريا الى الاهتمام المبالغ بمساعدتها
وفيما بعد ، عرفت انها قبل سنوات طويلة لم تتمكن من العناية بأمها المريضة الى ان ماتت
شعور الذنب الذي ترسخ في عقلها الباطن ، جعلها تهتم بكل من ( يشبه أمها ) وتعتني به لتعويض ما لم تستطع القيام به
العقل والمنطق يقول انها كانت مشغولة بدراستها وعملها ، وفعلت ما تستطيعه ، الا ان العقل الباطن لا يفهم المنطق ويحتاج الى ( أدلة ) لتعويض خلل المشاعر .
قد نرى صورة تتكرر كثيرا ، فتاة تميل الى عشق من هم أكبر منها سنا
من الطبيعي ان عقلها الباطن يحاول تعويض عقدة الأب ليتخلص من الألم ،
فهي تتخيل صفات اخرى يهيؤها لها شعورها الداخلي في هؤلاء لا تتوفر في غيرهم ، انما الصفة الأساسية التي لا تدركها هي أنهم يعوضون الأب الذي لم يكن مهتما بها ، وكان منشغلا عنها
فها هو الأب هنا الآن ، يهتم ويحب ويفكر وينشغل بها هي !
قد ترى أشخاصا ان تخيلوا ان شيئا ما يهددهم في العمل ، ربما تعيين شخص جديد في نفس القسم الذي يعملون به ، ينقلبون للتصرف بضراوة وعنف وشراسة وعدائية
هؤلاء أشخاص يعانون عقدة (الأمان ) ويعذبهم هذا الشعور كلما أحسوا بتهديد ما
وهناك أشخاص يتخيلون أنهم مثار انتقاد الآخرين، وان البعض يحيكون لهم المؤامرات ، فيتسمون بالعدائية والبغض
لأنهم يعانون عقد ( الدونية ) منذ زمن بعيد ، ربما لم يكن الابوين عادلين في مساواتهم ببقية الأخوة
ولكن المنطق والاخلاق تقول : انهم لا يستطيعون أن يكرهوا والديهم ، او يكرهوا اخوتهم ، او يتمنوا الشر لأسرتهم
فتتكون عقدة الذنب عن هذه المشاعر والتي يطوّر العقل الباطن مع الأيام صورا للتخلص منها عن طريق تصوير ان كل من حوله أشرار ، يستهزئون به لأنه أقل منهم ، يرونه مملا ، يريدون التخلص منه
فهل لا زلنا نقول .. الزمن يشفي الجروح ؟
إن خاصية الزمن في الشفاء من الجروح ، يجب توضيحها أكثر من ذلك ، حتى لا يتطور بنا الأمر الى خداع ( أنفسنا ) أو خداع ( طفلنا الداخلي ) ثم نستمر ونقول ...ذاك زمن مضى
عندما يقوم الزمن بتعويضنا عما تعرضنا له من ألم ... من المؤكد أننا ننسى مشاعر الألم القديمة
( التعويض ) هو ما نحصل عليه مع الأيام - ان حصلنا عليه -
فيحصل العقل الباطن على ( أدلة ) التعويض ويقدمها لطفلنا الداخلي .. فيكف عن ازعاج عقلنا الواعي بشكواه !
وانما ترى بعض من لا يحمل المستقبل لهم تعويضا عن مشاعر الالم المختزنة
لا زالوا يعانون منها بوعيهم أو بدون وعيهم، كما جرحوا منها أول مرة ،
المشاعر النفسية السلبية والجروح العاطفية ، لا يمكن علاجها بإهمالها وترك الزمن يدور عليها ، فقد لا نحصل على تعويض
هكذا هي سنة الحياة وسنة الخالق في كونه
الأمر يحتاج الى الصدق مع النفس ، الصدق مع طفلنا الداخلي ، وسماع شكواه ، ومعرفة أسباب معاناته
عندما تسمع أحدهم يصرخ ...
( أني أغرق في بحر من الأوجاع ، أتألم ، لا يمكن احتمال هذا ، ساعدوني )
أفلا تهبّ لنجدته ؟
ما بالك إذا كانت نفسك المجروحة ، هي من ترسل اليك هذه الصرخات عن طريق المشاعر السلبية التي تشعر بها ؟
ما بالك إن كان هناك طفل مجروح في السابعة من عمره داخلك ،يستغل أي موقف .. أي منفذ .. ليخبرك أنه بداخلك يتعذب .. وينتظرك أن تطلق سراحه ، وتشفي جروحه ؟
أفلا تفعل شيء لإنقاذه ؟