- سنّة الابتلاء :
شاء الله سبحانه وتعالى أن يكون الإنسان في هذه الحياة الدنيا مَحَلاًّ للابتلاء والمصائب المختلفة، وهذا الحال هو من معاني قول الله سبحانه وتعالى:
**وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً** [النساء: من الآية28]
، أي إنه لا يستطيع أن يحصِّن نفسه ضد المصائب مهما صنع، فما الحكمة من ذلك؟ الحكمة من ذلك، أن يفر الإنسان من هذه الحال إلى الله عز وجل، وأن يتمثل قوله سبحانه:
**فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ** [الذريات:50]
، ثم يعود إلى نفسه ويكتشفَ فيها هذه الحال وينفذ قوله سبحانه: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ**، تلك هي الحكمة في مجمل القول .
- ضرورة الالتجاء إلى الله :
هذه الحقيقة ينبغي أن ندركها جميعاً، وإذا عرفناها وأدركناها فلا شك أن من مقتضى إدراكنا لها أن نظل في كل الأحوال ملتجئين إلى الله عز وجل، في حال العافية، في حال الرخاء، في حال الغنى، في حال القوة، ذلك، لأننا مُعرَّضون لأن تغيب عنا هذه النعم ولأن نفاجَأ بنقائضها، فما بالك عندما يكون أحدنا مبتلى بمصيبة من هذه المصائب؟! ما بالك عندما يكون الإنسان أو المجتمع يعاني فعلاً من بعض هذه المصائب والرزايا، كيف يكون غافلاً عمن بيده عافيته؟! كيف يكون غافلاً عمن بيده إسعاده وإنقاذه من هذا البلاء الذي هو فيه؟!
فكيف يكون حال المسلمين عندما يكونون محجوبين عن الله، وعن الالتجاء إليه، وعن التضرع بين يديه، وعن الانكسار في الدعاء له حتى عندما يعانون من هذه المصيبة وأمثالها؟ في هذه الحالة تكون المخاوف من عقاب الله عز وجل العاجل مخاوف آنية وشديدة يا عباد الله، ينبغي أن نعلم ذلك.
تلك هي حالنا يا عباد الله في هذه المرحلة التي نمر بها، نحن لا أقول: مُعَرَّضون للمصائب، بل نحن نعاني من المصائب، وإنها لمصائب متنوعة مختلفة وكثيرة، ولعل من أبرزها وأوضحها لكل منا هذه المصيبة التي نمر بها في هذه الأيام، احتباس القطر عنا .
في صُقع من أصقاع عالمنا العربي شَعَر أهله بحاجتهم إلى الأمطار فتداعوا إلى صلاة الاستسقاء وخرجوا في كل صُقع من أصقاع هذه الدولة إلى المصليات لأداء صلاة الاستسقاء، وكانت هذه الصلوات المتعددة في أماكن مختلفة بقيادة أولي الأمر فيها، كان ألو الأمر في الصفوف الأولى، وكان التضرع مهيمناً على الجميع، وكان الانكسار وارتفاع الأيدي المرتجفة بالدعاء إلى الله أيديَ الجميع، فماذا كانت النتيجة؟ قال الله لهم: لبيك، هطلت في تلك المناطق أمطار ما رأوا مثلها منذ سنوات طويلة، ولقد شهدت هذه الأمطار بعيني،
هذه الحقيقة لم تعد محل ريب ولا محل شك يا عباد الله، ولعل فينا من يقول: فلنتداعَ نحن أيضاً إلى صلاة الاستسقاء، نعم ينبغي أن نتداعى إليها،. . . لكن أرأيتم إلى إنسان أقبل إلى المسجد ليصلي وهو غير متوضئ أفتُقبَل صلاته إن هو أسرع فوقف متجهاً إلى القبلة وكبر وركع وسجد دون أن يتوضاً؟
هذه صلاة في الشكل ولكنها عند الله ليست صلاة مقبولة، كذلكم صلاة الاستسقاء بين يديها شروط هامة:
أولاً :
قبل الصلاة :
يدعو الإمام أو نائبه الناس فيأمرهم بإتيان شروط صلاة الاستسقاء :
- من أهم شروطها ردُّ المظالم
- التوبة إلى الله بصدق
- الصدقة على الفقراء
- إصلاح ذات البين
- صيام أربعة أيام متتابعة
ثانياً :
يوم الصلاة :
- يخرج الإمام بالناس في اليوم الرابع من أيام صيامهم و هم صائمون في ثيابٍ بَذْلة بخشوع و استكانة إلى الفلاة (و إن كان البعض يجيزها في المساجد )
- يصلي بهم الإمام أو نائبه ركعتين كما يصلي في العيد .
- ثم يقوم فيخطب الناس خطبةً يعظهم فيها ويذكرهم ويحذرهم من أسباب المعاصي ومن أسباب القحط،
يحذرهم من المعاصي لأنها أسباب القحط وأسباب حبس المطر وأسباب العقوبات،
فيحذِّر الناس من أسباب العقوبات من المعاصي والشرور،
وأكل أموال الناس بالباطل،
والظلم،
وغير ذلك من المعاصي،. . . ويحثهم على التوبة والاستغفار و يبين لهم أنه ينبغي لهم الصدقة والإحسان والإكثار من ذكر الله واستغفاره ويقرأ عليهم الآيات الواردة في ذلك، والأحاديث ثم يدعو ربه رافعاً يديه، ويرفع الناس أيديهم، يدعو ويسأل ربهم الغوث و هناك أحاديث مأثورة في أدعية الاستسقاء منها :
* "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا"، ثلاث مرات،
* "اللهم أسقنا غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً صحا طبقاً عاماً نافعاً غير ضار، تحيي به البلاد وتغيث به العباد وتجعله يا ربِّ بلاغاً للحاضر والباد". هذا من الدعاء الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم،
* "اللهم أنبت لنا الزرع، وأدر لنا الضرع، وأسقنا من بركاته". ويلح في الدعاء، ويكرر بالدعاء: "اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين".
والناس كذلك يرفعون أيدهم ويدعون مع إمامهم، وإذا استقبل القبلة كذلك يدعون معه ويستقبلون القبلة بينهم وبين أنفسهم ويرفعون أيديهم، والسنة أن يحول الرداء في أثناء الخطبة .
وعندما ندرك هذه الحقيقة ونتقرب إلى الله عز وجل بقضِّنا وقضيضِنا متجهين إلى بابه، واقفين على أعتابه بانكسار وذل سيكرمنا الله عز وجل بالغيث النَّمير , و أهم ما في الأمر الانكسار و الذّل إلى الله و العطف و الرحمة بيننا :
"إذا خضع جبار الأرض رحم جبار السماء"
- عبد الرحمن الناصر، وهو خليفة المسلمين في الأندلس، عندما دعا إلى صلاة الاستسقاء
ونظر القاضي وهو يلتفت يميناً وشمالاً فلم يره،
طلب من مدير مكتبه أن يذهب وأن يقول له :إن القوم ينتظرونك ولن يصلوا حتى تأتي، فقال له: يا سيدي إن أمير المؤمنين مُنْتَبِذٌ في مكان متطرف هنا،
وأشار له إلى المكان،
فذهب
وإذا هو يلبَس ثياباً رِثّة، وإذا هو يمرِّغ وجهه في التراب . . .
ويناجي الله قائلاً: (( يا رب ،أتريد أن تهلك الرعية بسبـبي؟
هاأنذا ماثل بين يديك،
تائب إليك،
يا رب لا تهلك الرعية بسببي،))
لَمَّا رأى حالَه هذه رجع يقول إلى القوم: لقد سُقيتم، إذا خضع جبار الأرض رحم جبار السماء .
**
وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً** [النساء: من الآية28]
**
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ** [الذريات:50]
و الحمد لله رب العالمين