بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
يا أبنائي..ان اسلافكم كانوا يعدّون الرحلة في سبيل العلم من شروط الكمال فيه، بل كانوا- في دولة الرواية- يعدّون الرحلة للقاء الرجال من شروط الوجوب، فكانوا يقطعون البراري والصحاري والقفار، ويلقون في سببه المعاطب والأخطار، وكانوا يجوعون في سبيله ويعرون، ويظمأون ويضحون، لا يشتكون الفاقة والنّصب،ولا يعدّون الراحة الا التعب، ولكنهم لا يضيّعون أوقاتهم-اذا وصلوا الى أمصار العلم ولقوا رجاله- في مثل ما تضيّعون فيه أوقاتكم من اسفاف ولغو، بل كانوا يحاسبون أنفسهم على الدقيقة أن تضيع الا في استفادة وتحصيل، فتعالوا نقارن سيرتكم بسيرتهم، وتحصيلكم بتحصيلهم،ثم نتحاسب على النتيجة!
كانوا يقيّدون وأنتم لا تقيّدون، وكانوا ينسخون الأصول بأيديهم ويضبطونها بالعرض والمقابلة حرفاً حرفاً وكلمة كلمة، وأنتم أراحتكم المطابع، ويسّرت لكم الكتب، وربّ تيسير جلب التعسير، فان هذا التيسير رمى العقول بالكسل، والأيدي بالشلل، حتى لا تجري في اصلاح الأغلاط المتفشية في تلك الكتب.
وكانوا يرجعون بالرواية الواسعة والمحفوظ الغزير، وينقلون الجديد من العلم، والطريف من الآراء، والمفيد من الكتب- من الشرق الى الغرب، ومن الغرب الى الشرق- فانظروا بماذا ترجعون أنتم اليوم؟
وكانوا ينقطعون عن أهليهم وديارهم انقطاعاً متصلاً يدوم سنوات، وأنتم تزورون أهلكم في كل موسم، وفي كل عطلة، ويزورونكم، وتخاطبونهم في اليوم الواحد ويخاطبونكم،
الحقيقة أننا لا نسمّي رحلتنا اليوم رحلة الا بضرب من التوسع، كما نسمي السفر بالطائرة سفراً، ونضعه بجنب السفر على الابل
من كلام العلامة محمد البشير الإبراهيمي