يقال أن ذبابة سقطت فوق نخلة تمر باسقة شماء لترتاح, وحينما أرادت الرحيل, قالت للنخلة: يا نخلة ! استعدي فإني عنك راحلة.فأجابتها النخلة: أيتها الذبابة الحقيرة, هل شعرت بك حين وقفت حتى أستعد لك وأنت ذاهبة؟
هذه القصة تصلح كمنطلق لكي أقول بأنه يمر بحياتنا أحيانا أشخاص, فيهم الذي تشدك طيبوبته بمجرد أن ترى تقاسيم وجهه البشوش, ومنهم المنافقون الذين ما خلا منهم زمان ولا مكان, يحسبون أنفسهم شيئا وهم لا شيء, مذمومون مدحورون أينما حلوا وارتحلوا, مثل الذبابة التي أوردنا حكايتها في مستهل موضوعنا ذا.
النفاق وأهله من أشد الأخطار فتكا بجسد الأمة, وهم خنجر مسموم طعن به المسلمون منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. لكن, شتان بين منافقي الأمس ومنافقي اليوم, رغم اشتراكهم في نفس المسمى والمآل, إلا أن الإنس طوروا أساليب وحيل احتار في شدتها شياطين الجن أنفسهم, ولا غرابة مادامت النفس الخبيثة تضم بين قفصها الصدري مضغة فاسدة لا تراع في مؤمن عهدا ولا ذمة.
يشكل النفاق أهمية بالغة لمريديه, جيث أنه:
= من أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة.
=قرين الهم والنكد وكثرة الغم.
= مصدر عظيم للفقر والخسارة وكسب السيئات.
= سبب للهلاك يوم الدين.
= أساس خراب البيوت.
=من فوائده, تحقير العمل الصغير.
= هدي الخبثين وأهميته بالغة بالنسبة لهم, من حيث هدم الأوضاع الصالحة.
وأخيرا, هو سبب من أسباب النزول إلى الدركات السفلى.
فيا أيها المنافق, الذي يحسب أنه على شيء و تترصد لأهل الخير, اعلم بأنك لن تضر إلا نفسك, ولن تضر غيرك أبدا. وأن سحرك سينقلب عليك.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول الناس يقض فيه يوم القيامة ثلاثة : رجل استشهد ، فأتي به فعرفه نعمة ، فعرفها فقال : ما عملت فيها ؟ قال : قاتلت في سبيلك حتى استشهدت . فقال : كذبت إنما أردت أن يقال : فلان جريء ، فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم ، وقرأ القرآن ، فأتي به ، فعرفه نعمه ، فعرفها فقال : ما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وقرأت القرآن وعلمته فيك ، قال كذبت وإنما أردت أن يقال فلان عالم ، وفلان قارئ ، فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه إلى النار ، ورجل آتاه الله من أنواع المال ، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها . قال : ما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت فيه لك . فقال : كذبت . إنما أردت أن يقال : فلان جواد فقد قيل ، فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار" الراوي: أبو هريرة المحدث: الذهبي - المصدر: سير أعلام النبلاء - الصفحة أو الرقم: 4/447 خلاصة الدرجة: صحيح.
و في النهاية, أذكر إخواني وأخواتي بأن مثل المنافق كمثل ذبابة منبوذة, لا هم لها إلا إثارة بعض الضجيج للفت النظر إليها, والحل هو أن تهش عليها بيدك وإلا فضربة واحدة قوية تسحقها...و لا تبال بعدها أبدا.
كتبه: أختكم الحياة الطيبة.