السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقدمة:
للأسف الشديد أن اعتداء الجن على الإنس جنسيا واقع يشتكي منه أغلب المصابين بالمس والسحر، فلا نملك أن نعده وهمًا أو خرافة، وهذا ليس لقلة الإناث من الجن، أو تمنع إناثهم عن الزنا، ولكنها تبقى في المقام الأول محاولة من الشيطان لتنجيس المعشوق، وسلخه من دينه تقربًا لإبليس اللعين، في مقابل الحصول على المدد وتأثير قوة المعصية في السحر، وذلك بالزنا وأداء طقوس (الدعارة المقدسة)، وغالبًا ما يكون سبب (مس العشق) حقارة الجن العاشق، ومحاولة استعراضية منه رفعًا لشأنه بين أقرانه، وذلك من صفات عموم الجن الماس أنه حقير، خاصة إذا نطق وتكلم على الجسد جزمنا بضعفه.
لذلك يجب أن نفهم الفاحشة على حقيقتها، فالفاحشة في واقع الأمر من زمرة طقوس عبادة الشيطان، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [يس: 169]، فالفاحشة اقترنت في الآية بعبادة الشيطان، أي بطاعة أوامره، ومنها الفاحشة بجميع صورها المختلفة، فقوة السحرة والشياطين المستمدة من إبليس تزداد بممارسة الفاحشة تعبدًا للشيطان، والتي تنال من رصيد عفة المريض وطهارته، لتفسد فطرته وينتقص دينه، وهذا على خلاف أن المسلم يتزوج على سنة الله ورسوله استكمالاً لنصف دينه تعبدًا لله عز وجل.
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف الباقي)،((حسـنه الألباني) انظر حديث رقم: (430) في صحيح الجامع. )
وذلك يتم بكل ما فيه معصية للرحمن ومخالفًا للفطرة السليمة، قال تعالى: (لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لاََتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ، وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ، يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) [النساء: 118: 120].
فإذا كان علو الرجل المرأة أثناء الجماع من مظاهر قوامة الرجل، فالشياطين يعاشرون بأن تعلو المرأة الرجل، وهذا ملاحظ من شكوى كثير من المرضى، وإن كان إتيان النساء في محاشهن محرمًا وهو من جنس فعل قوم لوط، فهو من أكثر أوضاع الشياطين المحبة لديهم في المعاشرة، لذلك نجد أن المصاب بمس العشق يرى امرأة تعلوه وقد استدبرته بظهرها خشية أن يرى قبح وجهها، وقد يفعل أو يفعل به فعل قوم لوط وهو لا يدري، وقد يتم قصرًا في بعض الحالات، فالشياطين لا يستسيغون الزواج بجميع مظاهره كعلاقة شرعية لتفريغ الشهوة بين الرجل والمرأة، لذلك لا صفة لدور الرجل في هذه العلاقة الآثمة، لأن الأب الحقيقي مجهول الهوية، خاصة إذا تعدد من زنوا بالأم، فينسب ابن الزنى لأمه، لذلك يشترط السحرة معرفة اسم أم المسحور لأجله واسم المسحور له، فلا شغف لديهم باسم الأب، وهذا مدون في البرديات والمخطوطات السحرية المنتشرة في المتاحف العالمية، فيدون في أمر التكليف دائمًا (فلان ابن فلانة)، أي يجب أن يقر المسحور لأجله بأنه ابن زنى حتى يتم له مطلبه ومراده، لذلك فعالم الشياطين لا يعرفون لهم اسمًا ويجهلون أسماء آباءهم، فمن الخطأ أن تسأل شيطانًا ما اسمك؟ أو ما اسم أبيك؟ فهذا لا أصل له في عالم الشياطين، ومدعاة لتعجبهم ومثارًا لسخريتهم، لأنه نشأ متشردًا بلا اسم أو ملة أو هوية، فتتخلص أمه منه في طريق الشيطنة وتتبرأ منه قربة لإبليس.
وهذا النوع من المس قد يسبب متعة شخصية للممسوس في بعض الأحيان، فتكون هذه المتعة واللذة داعيًا للسكوت على ما يتعرض له ممارسات فاحشة، إلى أن تتطور هذه العلاقة، فإذا اكتشف الشيطان رضى معشوقه الكامل بالفاحشة، انقلب العاشق على معشوقه بالأذى، وعندها ينتفض المعشوق من غفلته ويبدأ في البحث عن علاج لما ألم به، وعمومًا فهذا الباب بأكمله يناقش مس العشق من جميع الأوجه.
أهداف الشيطان من مس العشق:
للشيطان أهداف كثيرة من إحداثه المشكلات الجنسية، وتنحصر جميعها فيما اصطلح عليه (مس العشق) على وجه الخصوص، وهذه الأهداف ليست أكثر من وسائل يتقرب بها الشيطان العاشق إلى إبليس عليه اللعنة، وبناء عليه فالفاحشة تعد من أقوى مصادر مدد الشيطان على الجسد، والفاحشة هي أول ما يجب علاجه والتعامل معه والاحتياط منه عند علاج جميع أنواع حالات المس والسحر، وإذا عرفنا هذه الأهداف أمكن لنا الاحتياط لأنفسنا، والشيطان له أسباب عديدة نوجزها فنقول:
أولاً: تعطيل الزواج، فدور الشيطان في المتاعب الجنسية يبدأ مبكرًا قبل الزواج، وذلك بمنع تحقيق المعاشرة الجنسية في وضعها الشرعي بتعطيل الزواج، أي إماتة السنة الربانية، وتحريك الزنى، أي إحياء السنة الشيطانية، فأحجامنا عن تزويج الشباب لعلة فقره، أفضى بنا إلى الحرمان من فضل الله تعالى، فأصيب جل شبابنا وفتياتنا بالعنوسة، وزاد عدد الأرامل والمطلقات، والسبب تعلقنا بسبل الشيطان، فحرمنا من سنة الزواج، بين نطفة مهدرة ورحم معطلة، والتهبت فروجنا بالسعار الجنسي.
ثانيًا: التفريق بين الزوجين، فهو من أكثر أسباب الطلاق شيوعًا، وذلك بتعطيل الإحساس بلذة المعاشرة، فيتحكم الشيطان في سرعة القذف وقوة الانتصاب، لتفقد العلاقة الزوجية أهم مميزاتها، وإذا تم هذا في عدم وجود مس أو سحر فهو من باب حسد الشيطان وتمني زوال هذه النعمة عن الزوجين، وهذا من أحد أهم وسائل الشيطان في تحقيق هدفه وهو التفريق بين الزوجين، فقد صح عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت)، قال: الأعمش أراه قال: (فيلتزمه).( )
ثالثًا: حرمان الزوجين من ثواب المعاشرة، وذلك بتنفيرهم من الجماع، لما صح عن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة وبكل تكبيرة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وبكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة و نهى عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة)، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في الحرام، أليس كان يكون عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر).( (صححه الألباني) انظر حديث رقم: (2588) في صحيح الجامع.)
رابعًا: الحيلولة دون إنجاب الذرية، التسلط بالعقم بالمس أو السحر، وهدف الشيطان من هذا منع تكاثر الأمة الإسلامية، هذا إن فشل الشيطان في تعطيل الزواج فليس أقل من أن يصيبها بالعقم، أملاً أن لا يتباهى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، فعن معقل بن يسار أن رجلا ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه أصاب امرأة ذات جمال ومنصب غير أنها لا تلد فنهاه عنها، ثم عاد فنهاه عنها وقال: (تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم). ( )
خامسًا: التسلط على الذرية، هذا إن عجز الشيطان عن إفساد العلاقة الزوجية بالطلاق لأن الله تعالى قدر استمرارها، فيشاركهم في أموالهم وأولادهم قال تعالى: (وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ) [الإسراء: 65]، وهذا علاجه بسيط جدًا بالتسمية قبل الجماع، عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدا لم يضره الشيطان).( )
فالدعاء شمل تجنب الشيطان للزوجين أثناء المعاشرة، وتجنبه ثمرة هذا الجماع، إما إذا كان الجن موكلاً بسحر الهدف منه هو إجهاض عملية الجماع، وهنا لا بد من علاج المس والسحر أولاً، فرغم أن المصابين بالسحر يرددون هذا الدعاء عند كل لقاء، إلا أنه لم يمنع الشيطان من تنفيذ ما قدره الله من ابتلاء لعبده لقوله تعالى: (وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة: 102]، وهنا تأتي أهمية العلاج من المس والسحر، فقد يحدث تدخل من الشيطان في حالة المس ،فقد يصنع الشيطان سحرًا بنفسه للزوجين، وهذا أمر آخر بحاجة لخبرة المعالج وعمق دراسته لحياة الجن والشياطين، بعيدًا عن السطحية في فهم النصوص، وأخذ الأدلة الشرعية بربطها بعضها ببعض، للحصول على الاستنباطات التي تساعد في فهم الحالة واكتشاف سبيل علاجها.
سادسًا: فتح باب الزنى والحض على مفاسد الأخلاق، والتجارب الآثمة، والممارسات الشاذة والمحرمة، للتعويض وكمتنفس عن طول فترة العنس وحرمانها، والزواج المصحوب بالفشل وخيبة الأمل، والذي لم يعد يحقق متعة ولا راحة بال للمتزوجين، ليس لأن الزواج نظام أسري فاشل، ولكن لأن الزواج صار قائمًا على المظهرية والبذخ والبدع والتعقيدات، وليس لغرض الإعفاف وإقامة شرعة الله، لأن الاكتفاء بالفاحشة بجميع صورها كالزنا والسحاق وفعل قوم لوط، أو إدمان العادة السرية كل ذلك زهد الشباب والشابات في قبول الزواج بالمسنون من المتيسر والمتاح، وهذا منحهم جرعة كبيرة من الصبر على الرهبنة الجبرية، أي أن الزواج في أيامنا هذه مبني على غير نهج الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)،( ) فقد أمر بتزويج ذو الدين والخلق مجتمعين، وذلك بمد يد العون له والصبر عليه حتى يقوى عوده، وليس بإقصاءه ونبذه لقصر ذات اليد، لقوله تعالى: ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ، وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) [النور: 32: 33].
هذا ما اعلم والله تعالى وأعلى وأعلم
.