الأخت المكرمة ( منبر الحق ) حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
بخصوص أسئلتك أختي المكرمة ، فيسرني أن أجيبك على النحو التالي :
السؤال الأول : هل من ورث الزار من أجدادة وأبائهم أن يحسد ويراقب كل نعمة على محسودة يكون حسدة نافذ ؟؟؟
الجواب : الذي أعرفه أختي المكرمة أن لا علاقة ما بين ( الزار ) وما بين الحسد ، ومن هنا فالحسد أمر مستقل بذاته ، ويمكن للشخص الذي به زار أن يحسد وهذا يعود لطبيعته الأصلية ، فإن كان ينطبق الحكم والوصف فيه على أنه يصيب بالعين فهذا أمر ، ولا علاقة لذلك بمسألة الزار ، والله تعالى أعلم 0
السؤال الثاني : إذا واجه الإنسان امامه شخص به الزار و يذهب للسحرة ما الآيات التى تقرأ لتحيل عملة الموجة إلية وهو أمامة ؟؟؟
الجواب : لم يرد أختي المكرمة نص في الكتاب أو السنة للوقاية في مثل هذا الحال ، إنما بالعموم المحافظة على الذكر والدعاء وبخاصة أذكار الصباح والمساء ودخول المنزل والخروج منه وأذكار النوم وأذكار اتيان الرجل أهله والأذكار دبرا الصلوات ، وكذلك المحافظة على الطاعات والبعد عن المعاصي كل ذلك يقي بإذن الله عز وجل من أمثال هؤلاء ، إلا أن يقع قدر الله الكوني لا الشرعي 0
كما أن هناك أذكار عامة للحفظ من الشيطان يمكن المحافظة عليها للوقاية من ذلك وقد ذكرتها في كتابي الموسوم ( القول المبين فيما يطرد الجن والشياطين ) وهيَّ على النحو التالي :
1- عن ابن عمرو - رضي الله عنه – قـال : قـال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا بكر ! قل : اللهم فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، لا إله إلا أنت ، رب كل شيء ومليكه ، أعوذ بك من شر نفسي ، ومن شر الشيطان وشركه ، وأن اقترف على نفسي سوءا ، أو أجره إلى مسلم ) ( صحيح الجامع 7813 ) 0
قال المباركفوري : ( قوله " اللهم عالم الغيب والشهادة " أي ما غاب من العباد وظهر لهم " فاطر السماوات والأرض " أي مخترعهما وموجدهما على غير مثال سبق " رب كل شيء ومليكه " فعيل بمعنى فاعل للمبالغة كالتقدير بمعنى القادر " أعوذ بك من شر نفسي " أي من ظهور السيئات الباطنية التي جبلت النفس عليها " ومن شر الشيطان " أي وسوسته وإغوائه وإضلاله " وشركه " أي ما يدعو إليه من الإشراك بالله ، ويروى بفتحتين أي مصائده وحبائله التي يفتتن بها الناس " قله " أي قل هذا القول ) ( تحفة الأحوذي - 9 / 237 ) 0
قلت : تعقيبا على ما نقله العلامة ( المباركفوري ) حول " شر الشيطان " وإيعاز الأمر للوسوسة والإغواء والإضلال فحسب ، مع أن إجماع أهل العلم يرى أن شر الشيطان وإيذائه قد يتعدى الوسوسـة والإغواء للإيذاء عن طريق الصرع أو المس ، والله تعالى أعلم 0
2- عن والد أبي المليح – رضي الله عنه - قال : ( كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فعثرت دابته فقلت : تعس الشيطان فقال لا تقل تعس الشيطان ، فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت ويقول : بقوتي صرعته ، ولكن قل باسم الله ، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يصير مثل الذباب ) ( صحيح الجامع 7401 ) 0
قال شمس الحق العظيم أبادي : ( " فعثرت " قال في المصباح : عثر الرجل في ثوبه يعثر والدابة أيضا من باب قتل وفي لغة من باب ضرب عثارا بالكسر ، ويقال للزلة عثرة لأنها سقوط في الإثم 0انتهى " فقلت تعس " أي هلك ومثل هذا الكلام يوهم أن للشيطان دخلا في مثل ذلك " فقال لا تقل تعس الشيطان " في القاموس التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط ، والفعل كمنع وسمع وإذا خاطبت قلت : تعست كمنع ، وإذا حكيت قلت : تعس كسمع تعسه الله وأتعسه 0 انتهى 0
وفي المصباح تعس تعسا من باب نفع أكب على وجهه ، وفي الدعاء تعسا له وتعس وانتكس ، فالتعس أن يخر لوجهه ، والنكس أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية وهي أشد من الأولى انتهى " تعاظم " أي صار عظيما وكبيرا " ويقول : بقوتي " أي حدث ذلك الأمر بقوتي " تصاغر " أي صار صغيرا وحقيرا ) ( عون المعبود في شرح سنن أبي داوود – 13 / 223 ) 0
3- عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ، ليجعله في وجهي ، فقلت : أعوذ بالله منك - ثلاث مرات - ثم قلت : ألعنك بلعنة الله التامة ، فلم يستأخر - ثلاث مرات - ثم أردت أن آخذه ، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة ) ( صحيح الجامع 2108 ) 0
قال صاحب لسان العرب : واللعن : الابعاد والطرد من الخير ، وقيل : الطرد والإبعاد من الله ، واللعين : الشيطان ، صفة غالبة لأنه طرد من السماء وقيل : لأنه أبعد من رحمة الله ) ( لسان العرب - 13 / 387 ، 388 ) 0
قال النووي : ( قوله صلى الله عليه وسلم : " ألعنك بلعنة الله التامة " قال القاضي يحتمل تسميتها تامة أي لا نقص فيها ، ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه أو الموجبة عليه العذاب سرمدا 0
قوله صلى الله عليه وسلم : " والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقا يلعب به ولدان أهل المدينة " فيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم ما يخبر به الإنسان وتعظيمه والمبالغة في صحته وصدقه ، وقد كثرت الأحاديث بمثل هذا 0 قال القاضي : معناه أنه مختص بهذا فامتنع نبينا صلى الله عليه وسلم من ربطه ، إما أنه لم يقدر عليه لذلك ، وإما لكونه لما تذكر ذلك لم يتعاط ذلك لظنه أنه لم يقدر عليه أو تواضعا وتأدبا 0 " والولدان " الصبيان ) ( صحيح مسلم بشرح النووي - باختصار – 4 ، 5 ، 6 / 197 - 198 ) 0
4- عن ابن عمرو - رضي الله عنه - قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد قال : أعوذ بالله العظيم ، وبوجهه الكريم ، وسلطانه القديم ، من الشيطان الرجيم ، وقال : إذا قال ذلك حفظ منه سائر اليوم ) ( صحيح الجامع 4715 ) 0
قال المناوي : ( " كان إذا دخل المسجد " قال حال شروعه في دخوله " أعوذ بالله العظيم " أي ألوذ بملاذه وألجأ إليه مستجيرا به " وبوجهه الكريم " أي ذاته إذ الوجه يعبر به عن الذات بشهادة ( كُلُّ شَىءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ ) ( سورة القصص – الآية 88 ) ، أي ذاته وعن الجهة كما في ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ( سورة البقرة – الآية 115 ) ، أي جهته " وسلطانه القديم " على جميع الخلائق قهرا وغلبة " من الشيطان الرجيم " أي المرجوم " وقال " يعني الشيطان " إذا قال ذلك حفظ مني سائر اليوم " أي جميع اليوم الذي يقول هذا الذكر فيه ) ( فيض القدير – 5 / 128 ) 0
قلت : هناك تأويل ظاهر من خلال ما نقله العلامة المناوي وهذا التأويل مخالف للصواب حيث أول وجهه الكريم بذاته سبحانه وتعالى ، ومنهج السلف الصالح يقوم على عقيدة توحيد الأسماء والصفات وهو اعتقاد انفراد الله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلالة والجمال وذلك بإثبات ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة ، وما ينافي توحيد الأسماء والصفات أمران : التعطيل والتشبيه ، فمن نفى صفاته تعالى وعطلها ناقض تعطيله توحيده وكذبه ، ومن شبهه بخلقه ناقض تشبيه توحيده وكذبه 0
قال الشيخ عبدالعزيز المحمد السلمان في قوله تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) و ( إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ) و ( ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) :
( في هذه الآيات إثبات صفة الوجه وهو من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الله وقد دل على ثبوتها الكتاب والسنة ، أما أدلة الكتاب فقد تقدمت وأما الأدلة من السنة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ بوجه الله وكان يقول في دعائه : أسألك لذة النظر إلى وجهك وقول نفاة الصفات أن المراد بالوجه الجهة أو الثواب أو الذات قول باطل والذي عليه الحق أن الوجه صفة غير الذات ) ( مختصر الأسئلة والأجوبة الأصولية على العقيدة الواسطية - ص 57 - 58 ) 0
قال الشيخ سليم الهلالي وفي الحديث فائدة عقدية ، حيث يثبت أن " القديم " من صفات الله جل جلاله ؛ خلافا لما اشتهر في بعض كتب العقيدة ، وتناقله بعض أهل العلم وطلبته ، والله أعلم ) ( صحيح الوابل الصيب – ص 182 ) 0
5- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا الشيطان ، وتعوذوا بالله من شره ) ( السلسلة الصحيحة 2422 ) 0
قال المناوي : ( " لا تسبوا الشيطان " فإن السب لا يدفع عنكم ضرره ولا يغني عنكم من عداوته شيئا ( و ) لكن ( تعوذوا بالله من شره ) فإنه المالك لأمره الدافع لكيده عمن شاء من عباده ) ( فيض القدير – 6 / 400 ) 0
6- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، في يوم مائة مرة ، كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به ، إلا أحد عمل عملا أكثر من ذلك ) ( لامتفق عليه ) 0
قال المباركفوري : ( قوله " في يوم مائة مرة " مجتمعة أو متفرقة " كان " أي ما ذكر " له " أي للقائل به " عدل عشر رقاب " بكسر العين وفتحها بمعنى المثل أي ثواب عتق عشر رقاب وهو جمع رقبـة ، وهي في الأصل العنق فجعلت كناية عن جميع ذات الإنسان تسمية للشيء ببعضه ، أي يضاعف ثوابه حتى يصير مثل ثواب العتق المذكور" وكتبت " أي ثبتت " مائة حسنة " بالرفع " ومحيت " أي أزيلت " وكان حرزا " أي حفظا لفظا ومعنى " من الشيطان " أي من غوائله ووساوسه " يومه ذلك " أي في اليوم الذي قاله فيه " حتى يمسي " ظاهر التقابل أنه إذا قال في الليل كان له حرزا منه ليلة ذلك حتى يصبح ، فيحتمل أن يكون اختصارا من الراوي أو ترك لوضوح المقابلة ، وتخصيص النهار لأنه أحوج فيه إلى الحفظ قاله القاري 0 قلت : قال الحافظ في الفتح قوله كانت له حرزا من الشيطان في رواية عبدالله بن سعيد وحفظ يومه حتى يمسي وزاد ومن قال مثل ذلك حين يمسي ، كان لـه مثل ذلك ومثل ذلك 0 في طرق أخرى يأتي التنبيه عليها بعد انتهى ) ( تحفة الأحوذي – 9 / 306 ، 307 ) 0
7- التكبير : يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في ذلك : ( فالتكبير شرع أيضاً لدفع العدو من شياطين الإنس والجن ، والنار التي هي عدو لنا ، وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار ؛ لكثرة الجمع ، أو لعظمة الفعل ، أو لقوة الحال ، أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة ؛ ليبين أن الله أكبر ، وتستولي كبرياؤه في القلوب على قلوب كبرياء تلك الأمور الكبار، فيكون الدين كله لله ، ويكون العباد مكبرون ، فيحصل لهم مقصودان ، مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله ، ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه ، ولهذا شرع التكبير على الهداية والرزق والنصر ) ( مجموع الفتاوى – 24 / 229 ) 0
وبعد فإن من أكبر أسباب الأمراض النفسية والأمراض التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر وحسد وعين وغيره ، اقتراف المعاصي ، والبعد عن ذكر الله سبحانه ، وأما الاستعاذة بالله من الشيطان الساعي للحد من الذاكرين لله المتعبدين له ، فهو الموجب للحفظ الرادع لأذاه الموصل لرضى الله تعالى ، والفوز بجنته 0
إن المحافظة على نصوص الأوراد الثابتة في الكتاب والسنة تقي وتمنع أذى الشيطان ، فإذا أمسى المؤمن ذاكرا لا يضره حتى يصبح ، وإذا أخذ مضجعـه فذكر الله تنحى عنه ولم يقربه ، وإذا فزع من نومه فذكر الله طرد وساوسه ، ولن يؤثر فيه عبث الشيطان وتلعبه له في منامه ، وإذا أراد دخول منزله فذكر الله حرمه الدخول والمبيت ، وإذا أراد الخروج وذكر الله أعاذه الله من نزغاته ولن يضره أذاه ، وإذا أراد الأكل فذكر الله بورك له فيه ولم يطعمه ، فبات الشيطان دون مأوى أو مطعم ، فيتنحى عن تلك البيوت التي حورب فيها ، بالطاعة والذكر والقرب من الله 0
والشيطان يستغل الفرص ويتأهب لاقتناصها ، فإذا غشي الرجل أهله شاركه في ذلك ، فإن ذكر الله رده على عقبيه ، وإذا دخل عليهم الخلاء في أماكن تجمعهم ، فذكر الله قبل دخوله كان ذلك سترا وحجابا بينه وبينهم فلن يضروه شيئا ، وإذا وقع في مصيبة أو ابتلاء ترصدوا ذلك واستأنسوا له وكانوا قريبين منه يزينون له التسخط والتذمر وعدم الاحتساب والإيمان بالقضاء والقدر ، فإذا ذكر الله لم يضروه ، وإن غضب اقتربوا منه وحاولوا إغواءه والتأثير عليه بكل طريقة ووسيلة ، فإذا ذكر الله طردوا عنه وسلم من كيدهم ، وفي ذلك إرغام لعدو الله حتى لا يحمله الغضب على ارتكاب المحذور من اعتداء أو ظلم أو طلاق أو عقوق ونحوه ، ولا بد من الاقتداء بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لإزالة الغضب والتخلص منه ، لكي لا يكون ذلك مطية الشيطان للنفاذ إلى ابن آدم ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة ومن الأمور الواجب اتباعها تحقيقا لذلك :
1)- السكوت عن الكلام :
عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم فليسكت ) ( السلسلة الصحيحة 1375 ) 0
قال المناوي : ( " إذا غضب أحدكم " لشيء نابه " فليسكت " عن النطق بغير الذكر المشروع ، لأن الغضب يصدر عنه قبيح القول ما يوجب الندم عليـه عند سكون ثورة الغضب : ولأن الانفعال ما دام موجودا فنار الغضب تتأجج وتتزايد ، فإذا سكت أخذت في الهدوء والخمود ، من انضم إلى السكوت الوضوء كان أولى ، فليس شيء يطفئ النار كالماء ) ( فيض القدير - 1 / 407 ) 0
2)- الاستعاذه بالله :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب الرجل فقال : أعوذ بالله سكن غضبه ) ( صحيح الجامع 695 ) 0
قال المناوي : ( " إذا غضب الرجل " يعني الإنسان 0 ولو أنثى " فقال أعوذ بالله " زاد في رواية الطبراني : من الشيطان الرجيم " سكن غضبه " لما يأتي في خبر : أن الغضب من الشيطان : أي من إغوائه ووسوسته ، والاستعاذة من أقوى سلاح المؤمن على دفع كيد اللعين إبليس ومكره 0 وإذا تأمل معنى الاستعاذة وهو الالتجاء إلى الله تعالى والاعتصام به وضم له التفكر فيما ورد في كظم الغيط وثوابه واستحضر أن الله تعالى أعظم قدرة من قدرته على من غضب عليه : سكن غضبه لا محالة ) ( فيض القدير - 1 / 408 ) 0
3)- إن كان واقفا ليجلس أو ليضطجع :
عن أبي ذر - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائـم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) ( صحيح الجامع 694 ) 0
قال المناوي : ( " إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس " ندبا " فإن ذهب عنه الغضب " فذاك " وإلا " بأن استمر " فليضطجع " على جنبه لأن القائم تهيئ للانتقام ، والجالس دونه ، والمضطجع دونهما 0 والقصد أن يبتعد عن هيئة الوثوب والمبادرة للبطش ما أمكن حسما لمادة المبادرة 0 وحمل الطيبي الاضطجاع هنا على التواضع والخفض ، لأن الغضب منشؤه الكبر والترفع - صرف للفظ عن ظاهره بلا ضرورة 0 قال ابن العربي : والغضب يهيج الأعضاء : اللسان أولا ودواؤه السكوت ، والجوارح بالاستطالة ثانيا ودواؤها الاضطجاع : وهذا إذا لم يكن الغضب لله ، وإلا فهو من الدين ، وقوة النفس في الحق : فبالغضب قوتل الكفـار وأقيمت الحدود وذهبت الرحمة عن أعداء الله من القلوب وذلك يوجب أن يكون القلب عاقدا والبدن عاملا بمقتضى الشرع 0 وفي الحديث وما قبله أن الغضبان مكلف 0 لأنه كلفه بما يسكنه من القول والفعل 0 وهذا عين تكليفه بقطع الغضب ) ( فيض القدير - 1 / 407 ، 408 ) 0
4)- الوضوء والصلاة :
قال ابن القيم - رحمه الله - : ( الوضوء والصلاة وهذا من أعظم ما يتحرز به منه ولا سيما عند توارد قوة الغضب والشهوة ؛ فإنها نار تغلي في قلب ابن آدم كما في الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( 000 ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض000 ) ( ضعيف الجامع 1240 ) ، وفي أثر آخر : ( إن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء 000 ) ( السلسلة الضعيفة 582 ) فما أطفأ العبد جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء والصلاة ، فإنها نار والوضوء يطفئها والصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال فيها على الله ؛ أذهبت أثر ذلك كله ، وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه ) ( بدائع الفوائد – 2 / 271 ) 0
وقد ثبت من حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى ) ( صحيح الجامع 4703 ) 0
قال المناوي : ( " كان إذا حزبه " بحاء مهملة وزاي فموحدة مفتوحة " أمر " أي هجم عليه أو غلبه أو نزل به هم أو غم وفي رواية حزنه بنون أوقعه في الحزن يقال حزنني الأمر وأحزنني الأمر فأنا محزون ولا يقال محزن ذكره ابن الأثير " صلى " لأن الصلاة معينة على دفع جميع النوائب بإعانة الخالق الذي قصد بها الإقبال عليه والتقرب إليه فمن أقبل بها على مولاه حاطه وكفاه لإعراضه عن كل ما سواه وذلك شأن كل كبير في حق من أقبل بكليته عليه ) ( فيض القدير - 5 / 120 ) 0
قلت : والشيطان لا يألو جهدا ، ولا يدع مجالا أو مسلكا إلا ويحاول من خلاله أن يحزن الإنسان ، وأن يكالب عليه الهموم والأحزان ، ومن هذا المنطلق فإن الغاية التي يصبو إليها عدو الله ، أن يجعل العبد المسلم في كدر الحياة ، مغتما بهمومها ، متفكرا في مرارتها ودروبها الصعبة الشائكة ، ومن هنا كانت الصلاة طمأنينة للنفس واستكانة لها ، فترى العبد يقف بين يدي مولاه سبحانه وتعالى بانكسار وخشوع ، وصفاء نفس وتعلق به ، وهذا الأمر يورث حلاوة في القلب وقربا من الخالق وشحذا للهمم ، وتقوية للعزيمة ، ويؤصل السرور والغبطة ، وهو أساس لقهر الشيطان وإذلاله واحتقاره ، ومن هنا كانت الصلاة عنوانا لرد كيد إبليس وأعوانه ، وارتقاء وسموا للنفس بالقرب من خالقها 0
فواجبنا اليوم يحتم الامتثال لأمر الله سبحانه ، والاعتصام والاستعاذة به من شياطين الإنس والجن ، والبعد عن الغفلة ، وهجر كل ما هو مخالف للكتاب والسنة ، وبذلك تطمئن القلوب بذكر خالقها عبادة وتقربا لتحظى برضاه سبحانه ، والفوز بجنته 0
هذا ما تيسر لي أختي المكرمة ( منبر الحق ) سائلاً المولى التوفيق والسداد ، مع تمنياتي لك بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0