الوصف الكامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
قبل أن نبدأ
هل تعلم كم هو مقدار ما ستجنيه
من إحالتك لهذه الرسالة بعد قراءتها
ولو لقارئ واحد من بعدك؟
وردت (صلى الله عليه وسلم) في هذا المقال مائة وإثنا عشرة مرة، وهذا
معناه، أن الله جل وعلا سيصلي عليك بها ألفاً ومائة وعشرين مرة،
وسيصلي عليك كل ملك مثلها، ملائكة لا يعلم عددهم إلا الخالق جل شأنه
عالم الغيب والشهادة.
وردت آية من القرآن الكريم في هذا المقال بلغت عدد حروفها ثلاث
وستين حرفاً، والحرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها، وهذا يعني ستمائة
وثلاثين حسنة.
إعلم أن كل من سيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم
بعد هذه الرسالة
ويكون سببها قراءة هذه الرسالة، فإن حسناتك منها وصلوات ربك وملائكته
عليك في تصاعد مستمر.
تخيل أن تنتشر هذه الرسالة من بعدك تواتراً وتصل إلى
مائة ألف مسلم على الأقل؟ فماهي غنيمتك من ذلك؟
سأجعل حساب ذلك لك
بسم الله الرحمن الرحيم
صفة لونه:
عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أزهر
اللون، ليس بالأدهم و لا بالأبيض الأمهق - أي لم يكن شديد البياض
والبرص - يتلألأ نوراً).
صفة وجهه:
كان صلى الله عليه وسلم أسيل الوجه مسنون الخدين ولم يكن مستديراً غاية التدوير، بل كان بين الاستدارة والإسالة هو أجمل عند كل ذي ذوق سليم.
وكان وجهه مثل الشمس والقمر في الإشراق والصفاء، مليحاً كأنما صيغ من فضة لا أوضأ ولا أضوأ منه وكان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر. قال عنه البراء بن عازب: (كان أحسن الناس وجهًا و أحسنهم خلقاً).
صفة جبينه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيل الجبين).
الأسيل: هو المستوي. أخرجه عبد الرازق والبيهقي وابن عساكر.
وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبين أي ممتد الجبين طولاً وعرضاً، والجبين هو غيرالجبهة، هو ما اكتنف الجبهة من يمين وشمال، فهما جبينان، فتكون الجبهة بين جبينين. وسعة الجبين محمودة عند كل ذي ذوق سليم. وقد صفه ابن أبي خيثمة فقال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين، إذا طلع جبينه بين الشعر أو طلع من فلق الشعر أو عند الليل أو طلع بوجهه على الناس، تراءى جبينه كأنه السراج المتوقد يتلألأ).
صفة حاجبيه:
كان حاجباه صلى الله عليه وسلم قويان مقوسان، متصلان اتصالاً خفيفاً،
لا يرى اتصالهما إلا أن يكون مسافراً وذلك بسبب غبار السفر.
صفة عينيه:
كان صلى الله عليه وسلم مشرب العينين بحمرة، وقوله مشرب العين
بحمرة: هي عروق حمر رقاق وهي من علاماته صلى الله عليه وسلم التي في
الكتب السالفة. وكانت عيناه واسعتين جميلتين، شديدتي سواد الحدقة، ذات
أهداب طويلة - أي رموش العينين - ناصعتي البياض وكان صلى الله عليه
وسلم أشكل العينين. قال القسطلاني في المواهب: الشكلة بضم الشين هي
الحمرة تكون في بياض العين وهو محبوب محمود. وقال الزرقاني: قال
الحافظ العراقي: هي إحدى علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، ولما سافر
مع ميسرة إلى الشام سأل عنه الراهب ميسرة فقال: في عينيه حمرة؟ فقال:
ما تفارقه، قال الراهب: هو شرح المواهب. وكان صلى الله عليه وسلم (إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل) رواه الترمذي.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت عيناه صلى الله عليه وسلم نجلاوان أدعجهما -
والعين النجلاء الواسعة الحسنة والدعج: شدة سواد الحدقة، ولا يكون
الدعج في شيء إلا في سواد الحدقة - وكان أهدب الأشفار حتى تكاد تلتبس
من كثرتها). أخرجه البيهقي في الدلائل وابن عساكر في تهذيب تاريخ
دمشق.
صفة أنفه:
يحسبه من لم يتأمله صلى الله عليه وسلم أشماً ولم يكن أشماً وكان
مستقيماً، أقنى أي طويلاً في وسطه بعض ارتفاع، مع دقة أرنبته والأرنبة
هي ما لان من الأنف.
صفة خديه:
كان صلى الله عليه وسلم صلب الخدين. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه
قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى
يرى بياض خده). أخرجه ابن ماجه وقال مقبل الوادي: هذا حديث صحيح.
صفة فمه وأسنانه:
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
أشنب مفلج الأسنان).
الأشنب: هو الذي في أسنانه رقة وتحدد. أخرجه
الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في الطبقات
والبغوي في شرح السنة.
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضليع الفم (أي واسع الفم) جميله، وكان من
أحسن عباد الله شفتين وألطفهم ختم فم. وكان صلى الله عليه وسلم وسيماً
أشنب - أبيض الأسنان مفلج أي متفرق الأسنان، بعيد ما بين الثنايا والرباعيات-
أفلج الثنيتين - الثنايا جمع ثنية بالتشديد وهي الأسنان الأربع التي في مقدم الفم،
ثنتان من فوق وثنتان من تحت، والفلج هو تباعد بين الأسنان -
إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، - النور المرئي يحتمل أن يكون حسياً كما يحتمل أن يكون معنوياً فيكون المقصود من التشبيه ما يخرج من بين ثناياه من أحاديثه الشريفة وكلامه الجامع لأنواع الفصاحة والهداية).
صفة ريقه:
لقد أعطى الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم خصائص كثيرة
لريقه الشريف ومن ذلك أن ريقه صلى الله عليه وسلم فيه شفاء للعليل،
ورواء للغليل وغذاء وقوة وبركة ونماء، فكم داوى صلى الله عليه وسلم
بريقه الشريف من مريض فبرىء من ساعته بإذن الله. فقد جاء في الصحيحين
عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله
ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم وكلهم يرجو أن يعطاها ، فقال صلى الله عليه وسلم: أين
علي بن أبي طالب؟ فقالوا: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا
إليه. فأتي به وفي رواية مسلم: قال سلمة: فأرسلني رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى علي، فجئت به أقوده أرمد فتفل رسول الله صلى الله عليه
وسلم في عينيه، فبرىء كأنه لم يكن به وجع).
وروى الطبراني وأبو نعيم أن عميرة بنت مسعود الأنصارية وأخواتها دخلن على النبي صلى الله عليه وسلم يبايعنه، وهن خمس، فوجدنه يأكل قديداً (لحم مجفف)، فمضغ لهن
قديدة، قالت عميرة: ثم ناولني القديدة فقسمتها بينهن، فمضغت كل واحدة
قطعة فلقين الله تعالى وما وجد لأفواههن خلوف، أي تغير رائحة فم. ومما
يروى في عجائب غزوة أحد، ما أصاب قتادة رضي الله عنه بسهم في عينه قد
فقأتها له، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تدلت عينه،
فأخذها صلى الله عليه وسلم بيده وأعادها ثم تفل بها ومسح عليها وقال
(قم معافى بإذن الله) فعادت أبصر من أختها، فقال الشاعر (اللهم صل على من سمى ونمى ورد عين قتادة بعد العمى).
صفة لحيته:
(كان رسول الله صلى الله عليه حسن اللحية)، أخرجه أحمد وصححه أحمد
شاكر. وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية،
والكث: الكثير منابت الشعر الملتفها - وكانت عنفقته بارزة، وحولها
كبياض اللؤلؤ، في أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر
اللحية حتى يكون كأنه منها)، أخرجه أبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة
وابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق وابن أبي خيثمة في تاريخه. وعن عبد
الله بن بسر رضي الله عنه
قال: (كان في عنفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرات بيض). أخرجه البخاري.
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: (لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان البياض في عنفقته).
أخرجه مسلم.
(وكان صلى الله عليه وسلم أسود كث اللحية، بمقدار قبضة
اليد، يحسنها ويطيبها، أي يضع عليها الطيب. وكان صلى الله عليه وسلم
يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته ويكثر القناع كأن ثوبه ثوب زيات). أخرجه
الترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة. وكان من هديه صلى الله عليه
وسلم حف الشارب وإعفاء اللحية.
صفة رأسه:
(أي واسع الكف) كفه ممتلئة لحماً،
غير أنها مع غاية ضخامتها كانت لينة أي ناعمة. قال أنس رضي الله عنه:
(ما مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وأما ما ورد في روايات أخرى عن خشونة كفيه وغلاظتها، فهو محمول على ما
إذا عمل في الجهاد أو مهنة أهله، فإن كفه الشريفة تصير خشنة للعارض
المذكور (أي العمل) وإذا ترك رجعت إلى النعومة. وعن جابر بن سمرة رضي
الله عنه قال: (صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي
أحدهم واحداً واحداً. قال: وأما أنا فمسح خدي. قال: فوجدت ليده برداً أو ريحاً
كأنما أخرجها من جونة عطار). أخرجه مسلم.
صفة أصابعه:
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
سائل الأطراف (سائل الأطراف: يريد الأصابع أنها طوال ليست بمنعقدة).
اخرجه الطبراني في المعجم الكبير والترمذي في الشمائل وابن سعد في
الطبقات والحاكم مختصراً والبغوي في شرح السنة والحافظ في الاصابة.
صفة صدره:
كان صلى الله عليه وسلم عريض الصدر، ممتلىءٌ لحماً، ليس بالسمين ولا
بالنحيل، سواء البطن والظهر. وكان صلى الله عليه وسلم أشعر أعالي
الصدر، عاري الثديين والبطن (أي لم يكن عليها شعر كثير) طويل المسربة
وهو الشعر الدقيق.
صفة بطنه:
قالت أم معبد رضي الله عنها: (لم تعبه ثلجه). الثلجة: كبر البطن.
صفة سرته:
عن هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
دقيق المسربة موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري
الثديين والبطن مما سوى ذلك: حديث هند تقدم تخريجه. واللبة المنحر وهو
النقرة التي فوق الصدر.
صفة مفاصله وركبتيه:
كان صلى الله عليه وسلم ضخم الأعضاء كالركبتين والمرفقين والمنكبين
والأصابع، وكل ذلك من دلائل قوته صلى الله عليه وسلم.
صفة ساقيه:
عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: (وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
كأني أنظر إلى بيض ساقيه). أخرجه البخاري في صحيحه.
صفة قدميه:
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء ششن الكفين والقدمين).
قوله: خمصان الأخمصين: الأخمص من القدم ما بين صدرها وعقبها، وهو الذي
لا يلتصق بالأرض من القدمين، يريد أن ذلك منه مرتفع. مسيح القدمين:
يريد أنهما ملساوان ليس في ظهورهما تكسر لذا قال ينبو عنهما الماء،
يعني أنه لا ثبات للماء عليها وسشن الكفين والقدمين أي غليظ الأصابع
والراحة. رواه الترمذي في الشمائل والطبراني. وكان صلى الله عليه وسلم
أشبه الناس بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وكانت قدماه الشريفتان تشبهان
قدمي سيدنا إبراهيم عليه السلام كما هي آثارها في مقام سيدنا إبراهيم
عليه السلام.
صفة عقبيه:
كان رسول صلى عليه وسلم منهوس العقبين أي لحمهما قليل.
صفة قامته و طوله:
عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربعة من
القوم (أي مربوع القامة)، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير، وكان إلى
الطول أقرب. وقد ورد عند البيهقي وابن عساكر أنه صلى الله عليه وسلم
لم يكن يماشي أحداً من الناس إلا طاله، ولربما اكتنفه الرجلان
الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب إلى الربعة، وكان إذا جلس يكون
كتفه أعلى من الجالس. فكان صلى الله عليه وسلم حسن الجسم، معتدل الخلق
ومتناسب الأعضاء.)
صفة عرقه:
عن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر
اللون كأن عرقه اللؤلؤ (أي كان صافياً أبيضاً مثل اللؤلؤ). وقال
أيضاً: (ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً أطيب من ريح رسول الله
صلى الله عليه وسلم). أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له.
وعن أنس أيضاً قال: (دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (أي نام) عندنا، فعرق وجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: عرق نجعله في طيبنا وهو
أطيب الطيب). رواه مسلم، وفيه دليل أن الصحابة كانوا يتبركون بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم أم سليم على ذلك. وكان صلى الله عليه وسلم إذا صافحه الرجل وجد ريحه (أي تبقى رائحة النبي صلى الله عليه وسلم على يد الرجل الذي صافحه)،
وإذا وضع يده على رأس صبي، فيظل يومه يعرف من بين الصبيان بريحه على رأسه.
ما جاء في اعتدال خلقه صلى الله عليه وسلم:
قال هند بن أبي هالة رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتدل الخلق، بادن متماسك، سواء البطن والصدر). أخرجه الطبراني
والترمذي في الشمائل والبغوي في شرح السنة وابن سعد وغيرهم.
وقال البراء بن عازب رضي الله عنه: (كان رسول الله أحسن الناس وجهاً وأحسنهم خلقاً). أخرجه البخاري ومسلم.
الرسول المبارك صلى الله عليه وسلم بوصفٍ شامل:
يروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه ومولاه
ودليلهما، خرجوا من مكة ومروا على خيمة امرأة عجوز تسمى (أم معبد)،
كانت تجلس قرب الخيمة تسقي وتطعم، فسألوها لحماً وتمراً ليشتروا منها،
فلم يجدوا عندها شيئاً. فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في
جانب الخيمة، وكان قد نفد زادهم وجاعوا. وسأل النبي صلى الله عليه
وسلم أم معبد: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلفها الجهد والضعف
عن الغنم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل بها من لبن؟ قالت:
بأبي أنت وأمي، إن رأيت بها حلباً فاحلبها، فدعا النبي صلى الله عليه
وسلم الشاة، ومسح بيده ضرعها، وسمى الله جل ثناؤه ثم دعا لأم معبد في
شاتها حتى فتحت الشاة رجليها، ودرت. فدعا بإناء كبير، فحلب فيه حتى
امتلأ، ثم سقى المرأة حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا (أي شبعوا)، ثم
شرب آخرهم، ثم حلب في الإناء مرة ثانية حتى ملأ الإناء، ثم تركه عندها
وارتحلوا عنها. وبعد قليل أتى زوج المرأة (أبو معبد) يسوق عنزاً
يتمايلن من الضعف، فرأى اللبن، فقال لزوجته: من أين لك هذا اللبن يا
أم معبد والشاة عازب (أي الغنم) ولا حلوب في البيت!، فقالت: لا والله،
إنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا، فقال أبو معبد: صفيه لي يا أم
معبد، فقالت: رأيت رجلاً ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه (أي مشرق الوجه)،
لم تعبه نحلة (أي نحول الجسم) ولم تزر به صقلة (أنه ليس بناحلٍ ولا
سمين)، وسيمٌ قسيم (أي حسن وضيء)، في عينيه دعج (أي سواد)، وفي أشفاره
وطف (طويل شعر العين)، وفي صوته صحل (بحة وحسن)، وفي عنقه سطع (طول)،
وفي لحيته كثاثة (كثرة شعر)، أزج أقرن (حاجباه طويلان ومقوسان
ومتصلان)، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل
الناس وأبهاهم من بعيد، وأجلاهم وأحسنهم من قريب، حلو المنطق، فصل لا
تذر ولا هذر (كلامه بين وسط ليس بالقليل ولا بالكثير)، كأن منطقه
خرزات نظم يتحدرن، ربعة (ليس بالطويل البائن ولا بالقصير)، لا يأس من
طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصين، فهو أنضر الثلاثة منظراً،
وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر
تبادروا لأمره، محشود محفود (أي عنده جماعة من أصحابه يطيعونه)، لا
عابس ولا مفند (غير عابس الوجه، وكلامه خالٍ من الخرافة)، فقال أبو
معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد
هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. وأصبح صوت بمكة عالياً
يسمعه الناس، ولا يدرون من صاحبه وهو يقول: جزى الله رب الناس خير
جزائه رفيقين قالا خيمتي أم معبد. هما نزلاها بالهدى واهتدت به فقد
فاز من أمسى رفيق محمد. حديث حسن قوي أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه
الذهبي. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة إضحيان، وعليه حلة حمراء، فجعلت أنظر إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم وإلى القمر، فإذا هو عندي أحسن من القمر). (إضحيان
هي الليلة المقمرة من أولها إلى آخرها). وما أحسن ما قيل في وصف
الرسول صلى الله عليه وسلم: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى
عصمة للأرامل. (ثمال: مطعم، عصمة: مانع من ظلمهم).
ما جاء في حسن النبي صلى الله عليه وسلم:
لقد وصف بأنه كان مشرباً حمرة وقد صدق من نعته بذلك، ولكن إنما كان
المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب
حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه
أبيض أزهر. يعرف رضاه وغضبه وسروره في وجهه وكان لا يغضب إلا لله، كان
إذا رضى أو سر إستنار وجهه فكأن وجهه المرآة، وإذا غضب تلون وجهه
واحمرت عيناه. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (استعرت من حفصة بنت
رواحة إبرة كنت أخيط بها ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبتها
فلم أقدر عليها، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبينت الإبرة
لشعاع وجهه). أخرجه ابن عساكر والأصبهاني في الدلائل والديلمي في مسند
الفردوس كما في الجامع الكبير للسيوطي.
في ختام هذا العرض لبعض صفات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
الخلقية التي هي أكثر من أن يحيط بها كتاب لا بد من الإشارة إلى أن
تمام الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم هو الإيمان بأن الله سبحانه
وتعالى خلق بدنه الشريف في غاية الحسن والكمال على وجه لم يظهر لآدمي
مثله.
]