وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وفيك بارك وإياك.
الحمد لله رب العالمين، أما بعد:
أخي الكريم: إن الحي أولى بالمسارعة في فعل الخيرات، فكيف تختم لغيرك وأنت لم تختم لنفسك. وأما عن سؤال المسألة، فأقول:
إن هذه المسألة، أي مسألة ما يصل وما لا يصل من الحي إلى الميت من مسائل الخلاف المشهورة بين أهل العلم وقد طال النزاع وكثر التأليف فيها.
خلاصة المسألة:
أن الصدقة والدعاء يصل ثوابهما للغير سواء كان هذا الغير ميتاً أو حياً، وما سوى ذلك من الأعمال التطوعية كالحج وصلاة التطوع والصيام وقراءة القرآن والذكر ونحو ذلك على خلاف، وكلامنا الآن يتمحور حول إهداء ثواب القراءة للميت، فأقول أن المسألة على قولين:
القول الأول: الميت لا ينتفع بذلك: وبه قال مالك والشافعي في المشهور عنهما وقد اختاره الشيخ ابن باز.
القول الثاني: الميت ينتفع بذلك: وبه قال أحمد وأبو حنيفة وغيرهما وبعض أصحاب الشافعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في أحد قوليه ( الفتاوى) وابن القيم ( كتاب الروح ) وعزاه إلى جمهور السلف، والشيخ ابن عثيمين يرى جواز إهداء ثواب القراءة للميت ( مجموع فتاوى العقيدة ).
والفريق الأول، تمسك بقوله تعالى: " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى " النجم 39 وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم
وبالأصول، أن الأصل في العبادات المنع والتوقيف، فلا يصل شيء من الأعمال الصالحة إلى الميت إلا ما دل الدليل على أنه يصل. وأن مثل هذا لم يحث النبي صلى الله عليه وسلم الأمة على إهداءه للموتى على كثرتهم في عهده، ولم يرشدهم إلى ذلك، ولم ينقل هذا عن أحد من الصحابة فيما نعلم.
وقد رد الفريق الثاني على أدلة القول الأول، وأضافوا إليها أدلة عقلية لها مستند قوي في الشرع، والمسألة عندي تحتاج إلى تحقيق تطمئن إليه النفس.
ولكن، إن لم يكن لك باع في الفقه وأصوله، فلك في وقت الحاجة أن تتمذهب بقول عالم ثقة في علمه وعمله ويكون هذا مذهبك في المسألة بدليلها الشرعي، أو أن تطلع بنفسك في كتب العلم لتعرف الراجح بالدليل الشرعي من دونه، وهذا تجده في بطون أمهات الكتب الفقهية المعتبرة، ويمكن الاستفادة من كتاب الروح لابن القيم.
وللخروج من الخلاف، أنك إذا قرأت القرآن أن تدعو الله بما قرأت أن يرحم الميت ونحو ذلك، وهذا من التوسل إلى الله بعملك الصالح وهو أمر مشروع.
والحمد لله رب العالمين، ونسأل الله أن يغفر لموتى المسلمين وأن يتوب علينا لنتوب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله الهادي
أبو تيمية