يوقع في حبائل أهل الهوى:
كذلك أيها الإخوة: عدم الفهم الصحيح للقرآن يوقع المسلم في حبائل أهل السوء، ويجعله يقع أيضاً في الحرام وتتلبس عليه الأمور.
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا...).
مثلاً: يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]
كثيرٌ من الناس اليوم يقولون: الله نهى عن أكل الربا أضعافاً مضاعفةً كأن يؤخذ (50%) أو (100%) أو (300%) هذا هو المحرم، أما إذا أخذنا شيئاً بسيطاً، كأن يؤخذ (5%) أو (7%) أو (3.5%) فهذا ليس فيه شيء؛
لأنه الله يقول: لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]
يعني: الأضعاف المضاعفة هذه هي التي منهي عنها، لكن هذه النسب البسيطة ليس فيها شيء ولا تدخل في الآية، من أين أتي هؤلاء في سوء النتيجة التي وصلوا إليها؟
أولاً: لم يعرفوا هذه الآية نزلت في أي شيء، هذه الآية نزلت -
أيها الإخوة- تنكر واقعاً ربوياً قد تعارف عليه العرب في الجاهلية، العرب في الجاهلية كان الواحد منهم إذا استلف من الآخر نقوداً ثم جاء موعد السداد ولم يؤد الذي عليه مع النسبة الربوية مثلاً، يقول له الشخص الآخر صاحب المال: أؤجلك سنة وأضاعف عليك النسبة، وتأتي السنة التي بعدها ولم يستطع الأداء، يقول له: أؤجلك سنة أخرى وأضاعف عليك النسبة،
فهذه الآية في بيان فساد هذا الواقع: لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً [آل عمران:130] كلما عجز عن التسديد، أعطى له زيادة في المدة مع مضاعفة الربا،
لكن الله يقول في آية محكمة أخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة: 278] ثم يقول مهدداً: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة:279].
فإذاً - أيها الإخوة - الاحتجاج بهذه الآية ونسيان الآيات الأخرى، وعدم معرفة هذه الآية نزلت في تبيان أي واقع من الأمور يسبب الانحراف عن منهج الله والوقوع في المحرمات.
الشعور بتناقض القرآن:
كذلك يؤدي عدم فهم بعض الآيات إلى الشعور بأن القرآن فيه تناقض،
مثال: روى البخاري عن سعيد بن جبير ، قال: جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال: إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ، قال: وما هو؟ -كان يجد أشياء متناقضة- قال: وما هو؟ قال: قال الله: فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101] وقال: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الطور:25]
يعني: الله سبحانه وتعالى ذكر في آية حالة من الحالات لا يتساءلون، وفي حالة أخرى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الطور:25] فهذا فيه تناقض، فكيف؟
فقال ابن عباس ورضي الله عنه وأرضاه: [فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى -ينفخ في الصور، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون-
ثم في النفخة الثانية: أقبل بعضهم على بعض يتساءلون]. فإذاً هذه آية وردت في حال وهذه في حال آخر، إلى آخر المناقشة، وهي مناقشة جيدة ينبغي الرجوع إليها لمعرفة كيف يكون أحياناً عدم فهم الآيات مشعر لبعض المسلمين بالتناقض في القرآن مع أنه ليس هناك تناقض، وإنما التناقض في فهم هذا الشخص.