كيف تصلح حالك ؟
الفوائد_الإمام شمس الدين أبي عبد الله بن قيم الجوزية
هلم إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها .
وذلك أنك في وقت بين وقتين وهو في الحقيقة عمرك ،
وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل ،
فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار ،
وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ولا معاناة عمل شاق ، إنما هو عمل قلب . وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب ،
وامتناعك ترك وراحة ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك ، فما مضى تصلحه بالتوبة ،
وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية ، وليس في الجوارح في هذين نصب ولا تعب ،
ولكن الشأن في عمرك وهو وقتك الذي بين الوقتين، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاحك ،
وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم . وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده ، فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلا لسعادتها .
وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت ، فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك ، إما إلى الجنة وإما إلى النار ، فإن اتخذت إليها سبيلا إلى ربك بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها إلى الأبد ،
وإن آثرت الشهوات و الراحات واللهو واللعب انقضت عنك بسرعة و أعقبتك الألم العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعته ومخالفته الهوى لأجله .