[كتب هذا الموضوع تعقيباً على ما جاء في عمود الأستاذ حسن ساتي "سيناريو" بعنوان: "عن الأبراج شدوا حيلكم.." العدد 389 تاريخ السبت 25 أغسطس 2007، و"الأبراج: كسبنا جولة ولم نكسب معركة" العدد 406 تاريخ الثلاثاء 11 سبتمبر 2007].
قبل الشروع في الموضوع أرجو التنبيه على الآتي:
أولاً: أرجو أن يتسع صدركم لهذا التعقيب ولقبول حكم الشرع في ذلك.
ثانياً: لقد أمر ربنا عند التنازع أن نرد الأمر المتنازع فيه إلى الله ورسوله، أي إلى القرآن والسنة، عملاً بقوله تعالى: "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"1 ، لا إلى أهوائنا، وعاداتنا، وتقاليد الآباء والأجداد، ولا إلى شعر المديح والغناء، ونحو ذلك.
ثالثاً: في معالجة المواضيع الشرعية علينا جميعاً تجنب السباب والشتم والانتقاص في ردنا على الآخرين، فهو أسلوب العاجز الذي لا يملك حجة، والسباب والشتم لا يعجز عنه أحد، نحو ما جاء في العدد 389، نحو: (ولعلم ضيقي الأفق)، (ولأخرجونا منها بنفس الأفق – يعني الضيق – الذي يرى به التزمت عملية نشر الأبراج تخريباً).
رابعاً: مسألة الأبراج والطالع من الأمور العقدية الخطرة التي لا ينبغي لكل إنسان أن يخوض فيها، وإنما ينبغي الرجوع فيها إلى ورثة الأنبياء وهم العلماء الشرعيون.
خامساً: ورد في المقال الأول ثلاثة أمور هي من صور الشرك الأكبر المخرج عن الملة اتفاقاً عند أهل السنة والجماعة، بجانب الاعتقاد في الأبراج والمطالع، وهي:
1. الاستجارة بالكواكب وهذه عقيدة الصابئة الذين أرسل إليهم إبراهيم عليه السلام، فمن استجار بها فقد كفر.
2. الاستجارة والتوسل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن يعتقد فيهم من الأحياء والأموات، إذ التوسل المشروع لا يكون إلا بواحد من هذه الوسائل:
بأي اسم من أسماء الله الحسنى أوصفاته العلا: "قُلِ ادْعُواْ اللهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى"2 .
بالعمل الصالح، كتوسل الثلاثة الذين انسد عليهم الغار، فتوسل أحدهم ببره لوالديه، والثاني بعدم ممارسته لفاحشة الزنا، والثالث برد الحقوق إلى أصحابها، فارتفعت الصخرة، وخرجوا يمشون، كما أخبر الصادق المصدوق.
بطلب الدعاء من الحي الحاضر، كتوسل الأعمى بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فرد الله عليه بصره، وكاستسقاء عمر بدعاء العباس رضي الله عنهما، وهذا هو المراد بقوله: "وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ"3 .
وما سوى ذلك فهو من التوسل الشركي الممنوع.
3. زعمك: (نحن أمام مزاج قدري لا تهمه نار ولا جنة)، هذا اعتقاد باطل فاسد، ويدل على بطلانه:
قوله تعالى: "فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ"4.
وقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ"5.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "اتقوا النار ولو بشق تمرة".
قوله صلى الله عليه وسلم لأحد الأعراب: "بم تدعو في صلاتك؟"، فقال: لا أعرف دندنك ولا دندنة معاذ، ولكن إذا صليت سألت الله الجنة واستعذت به من النار. فقال له رسول الله: "حولهما ندندن".
عندما طلب الصحابي عبد الله بن رواحة من أصحابه في سرية وكان أميرهم وكانت فيه دعابة، بعد أن أمرهم أن يجمعوا حطباً وأن يوقدوا فيه النار، أن يدخلوها، فقالوا في أنفسهم: لم نتبع الرسول إلا لينجينا من النار، فكيف ندخلها؟ فامتنعوا.
وعندما أخبر الرسول بذلك قال لهم: لو دخلتم فيها لما خرجتم منها، إنما الطاعة في المعروف.
قالت زوجة صهيب بن سنان: إن الله جعل الليل سكناً إلا لصهيب، فإن صهيب إذا ذكر الجنة طال شوقه، وإذا ذكر النار طار نومه.
وفي الدعاء المأثور: "اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أوعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أوعمل".
فهل نترك كلام ربنا ورسولنا لما قالته رابعة العدوية أوغيرها من غلاة الصوفية بذوقهم ووجدهم وهواتفهم؟! إن الله لم يتعبدنا بقول أحد كائناً ما كان سوى صاحب الشريعة.
محبة الله والرسول الحقة تكون باتباع الأوامر واجتناب النواهي: "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ"6، لا بالادعاء، والرقص، والتواجد، والشطحات.
سادساً: حملك على من احتسب عليك وتعميمك الحكم ليس له وجه، بل عليك أن تشكره وتدعو له، ولله در عمر عندما قال: "رحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي"، أما الاستنكاف والاستكبار عن قبول النصيحة فهو مذموم، علماً أنني لا أعرف هذا المحتسب، ولكن أسأل الله أن يجزيه خير الجزاء عنك وعن جريدتك وعن الإسلام والمسلمين، فقد ذب عن عقيدة الإسلام، ودافع عن جناب التوحيد، في زمان عاد الإسلام فيه غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء.
سابعاً: في هذين الموضوعين لم تذكر دليلاً شرعياً واحداً على جواز ما تنشرون وتسوقون له، وهو استدلالكم باختلاف أحوال النجوم على اختلاف الحوادث الأرضية، وإنما عدلت عن الرد واكتفيت بالسب والانتقاص والإثارة، فكنت كما قال الأول:
شكونا إليهم خراب العراق فعابوا علينا لحوم البقــر
فكانوا كما قيل فيما مضى أريها السهى وتريني القمر
ثامناً: كون السودان فيه قلة كافرة أومشركة لا يبرر لك – وأنت مسلم – التسويق للشعوذة والدجل والعقائد الشركية.
تاسعاً: لا تغتر بكثرة عدد المشترين للجريدة، ولا بوقوف مجلس الصحافة إلى جانبكم، فكل هذا والله لا يغني عنك من الله شيئاً، واعلم أنه لن تزل قدمك عن الصراط حتى تسأل عن كل حرف وكلمة وصورة نشرت في صحيفتك، فأعدَّ لكل سؤال جواب، ودع عنك الاستغاثة بالطيب صالح، فإنه والله لا يغني عن نفسه ولا عنك شيئاً في ذلك اليوم.
عاشراً: شهد الله أنه لم يدفعني لهذا التعقيب إلا النصح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولدينه، وعقيدته، ولك.
بعد هذا التمهيد والمقدمات التي لابد منها نشرع في بيان حكم الشرع في التنجيم، فنقول وبالله التوفيق:
التنجيم
تعريفه
هو العلم المرتبط ببروج القمر ومطالعه الإثني عشر، جاء في تفسير قوله تعالى: "وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ"7 أن العلماء اختلفوا في معنى البروج على أربعة أقوال8، هي:
ذات النجوم.
القصور.
ذات الخلق الحسن.
ذات المنازل.
قال أبو عبيد وغيره: (وهي اثنا عشر برجاً، وهي منازل الكواكب والشمس والقمر، يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم، وذلك ثمانية وعشرون يوماً، ثم يستسر9 ليلتين، وتسير الشمس في كل برج منها شهراً، وهي الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت).10
وقال ابن عاشور: (والبروج تطلق على علامات من قبة الجو، يتراءى للناظر أن الشمس تكون في سمتها مدة شهر من أشهر السنة الشمسية، فالبرج اسم منقول من اسم البرج بمعنى القصر، لأن الشمس تنزله، أومنقول من البرج بمعنى الحصن.
إلى أن قال: والبرج السماوي يتألف من مجموعة نجوم قريب بعضها من بعض، لا تختلف أبعادها أبداً.
إلى أن قال: وهذه البروج هي في التحقيق: سموت تقابلها الشمس في فلكها مدة شهر كامل من أشهر السنة الشمسية، يوقتون بها الأشهر والفصول بموقع الشمس نهاراً في المكان الذي تطلع فيه نجوم تلك البروج ليلاً).11
قسما علم النجوم12
ينقسم علم النجوم إلى قسمين، هما:
الأول: علم يعرف به سيرها، ومدارها، ومنازلها، وأبعادها، وأحجامها، وهو المعروف بعلم الفلك؛ من أهل العلم من أجاز تعلمه لهذه الأغراض ومنهم من منع تعلمه تحوطاً.
الثاني: علم يعرف بالعلم ال******، يزعمون أنه معرفة ******ة النجوم والكواكب وتأثيرها على الأحداث الأرضية من مطر، وحرب، وحياة، وموت، وسعادة، وشقاء، ولهم في ذلك ما يسمونه بالطالع، ويعملون جدولاً بالحوادث التي ستحدث في العام كله.
وهذا كله دجل، وكذب، وشعوذة، وكهانة، وسحر، وتقول على الله بلا علم.
وهذا القسم يحرم تعلمه والاشتغال به لأنه شعبة من السحر المرتبط بالكواكب والشياطين، ودليل ذلك ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد"13.
المراد بقوله: "زاد ما زاد": (أي كلما زاد من تعلم علم النجوم زاد في الإثم الحاصل بزيادة الاقتباس من شعبه، فإن ما يعتقده في النجوم من التأثير باطل كما أن تأثير السحر باطل).14
وعن أبي موسى يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر".15
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معرفاً هذا القسم المنهي عنه: (التنجيم هو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الأرضية).16
وقال الإمام الخطابي في معالم السنن17: (علم النجوم المنهي عنه ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي ستقع في مستقبل الزمان، كأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وتغيير الأسعار، وما في معناها من الأمور التي يزعمون أنها تدرك معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها. يدعون أن لها تأثيراً في السفليات، وهذا منهم تحكم على الغيب، وتعاط لعلم قد استأثر الله به لا يعلم الغيب سواه).
قال الإمام البخاري في صحيحه: (قال قتادة: خلق الله هذه النجوم لثلاث: زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها غير ذلك أخطأ، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (وكره قتادة تعلم منازل القمر، ولم يرخص ابن عيينة فيه، ذكره حرب عنهما. ورخص في تعلم المنازل18 أحمد وإسحاق).19
وقال ابن أبي العز الحنفي في شرح العقيدة الطحاوية20: (وصناعة التنجيم التي مضمونها الإحكام والتأثير، وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، أوالتمزيج بين القوى الفلكية والغوائل الأرضية، صناعة محرمة بالكتاب والسنة، بل هي محرمة على لسان جميع الرسل).
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله عن هذا النوع المحرم شرعاً تعاطيه والدعاية إليه: (زعموا جميعاً أن الخير والشر، والإعطاء والمنع، وما أشبه ذلك يكون في العالم بالكواكب، وبحسب السعود منها والنحوس، وعلى حسب كونها من البروج الموافقة والمنافرة لها، وعلى حسب نظر بعضها على بعض من التسديس والتربيع والتثليث والمقابلة، وعلى حسب محاشدة بعضها بعضاً، وعلى حسب كونها في شرفها وهبوطها ووبالها. ثم اختلفوا على أي وجه يكون ذلك، فزعم قوم منهم أن فعلها بطبائعها، وزعم آخرون أن ذلك ليس فعلاً لها، لكنها تدل عليه بطبائعها).21
تحذير العلماء من مطالعة كتب التنبؤات، والتنجيم، والشعبذة، والسحر، والطلاسم
لما لهذا العلم والكتب المؤلفة فيه من الخطورة على عقيدة المسلم، فقد حذر العلماء قديماً وحديثاً من تعلم ومطالعة سائر كتب التنبؤات، والتنجيم، والشعبذة، والكهانة، والدجل.
قال ابن رجب الحنبلي: (فعلم تأثير النجوم باطل، والعمل بمقتضاه كالتقرب إلى النجوم وتقريب القرابين لها كفر).22
وقال الذهبي عن كتاب "الزَّيْج الحكمي" لأبي الحسن علي: (لا يحل الأخذ عنه، فإنه منجم ساحر، وهو مصنف الزَّيْج الكبير).23
أخطر كتب هذا الفن
1. "الزَّيْج الحكمي" لأبي الحسن.
2. كتب أبي معشر الفلكي وهو جعفر بن محمد بن عمر البلخي الهالك 272 ﻫ، منها كتاب "الزَّيْج"، وكتاب "المواليد"، وكتاب "القرانات"، وكتاب "طبائع البلدان"، وأشياء كثيرة من كتب الهذيان كما قال الذهبي.24
3. كتاب "الجفر"، المنسوب كذباً وزوراً إلى عليِّ بن أبي طالب تارة، وإلى جعفر الصادق تارة أخرى.
وبعد..
فإن ما تنشرون على صفحات جريدتكم من هذا النوع المحرم شرعاً، والذي حذر منه العلماء، لأنه من باب الكهانة، والشعبذة، والدجل، والسحر، ومن باب التقول على الله وادعاء علم الغيب الذي استأثر به الله عز وجل فلم يطلع عليه ملكاً مقرباً، ولا رسولاً مكرماً، ولا عبداً صالحاً.
فوجب الكف عن ذلك، والاستغفار والتوبة عما مضى، فالتوبة النصوح تجب ما قبلها، والحذر من المكابرة، والواجب الانصياع لحكم الشرع ولكلام ورثة الأنبياء وهم العلماء.
هذا أقل درجاته أن يكون محرماً من كبائر الذنوب، وقد يصل إلى درجة الكفر المخرج من الملة إذا اعتقد المرء ذلك، لأنه من باب السحر والكهانة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كذب بما أنزل على محمد"، وفي رواية: "لا تقبل له صلاة أربعين يوماً"، كما صح بذلك الخبر.
اللهم هل بلغت؟ اللهم فاشهد.
والله أسأل أن يردنا إليه جميعاً رداً جميلاً، وصلى الله وسلم على نبينا المصطفى وحبيبنا المجتبى، وعلى آله وصحبه ومن والاهم.
وهذا رابط المقال :
http://www.islamadvice.com/nasiha/nasiha162.htm
أخوكم المحب / المشفق